أظهر استطلاع أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية قبل سنوات حالة الكراهية التي يضمرها أكثرية من أبناء
معان للأجهزة الأمنية.
لم تكن مشكلة مع الجار إن كان من طائفة مختلفة أو له مرجعية ثقافية غريبة، المشكلة أن يكون رجل أمن.
قد يقال ان هذه ظاهرة في البلدات الحدودية التي يعتمد قطاع من أبنائها على التهريب، لكن حالة الكراهية في معان للأمن لا توجد في مناطق حدودية كثيرة. والسبب -من معرفة مباشرة ومتابعة ميداني- هو التعذيب والعنف المنهجي بدنيا ولفظيا الذي مورس علي شريحة واسعة منذ العام 89 وهو ما لم يحصل بهذه القصدية والاتساع في أي مكان آخر في البلاد.
هذا الرصد محاولة للتفسير لا التشهير، وهو مجرد عناوين عاجلة يمكن لأي جهة بحثية حقوقية أو صحفية متابعتها. وستجد تفاصيل أكثر مأساوية، وهي لا تعني أن رجال الأمن لا يتعرضون للإساءة والظلم. لكن هم لهم من يدافع عنهم والإعلام في العادة يتبنى الرواية الأمنية حتى لو لم تكن صحيحة. وهذا الرصد لا يعني أن الأمن الأردني صار كا?من السوري.
ومن يتابع الفضائيات السورية وا?يرانية يلاحظ حفاوتها بأحداث معان، لتقول هم مثلنا وما من أحد أحسن من الآخر. يظل الوضع هنا بكل علاته مختلفا تماما عن سورية وا?نظمة الشمولية البائدة والباقية.
أبدأ بأحداث معان الراهنة؛ يعتقل صاحب أسبقيات لدى البحث الجنائي ويعلم البحث الجنائي أن المعتقل الذي لم يرتكب جريمة جديدة تستدعي التوقيف قد تمت تبرئته من محكمة أمن الدولة بعد أن تأكد القاضي أنه يعاني من مرض نفسي حاد يجعله غير مدرك لأعماله.
هذا الموقوف أمانة لدى جهة رسمية يفترض أن تؤمن له الرعاية الطبية وتتأكد أنه يتناول أدويته بأوقاتها، راجع ذووه فصُدّوا ولم يقابلوه وسمعوا أنه يتعرض للتعذيب، ليفاجؤوا بفيديو لابنهم سجله من لا يزال موقوفا لديهم يشتم أفرادا بأعينهم وعائلات، ويختم بأن 'كنادر البحث الجنائي تشرفكم'! في التسجيل ثلاثة جرائم في مكان يفترض أنه يحارب الجريمة؛ فلا يجوز تصوير المتهم ونشر صوره، ولا يجوز نشر الشتائم، ولا يجوز انتهاك خصوصية المرض خصوصا إن كان نفسيا.
أي نفسية هذه تبيح لصاحبها الاستقواء على موقوف أعزل مريض، ولا تراعي حرمة الأعراض، ولا خصوصية المرض الذي لا يعيب أحدا.
لن يتازل ذوو الموقوف عن حقوقهم وعن حقه، وقد يجدوا قاضيا ينصفهم. لكن ليس جميع الناس تلجأ للعقل ومنهم من يفقد عقله ويأخذ حقه بيده.
أعادتني حادثة ا?مس إلى أحداث معان 2001 يوم توفي الفتى سليمان شويطر بعد تعذيبه ثلاثة أيام في بحث جنائي معان وتبين أنه بريء ولا تهمة عليه. وبعد أن ظهر وزير الداخلية على شاشة التلفزيون وقال إن المتوفي قفز عن سور بيت وهو ما تسبب بالوفاة تفجرت ا?حداث التي قتل فيها شرطي بريء ثأرا.
توجد عشرات الحالات الموثقة التي تشكل ألغاما برسم الانفجار، وهي بالنتيجة تؤصل لحالة الكراهية التي تتفجر عنفا في أي مناسبة.
مثل أي كراهية متبادلة
والطرف الذي يمتلك قوة أكثر وهو جهاز الأمن يعبر عنها بعنف أكبر وترد الناس بغضب أعمى. الجيل الذي يملأ شوارع معان عنفا اليوم لم يكن في المدرسة في 2001 لنتخيل لو أن الدولة أنفقت يومها على التعليم الأساسي ما أنفق على الأمن في معان، هل كنا نحتاج أمنا؟
لا توجد بلدة في الأردن مورس عليها ما مورس على معان من تعسف أمني . هذه هي المشكلة، وهي مشكلة يمكن حلها.