كتاب عربي 21

حرب الاستحقاق المذهبي الجديدة في اليمن

ياسين التميمي
1300x600
1300x600
تتصدر المعارك التي تخوضها الميليشيا الحوثية الشيعية المتطرفة، المشهد السياسي في اليمن، بعد أن كادت المعركة مع تنظيم القاعدة ذي النزعة السلفية الجهادية المتطرفة، أن تهدأ في المحافظة الجنوبية، على الرغم من المعركة الخاطفة وغير المتوقعة التي اضطر الجيش أن يخوضها فجر السبت، مع مجاميع مسلحة من تنظيم القاعدة هاجمت مقارّ أمنية ومدنية حكومية، بمدينة سيئون عاصمة وادي حضرموت في شرق البلاد..

وما من تفسير منطقي للمعارك التي تخوضها الميليشيا الحوثية حالياً، ضد الجيش اليمني وبعض القبائل الرافضة للخط الفكري لهذه الحركة، في محافظة عمران الواقعة على بعد (70) كيلو مترا تقريباً من العاصمة صنعاء، سوى أن هذه المليشيا تستفيد، من حالة الانفلات الأخلاقي التي تُهيمن على القرار السياسي لبعض القوى الإقليمية في منطقتنا، ومن المقامرة الخطرة لهذه القوى بأسس العيش المشترك بل وبمقومات الاستقرار الأمني في المنطقة، بدافع التخلص من الإرث السياسي والاستراتيجي لثورات الربيع العربي.

ذلك بالتحديد ما يدفع الميليشيا الحوثية المسلحة إلى الادعاء بأن الذين تواجههم ليسوا الجيش اليمني، بل ميليشيات مقربة من "الإخوان المسلمين"، وهو التوصيف الذي يجد صداه لدى غرفة عمليات إجهاض الربيع العربي، التي امتشقت من غمد الماضي ضابطاً سيئ السمعة في ليبيا اسمه "اللواء خليفة حفتر"، لكي يُوقف مسيرة الانتقال السياسي والديمقراطي في ذلك البلد، وتحت غطاء "مكافحة التنظيمات المتطرفة ومكافحة الإرهاب".

المعارك العبثية والمذهبية الطابع للميليشيا الحوثية تمثل تحدياً حقيقياً وعرقلةً واضحةً للتسوية السياسية الهشة في البلاد، عبر ما تُقدم عليه من انتهاكات فاضحة للأمن والاستقرار ولحقوق الإنسان، من خلال التفجير الممنهج للعشرات من مدارس تحفيظ القرآن الكريم ودور الحديث، وخصوصاً تلك التي تحمل أسماء للصحابة الكرام، وكان آخرها مدرسة تحفيظ القران الكريم بمنطقة (الخدرة) بمحافظة عمران، ومركز الحديث بمنطقة ضوران، في محافظة ذمار، ومع ذلك لا يغطيها الإعلام الرسمي، إلا بالإشارة إلى جهود الوسطاء ومساعي التهدئة.

وللمفارقة فإن التسمية العقائدية للميليشيا الحوثية هي"المسيرة القرآنية"، ويُطلق على قائدها، عبد الملك الحوثي، لقب "قائد المسيرة القرآنية"، كما تُطلق على قناتها الفضائية التي تبث الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت، فيما يحمل الجناح السياسي للحركة تسمية " أنصار الله".

ومن اللافت أن النشاط العسكري لهذه الميليشيا، يتركز داخل النطاق الجغرافي لما تعتقد هذه الميليشيا أنه امتدادها المذهبي،  ويشمل أجزاءً من محافظات: ذمار وصنعاء، وعمران وصعدة والجوف وحجة، ولذلك نجدها تندفع بقوة لـ" استعادة الهوية الثقافية لليمن" على نحو ما صرح به - وبمبالغة زائدة عن الحد- المعلق الإيراني محمد صادق الحسيني، الأمر الذي يفسر بشاعة ما تُقدم عليه هذه الميليشيا من تفجير وتدمير لمساجد ومدارس بل ومنازل يقطنها من أصبح اليوم يعتنق مذهباً مخالفاً، في عملية تطهير خطيرة، من المؤكد أنها إذا استمرت على هذه الوتيرة، ولم يتم إيقافها من قبل الحكومة فإنها يمكن أن تشكل العنوان الأسوأ للمرحلة المقبلة من تاريخ اليمن.

ومما يجدر ذكره هنا، أن الميلشيا الحوثية، ليست إلا الجزء الظاهر من حلف، يتمدد على ذات المساحة المذهبية والجهوية في شمال الشمال، ويؤدي فيه الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وبعض قيادات حزبه(المؤتمر الشعبي العام) المنتمية للمناطق القبلية أدواراً رئيسية، ويجري في إطاره استخدام إمكانيات الدولة القديمة، في مسعىً واضحٍ لتقويض النظام الانتقالي، بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي ينتمي أصلاً إلى المؤتمر الشعبي العام ، وإقصاء القوى السياسية والعسكرية والأمنية التي وقفت خلف ثورة الـــــ11 فبراير 2011 الشبابية الشعبية السلمية، وساهمت في إنتاج هذا النظام. 

ولأن هذا الحلف قد أظهر نية للتملص من الالتزامات التي يفرضها اتفاق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، فإن المآلات الخطيرة لتحركات هذا الحلف، لن يحتويها إلا تحركٌ غير قابل للتأجيل، من قبل لجنة العقوبات الدولية وفريق الخبراء التابع لها، لفرض إرادة المجتمع الدولي القائمة على قرارات مجلس الأمن(2014، 2051، 2140 ) بشأن التسوية في اليمن. 
التعليقات (0)