قلت قبل ذلك في مقالة لي هنا في موقع "عربي21" إن خبر
ترشح عبد الفتاح
السيسي لرئاسة الجمهورية يعتبر خبرا سعيدا جدا، لأن ذلك يكشف حقيقة
الانقلاب العسكري الذي نحن فيه، ويسهل علينا إسقاطه، ويزيل سائر الحواجز الوهمية التي تمنع خلق تكتل شعبي وطني قادر على إسقاط الانقلاب.
وهذا الخبر -في نظري- خبر غير مهم، أو لا ينبغي أن نبالغ في أهميته، فهو تحصيل حاصل، إنه خبر معلن قبل إعلانه، معروف قبل أن يعرف، حادث قبل أن يحدث!
السيسي هو (ومن معه) يحكمون
مصر فعليا منذ الثالث من يوليو 2013 (على الأقل)، وليس لديهم جديد ليضيفوه بعد
انتخابات الرئاسة، لن يضاف سوى أن السيسي سيصبح المسؤول رسميا عن كافة أشكال الفشل، وبالتالي سيسهل حينها القفز من سفينته، وسيسهل كذلك عزله ومحاسبته ومعاقبته.
بل إن السيسي ومن معه لا جديد لديهم ليضيفوه منذ فشل الحكم العسكري الذي بدأ عام 1952، هذا الفشل الذي يتأكد رئيسا بعد رئيس، ونظاما بعد نظام!
إنها الحقيقة.. مصر دولة متخلفة، ولا يجادل في ذلك أحد، والمسؤول عن ذلك حكم عسكري امتد على مدار ستة عقود دون أي منافس في الحكم.
لقد مرَّ انقلاب الثالث من يوليو بعدة مراحل، المرحلة الأولى كانت فرحة الناس به، وذلك بسبب أخطاء وخطايا من قبله، وبسبب تواطؤ نظام محمد مرسي وتعايشه مع فساد الدولة العميقة، فما كان من هذه الدولة إلا أن ألبسته أوزارها كلها بالحق وبالباطل.
المرحلة الثانية عرف فيها كثير من المنصفين أننا مقبلون على الكارثة نفسها التي كنا نسير إليها منذ الخمسينات، تلك الكارثة التي لم يحاول أن يقاومها أو يوقفها مرسي وإخوانه، بل تعايشوا معها كما قلت، (أعني حكما استبداديا لا يحقق الكرامة والعدالة للمصريين)، وبالتالي بدأ بعض المنصفين بالنصيحة، ثم بمقاومة الانقلاب علنا، و (وهؤلاء قلة بسبب حملات التخويف والتحريض).
المرحلة الثالثة مرحلة المجازر والدماء، وهذه بدورها قلصت مساحة تأييد هذا الانقلاب أكثر وأكثر، وأشعرت كثيرين أن القادم أسود.
المرحلة الرابعة مرحلة الشعور بالخطر على الدولة المصرية، ونحن (الآن) في هذه المرحلة، والسبب في ذلك هو توريط الانقلاب للجميع، فعلى مدار تسعة شهور تقريبا رأينا كافة مؤسسات الدولة الرسمية قد غرقت إلى أذقانها في السياسة، وفي تأييد كافة أشكال القمع، الجيش، والشرطة، والأزهر، والكنيسة، والإعلام، ولجنة الخمسين، والمؤسسات الخيرية، والأوقاف، ووزارة الصحة، واتحادات الرياضة والأندية الرياضية.. إلخ، أغرقوا الجميع في مستنقع السياسة، وأصبح تأييد النظام عبئا ثقيلا، وأصبح الخير القادم من هذا التأييد على كف عفريت، إذ بات من الواضح أن الطريق غير معبدة، وأن نهاية الطريق لا تبشر بذلك الخير العميم الذي ظنه الناس في البداية.
المرحلة الخامسة ستأتي بعد أن يصبح عبدالفتاح السيسي رئيسا، وهي مرحلة الحقيقة الساطعة، فبعد وقت قصير ستصبح الإطاحة به مصلحة للجميع، لمن يعارضونه، ولمن هم معه في مقصورة القيادة، تماما كما حدث مع مبارك، ولن ينفعه حينها الإعلام (علشان الكهرباء قاطعة أصلا!).
الفارق بين ما حدث مع مبارك وما سوف يحدث مع السيسي أن مبارك أخذناه على غفلة، وأخذنا رجاله من بعده على غفلة.. أما اليوم.. فلا مجال لاستغفال أحد لأحد!
حين نصل للحظة الفاصلة سيصبح الجميع أمام اختيار من اثنين، إما الرضى بأسلوب (كبش الفداء)، وإما الإصرار على التطهير الشامل، وأظننا قد جربنا طريق (كبش الفداء) عشرات السنين.
لقد فتحنا الجرح، وسوف نصل إلى (أم القيح) كما نعبر نحن المصريين، ولن نغلق هذا الجرح (جرح الدولة المصرية المسلوبة المنهوبة) إلا بعد أن نطهره تماما.
كيف يكون التطهير؟
بمشروع عدالة انتقالية كامل متكامل، يُقْتَصُّ فيه من كل قاتل، ويُحَاسَبُ فيه كل سارق، ويُعَاقَبُ به كل غادر، وبعد ذلك سيصبح من الممكن أن نجري مصالحة تاريخية تلم شمل الأمة المصرية.
لا تبالغوا في تضخيم خبر ترشحه، لأنه خبر غير مهم، ونحن في الطريق إلى نصر أكيد للأمة المصرية، نصر قريب بإذن الله، تتلوه معركتنا الكبرى.. معركة البناء.
عاشت مصر للمصريين وبالمصريين ...
موقع إلكتروني: www.arahman.net
بريد إلكتروني:
[email protected]