خالفت
الجامعة العربية كل التوقعات بمنح
الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة
السورية مقعد سورية في الجامعة، ولذلك بقي المقعد السوري شاغرا خلال القمة العربية في
الكويت، بل عاد العلم ذو النجمتين الذي يستخدمه النظام السوري بدلا من العلم ذي الثلاث نجوم الذي تعمتده الثورة السورية ورفع خلال القمة الماضية في الدوحة.
وفي حين توجه أصابع الاتهام إلى حكومات عربية بعرقلة حصول المعارضة السورية على المقعد السوري الشاغر، يُتهم الأمين العام للجامعة
نبيل العربي بلعب الدور الأكبر في هذا السياق، حيث يتذرع بعدم اكتمال بعض الإجراءات.
ويرى الدبلوماسي السوري السابق محمد حسام حافظ أن موضوع شغل المقعد في الجامعة العربية "له شقان: سياسي وقانوني"، موضحا في حديث مع "عربي21"؛ أنه "غالباً ما يطغى السياسي على القانوني كما في معظم المنظمات الدولية الاقليمية.. لأن أساس العضوية والتعاطي داخل تلك المنظمات هو أساس سياسي يعتمد بالنتيجة على مصالح الدول مع قولبة ذلك ضمن النظم الداخلية لكل منظمة".
وكان وزراء الخارجية العرب قرروا في تشرين الثاني/ نوفمبر 2011 تجميد عضوية سورية في الجامعة، وذلك بسبب "ممارسات النظام السوري بحق شعبه". وأقر وزراء الخارجية العرب بالدوحة في آذار/ مارس الماضي منح مقعد سورية للائتلاف الوطني السوري، حال تشكيله هيئة تنفيذية. ويقول الائتلاف إنه حقق شرط تشكيل هيئة تنفيذية بتشكيله الحكومة المؤقتة.
وفي وقت سابق بعث الائتلاف السوري خطابا إلى الجامعة العربية يفيد بترشيح هيثم المالح عضو الائتلاف، رئيس اللجنة القانونية به، كمندوب لسورية في الجامعة ليشغل مقعد سورية الشاغر منذ أكثر من عامين.
وفي 11 من الشهر الجاري، التقى رئيس الائتلاف أحمد الجربا بالعربي في القاهرة، وذلك لمطالبته بتسليم الائتلاف مقعد سورية الشاغر في قمة الكويت. لكن العربي قال عقب اللقاء إن "هناك إشكاليات ومؤسسات لم تكتمل لدى الائتلاف من أجل تنفيذ قرار وزراء الخارجية العرب عام 2013 بتسلم الائتلاف السوري مقعد سورية رسميا".
وأعلن العربي في وقت لاحق أن قمة الكويت التي اختتمت الأربعاء اتخذت قراراً بمشاركة الائتلاف السوري بشكل استثنائي في اجتماعات مجلس الجامعة العربية التي ستنعقد في أيلول/ سبتمبر القادم، دون أن يترتب على هذا القرار أي التزامات قانونية، بحسب ما ذكره في مؤتمر صحفي عقده بختام القمة. وأضاف العربي أنه كان معترضاً على القرار القاضي بتسلم الائتلاف السوري مقعد سورية "الدول الأعضاء تُمثّل من قبل الحكومات".
وتشير المعلومات من داخل أروقة الاجتماعات التمهيدية للقمة أن الجزائر لعبت دورا بارزا في هذه النقطة، حيث قدمت اقتراحا تبناه العراق ومصر لعدم الإشارة في مشروع القرار إلى مسألة المقعد وتسليمه للائتلاف، كما سار لبنان مع المقترح بحجة سياسة النأي بالنفس عن الشأن السوري.
ويوضح حسام حافظ، الذي سبق أن عمل في السفارتين السوريتين في بريطانيا وأرمينيا قبل أن يعلن انشقاقه عن النظام في تموز/ يوليو 2012، أنه "بالنسبة لجامعة الدول العربية وســورية عضو مؤسس فيها؛ فإن تحديد من يشغل مقعد سورية فيها يعني اعتراف أعضاء المنظمة بذلك الجسم كسلطة تمثل الشعب والدولة السورية معاً وهو إعلان سياسي بالدرجة الأولى".
ويضف حافظ لـ"عربي21": "لكن في ذات الوقت فإن ثمة محددات قانونية لها وزنها واعتبارها في القرار وهنا يأتي ما تناوله بيان الجامعة العربية من أن مؤسسات المعارضة غير مكتملة"، موضحا أنه "لا بد من وجود مؤسسات محددة للتعامل مع ما يترتب على عضوية سورية في المنظمات الدولية والاقليمية ومنظمة جامعة الدول العربية واحدة منها". ويقول حافظ: "على سبيل المثال ثمة منظمات ملحقة بالجامعة يتطلب العمل من خلال العضوية فيها مؤسسات محددة (مثل المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم أليسكو ومجلس الوحدة الاقتصادية العربية والمركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة - أكساد - والأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري) كما أن عضوية الجامعة قد رتبت على سورية التزامات حسب الاتفاقيات الموقعة تحت إشراف الجامعة ومنها المنتعلق بالأمور القضائية والجنائية ومكافحة الإرهاب والشؤون التجارية والدبلوماسية والقنصلية والثقافية والإعلامية والأمنية.. إلخ".
ويتابع الدبلوماسي السوري السابق متسائلا: "كيف يمكن للائتلاف أو الحكومة القيام بما تتطلبه العضوية وهما ترفضان وجود وزارة خارجية محترفة أو مكاتب بديلة".
ومع ذلك، يرى حافظ أنه "لو كان لدى الدول الأعضاء في الجامعة النية والإرادة السياسية المناسبين لكان فتح مجال شغل مقعد الائتلاف في الجامعة من قبل الائتلاف سيكون حافزاً ومساعداً على بناء سريع للمؤسسات المعنية داخل الائتلاف أو الحكومة، وهذا ما سيعني حرمان النظام من أمل الدوع لشغل المقعد – وهذا شيء إيجابي جدا للثورة لأنه سيكون بمثابة إعلان ورسالة هامين لجميع المنظمات الدولية والاقليمية بأن الائتلاف أصبح على المستوى الدبلوماسي الفعلي في تمثيل سورية شعباً ودولةً ومن جهة أخرى سيكون عاملاً مساعداً لبناء المؤسسات الأساسية في الائتلاف والحكومة كوزارة الخارجية على سبيل المثال".
وكان رئيس الائتلاف الوطني أحمد الجربا قد قال في كلمة له في الجلسة الافتتاحية للقمة الثلاثاء، مخاطبا القادة العرب: إن "إبقاء مقعد سورية بينكم فارغاً يبعث برسالة بالغة الوضوح إلى الأسد الذي يترجمها على قاعدة اقتل، والمقعد ينتظرك بعدما تحسم حربك". وأضاف أن الواقع بات يفرض أن "تُسلّم السفارات السورية في العواصم العربية الى الائتلاف الوطني بعد أن فقد النظام شرعيته".
وأضاف الجربا أن السوريين يتساءلون إذا كان "الغرب تقاعس عن نصرتنا بالسلاح الحاسم فما الذي يمنع أشقاءنا من حسم أمرهم حول مقعدنا بينهم".
من جهته، انتقد ولي العهد السعودي الامير سلمان بن عبد العزيز، الذي مثل المملكة في القمة عدم منح المقعد للمعارضة. وقال: "اننا نستغرب كيف لا نرى وفد الائتلاف يحتل مكانه الطبيعي في مقعد سورية" بعد ان منح "هذا الحق" في القمة السابقة التي عقدت في الدوحة العام الماضي. ودعا ولي عهد السعودية الى "تصحيح هذا الوضع" عبر اتخاذ قرار من شأنه توجيه "رسالة قوية الى المجتمع الدولي ليغير من تعامله مع الازمة السورية".
ولعل أحد أسباب عدم تسليم المقعد السوري في الجامعة للائتلاف الوطني يعود إلى رفض أطراف في المعارضة السورية ترفض فكرة تشكيل حكومة مؤقتة بحجم عدم إعاقة الحل السياسي في سورية ومنع وجود ازدواجية السلطة في البلد، وهو ما يعني ضمنا أن هذه الأطراف ما زالت ترى في النظام السوري سلطة "شرعية" بحسب مراقبين.
وأعلنت هيئة التنسيق الوطنية المعارضة أنها بعثت برسالة إلى الجامعة العربية تبلغها فيها برفضها تسلم الائتلاف المقعد السوري، معتبرة أن الائتلاف لا يمثل المعارضة كلها، وأن من شأن هذه الخطوة عرقلة اللقاء التشاوري للمعارضة السورية الذي تدعو إليه الهيئة برعاية الجامعة.
وبسبب الخلافات خلال الاجتماعات التمهيدية للقمة العربية، قررت الجامعة إبقاء المقعد السوري شاغرا، لكن تمت دعوة الجربا لإلقاء كلمة في الجلسة الافتتاحية من منصة الضيوف "باعتباره ممثلا شرعيا ومحاورا أساسيا مع جامعة الدول العربية كما أقر ذلك مجلس الجامعة على مستوى القمة وعلى المستوى الوزاري"، في حين أن الرئيس السابق للائتلاف أحمد معاذ الخطيب دعي للمشاركة في القمة السابقة في الدوحة بصفته ممثلا لسورية مع رفع العلم الذي تعتمده الثورة السورية خلال القمة، وهو ما يعني تراجعا في موقف الجامعة العربية تجاه المعارضة السورية.
وربط باحث وناشط سوري هذا التراجع في موقف الجامعة بشكل أساسي بالتغيرات الحاصلة في مصر، معتبرا أن الجامعة تتأثر بسياسة دولة المقر، كما أن الأمين العام للجامعة يحاول مسايرة سياسة الدولة التي يحمل جنسيتها.
واعتبر الباحث الذي طلب عدم الكشف عن هويته بسبب طبيعة عمله، في حديث لـ"عربي21"، أن "السلطة الحالية في مصر اتخذت خطا أكثر انفتاحا على نظام بشار الأسد، لا سيما أن الحلقة المحيطة بها والتي تمثل البيئة الحاضنة لها بشكل أساسي ترتبط بعلاقات لم تنقطع مع النظام السوري".
ومن جهة أخرى، يضيف الباحث السوري المعارض، "تحرص الدولة المستضيفة للقمة على إظهار القمة بمظهر النجاح، وبالتالي فهي تحرص على عدم إدراج القضايا الخلافية في جدول أعمال القمة، ولذلك نجد أن رئاسة القمة استبعدت إدراج قضية الإرهاب (في إشارة إلى الإخوان المسلمين) التي طالبت بها مصر، كما لم تدعُ الائتلاف لشغل مقعد سورية تجنبا لتفجر الخلافات في القمة، لا سيما أن دولا مثل الجزائر هددت بالانسحاب من القمة".
لكن وزارة الخارجية المصرية نفت معارضة وزير الخارجية المؤقت نبيل فهمي لتولي الائتلاف مقعد سورية في الجامعة العربية أو المشاركة في القمة العربية باسم سورية.
وقال المتحدث باسم الخارجية المصرية بدر عبد العاطي: "هذا كلام فارغ، كيف يمكن أن نتخذ هذا الموقف، فالعلاقة بين مصر وقيادات الائتلاف طيبة للغاية، وكانت هناك زيارة لرئيس الائتلاف مؤخرا للقاهرة التقى خلالها وزير الخارجية". وأضاف: "الائتلاف يحظى بدعم من أغلب الدول العربية، وهناك توجه لمنحه مقعد سورية في الجامعة، ولكن هذا الأمر مرتبط بإجراءات إدارية أعلن الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي أنها تحول دون تحقيق ذلك في الوقت الراهن" حسبما نقلت عنه وكالة الأناضول.
واعتبر الناطق باسم الائتلاف السوري لؤي الصافي أنه "أصبح واضحاً من تصريحات العربي في مؤتمره الصحفي الذي عقده الأربعاء في نهاية اجتماع القمة العربية أنه تحول إلى رأس حربة في سحب مشاركة الائتلاف الوطني في اجتماعات القمة العربية، والتمرد على قراراتها".
وأوضح الصافي على صفحته على الفيسبوك؛ أن سلوك العربي "مؤسف والاستمرار في هذا الخط من قبل الرجل المؤتمن على تنفيذ القرارات سيؤدي إلى مزيد من الضعف في قرارات الجامعة العربية". وأضاف الناطق بأن استمرار الأمين العام بالعمل بهذه الطريقة سيؤدي إلى "الإلغاء الكامل لتأثير للجامعة على الواقع العربي المتردي".
وفي محاولة لاسترضاء الائتلاف الوطني السوري والأطراف الداعمة له، لا سيما السعودية، فقد أكد البيان الختامي للقمة على قرار قمة الدوحة "بشأن الترحيب بشغل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية مقعد الجمهورية العربية السورية في جامعة الدول العربية، والاعتراف به ممثلا شرعيا وحيدا للشعب السوري".
وتحدث البيان عن "دعوة ممثلي الائتلاف الوطني السوري إلى المشاركة في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية، كحالة استثنائية للقواعد المعمول بها في الجامعة، وذلك اعتبارا من الدورة العادية المقبل ة للمجلس في شهر أيلول/ سبتمبر 2014، أخذا في الاعتبار بأنه لا يترتب على هذه المشاركة أية التزامات تمس القرار السيادي لكل دولة عضو في جامعة الدول العربية" حسب ما جاء في البيان الختامي الذي شدد أيضا على أنه "لا يترتب على هذه المشاركة أية التزامات قانونية على دولة المقر وستنظر جمهورية مصر العربية والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية فيما يمكن تقديمه من امتيازات وتسهيلات لممثلي الائتلاف الوطني السوري".
وإضافة إلى مسألة مقعد سورية، دعا البيان الختامي مجلس الأمن إلى تحمل مسؤولياته إزاء حالة الجمود مفاوضات "جنيف2"، مشددا على أولوية الحل السياسي، والسعي "إلى إقرار تحرك مشترك يفضي إلى إنجاز الحل السياسي التفاوضي للأزمة السورية وإقرار الاتفاق حول تشكيل هيئة حاكمة انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة".