قال الصحفي محمد الدهشان في مقالته الأخيرة بمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية تحت عنوان: "هل لدى
السيسي برنامج اقتصادي؟" إن السياسة الاقتصادية التي سيتبناها السيسي يمكن استنتاجها من تصريحاته التي تتسم بالقسوة على قطاع
الشباب الذي يمثل غالبية الشعب
المصري.
وقام الكاتب بتحليل خطابات السيسي التي دعا فيها الشباب إلى
التقشف والتضحية من أجل الأجيال القادمة.
ويوضح أن سياسة السيسي تبدو مغايرة لسياسة حكومة الببلاوي التي اعتمدت على
الاستدانة من الخارج والإنفاق بوفرة من أجل إنعاش الاقتصاد المحلي.
ويرى أن السيسي يفضل سياسة تقشفية تعتمد على رفع الضرائب وخفض الإنفاق على الخدمات العامة، وهو ما أشار إليه في تصريحاته التي دعا فيها الشباب إلى التبرع بمرتب شهر على سبيل المثال، أو المشي بدلا من ركوب المواصلات العامة التي وصفها بأنها تضييع للمال. فالسيسي يريد أن يقول للشعب إنهم لن يروا تحسنا في مستوى المعيشة والخدمات لمدة طويلة.
ويحلل الكاتب قول السيسي، بأن الشباب المصريين هم أمل مصر ويجب أن يعطوا بدون أن يتوقعوا الحصول على ناتج الآن. ويدعو السيسي الشباب إلى عدم التفكير في الزواج أو العيش الهنيء في هذا الوقت، وإلى أن يعطوا البلد الأولوية؛ فيعلق الكاتب على هذه التصريحات، قائلا إنها "سخيفة ومهينة"، مضيفا أن الشباب المصريين ليسوا فقط "أمل مصر" ولكنهم مصر كلها، فهم يمثلون 60 بالمائة من الشعب، و69 بالمائة من الفئة العاطلة عن العمل. فالسيسي باختصار يطلب من الشباب المصريين أن يوقفوا حياتهم وينسوا الزواج وتكوين الأسر التي أصبحت من الرفاهية (في نظر السيسي).
وبالتالي، فإن الكاتب يرى أن الشباب مطلوب منهم ألا يفكروا في مستقبل أبنائهم ولا الأجيال القادمة، ولكنهم مطالبون بالعمل لخدمة الأجيال الأقدم التي استمتعت بخيرات البلاد لعقود.
ويتطرق الكاتب إلى مطالبة السيسي للمصريين المقيمين في الخارج بأن يتبرعوا براتب شهر من أجل الفقراء في مصر.. فيعلق على ذلك، قائلا إن السيسي الذي يطمع في أموال المصريين بالخارج يتجاهل حقيقة أن غالبيتهم سافروا للضرورة بسبب البطالة وانخفاض الرواتب في مصر، والملايين منهم يعملون في وظائف وضيعة، وأحيانا في ظروف عمل فيها مخاطرة بحياتهم. كما أن أغلبهم رجال يعيشون وحدهم دون أسرهم، ويرسلون المال إلى ذويهم بشكل مستمر. وقد وصل إجمالي هذه الحوالات في العام المالي الماضي إلى 19 مليار دولار، وهي إحدى المصادر الرئيسة للعملة الأجنبية، وتعطي الاقتصاد دفعة قوية.
ويضيف الكاتب، أنه على الرغم من ذلك، فقد سارعت منظمة المصريين في الخارج التي تسيطر عليها الحكومة إلى مدح خطاب السيسي واقتراح فرض ضرائب على العاملين في الخارج.
وأوضح أنه من المرجح أن يتم إصدار قرار بهذا الشأن بالرغم من تشكك الكثيرين في مدى فائدة هذه الضريبة. ولكن المصريين بالخارج ردوا بأنفسهم على هذه التصريحات من خلال وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وأكدوا أنهم لو كان لديهم الفرصة للعمل في مصر براتب ملائم لما اضطروا للسفر إلى الخارج، وأنهم بإقامتهم بالخارج يوفرون على الحكومة رواتبهم وتكاليف الخدمات الاجتماعية، فسيكون من غير العادل أن يدفعوا ضرائب للدولة بدون أن يستفيدوا من خدماتها، ولا سيما أنهم يقومون بدفع ضرائب بالفعل في الدول التي يقيمون فيها.
ويلفت الكاتب إلى أن تصريحات السيسي بأن تحسن الاقتصاد بحاجة إلى "جيل أو جيلين" تدل أنه لا ينوي القيام بأي إصلاحات في الاقتصاد، وهذا يحتم عليه القيام بالتحالف مع رجال أعمال عهد مبارك الذين أعلنوا دعمهم له بالفعل، وهو ما يدل على أنه سيستعيد النظام الذي أعطى أولوية للمصالح الخاصة لرجال مبارك.
وأبرز مثال على ما سبق، بحسب رأي الكاتب، هو تردد الحكومة في إصلاح الدعم في القطاع الصناعي. فتخفيض الدعم في هذا القطاع سوف يكون تأثيره ضئيلا على المواطن البسيط، وسوف يساعد بشكل كبير في إصلاح النظام المالي العام، ولكن الحكومة مستمرة في التركيز على الحاجة إلى خفض الدعم على الاستهلاك الشخصي.
وينبه الكاتب إلى أن السيسي غير مهتم بالدفع بإصلاحات في السلطة القضائية، وذلك لأن معظم العاملين في القضاء مؤيدون له. وللسبب نفسه، لا يتوقع المصريون أن يقوم السيسي بإصلاحات في جهاز الشرطة.
وعليه، فإن الكاتب يرى أن خطة السيسي الاقتصادية يمكن اختصارها في أنها عبارة عن تحذير للمصريين بأن يجهزوا أنفسهم لمستقبل عصيب، فالسيسي يعد المصريين بـ"الظلام في نهاية النفق".
ويشير إلى أن "لدى السيسي فهما ضعيفا لحاجات وآلام الشعب المصري، والأهم من ذلك، أنه يبدو غير مدرك لحقيقة أن المدنيين لا يتلقون الأوامر العسكرية من قادتهم كما يحدث في الجيش".
ويخلص الكاتب إلى أن مسألة شعبية السيسي مبالغ فيها، وأن الإخوان والمعارضين للانقلاب لن يرضوا بسياساته، كما أن القوى العلمانية والمواطنين غير المسيسين لن يكون لديهم دافع للخضوع لسياسات السيسي الاقتصادية التقشفية. أضف إلى ذلك أن شعبية السيسي سوف تنحسر إذا لم يجد المصريون تحسنا سريعا في المعيشة، بعدما عانوا من ظروف اقتصادية صعبة، على مدار ثلاث سنوات بعد "ثورة يناير".