في 25 يناير قامت
ثورة رائعة، أبهرت العالم، ورآها البعض الأعظم في تاريخ الثورات، ووصفوها بأنها استثناء مذهل في سلميته وعدالة مطالبه وصمود أصحابه واستقبلها
المصريون بالترحاب وانحازوا لها ولشبابها ولمطالبها وتطلعوا معها إلى مستقبل أفضل لهذا البلد، وسرعات ما أقصت الثورة رأس الدولة العسكرية محمد حسني مبارك، وانتزعت اعتراف رسمي بكونها ثورة شعبية ضد حاكم معزول بأمر الشعب لا بأمر أحد آخر فلم يكن لأحد في عزل مبارك خيار آخر امام إرادة الشعب المصري الذي نزل بالملايين 18 يوما وأسقط مبارك رغم أنفه وأنوف رجاله.
ورغم انبهار العالم وتزكية الجماهير واعتراف الدولة إلا أن ثمة من كان يرى في يناير نكسة لا ثورة، ومهزلة، ومصيبة، ويرى في مبارك قائد، وبطل، ومظلوم، ولا يستحق ما حاق به من عزل، ....إلخ.
في أي ثورة في التاريخ لا يمكن لخصوم الثورة وأعدائها الصرحاء أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، فالثورة حين تنجح فهي الشرعية الوحيدة، هي الدولة الجديدة وانحيازاتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، هي بيت القصيد ومربط الفرس، هي كل شيء، وما سواها لا شيء.
ورغم ذلك ظهر من يسب الثورة آناء الليل وأطراف النهار، سمحوا لهم بالظهور، والنشر، والتعبير عن آرائهم بكافة الوسائل، تحت زعم أن الثورة جاءت من أجل الحرية والديموقراطية ولا ينبغي لها أن تكمم أفواه معارضيها، لاحظ: الثورة في هذا السياق ليست يقين سياسي كما تعودنا على امتداد التاريخ، إنما هي وجهة نظر، ومع الوقت رأينا لميس جابر، وحسن شحاتة، وطلعت زكريا، وغيرهم الكثير، يهاجموت ثورة الشعب على مبارك في قنوات تنتمي من الناحية القانونية إلى مصر التي من المفترض أنها مصر الثورة!!، ومع المزيد من التراخي والتساهل ظهر الكردوسي، وموسى، وعبد الرحيم علي، وإبراهيم عيسى، وتوفيق عكاشة، وأماني الخياط، وأنثى العكش، والست بتاعة شت يور ماوس أوباما وأصبح مهرجانا للنيل من ثورة يناير، وثوارها، وناشطيها، الطابور الخامس، العملاء، الأجندات الأجنبية، التمويل الخارجي، عبيد يناير، بالإضافة إلى تشكيلة شتائم بالأم والأب، وخوض في الأعراض، حقيقة، ومجازا، والمعايرة، والمكايدة، باتهامات وهمية، وتسجيل تليفونات شخصية، واعتقالات عشوائية، وأحكام متعسفة بالسجن واختطاف واعتداءات بالضرب والتعذيب ... إلخ.
يحدث هذا منذ 25 يناير إلى الآن مع مراعاة التدرج الذي كانت تقتضية طبيعة اللحظة التي أنتجت الثورة، ولا يعدو ما يحدث عند الكثيرين، سوى تباينات في وجهات النظر، وآراء مختلفة، وأحكام قانونية يقضي بها القضاء الشامخ ويجب علينا احترامها إلى آخر هذه الاسطوانات ...
هذا شأن يناير إذن، وجهة نظر تؤيد، ووجهة نظر تعارض، الأولى معتمدة رسميا من الدولة، والثانية معتمدة عمليا من نفس الدولة، "وكل من له نبي يصلي عليه".
أما ثورة 30/6 "المجيدة"، وما تلاها في 3/7 التي يحرص أصحابها أن يسموها بـ 3/7 مجردة عارية دون توصيف اجتنابا للاحتكاك بـ - اللهم احفظنا -
الانقلاب العسكري، فهذه قدس الأقداس.
30يونيو عند المؤمنين بشرعيتها ليست مجرد ثورة، بل هي "ال" ثورة، بالألف واللام، وما سواها باطل، حين يريدون التودد إليك، يتسللون عبر يناير فيخبرونك أنها المكملة لثورة يناير، وبذلك نكون قد أبهرنا العالم مرتين، في التاريخ كله تحاول الثورة المضادة أن تقضي على الثورة الحقيقية، ويدور بينهما صراع، يفوز بالدولة من يحسمه لصالحه، إلا عندنا بالصلا على حضرة النبي، نحن أول شعب يكمل ثورته بثورة مضادة، وعليك أن تعترف بأنها ثورة، وأنه لم يجر الانقلاب عليها، والانقضاض على مكتسباتها، وإذا كان لك رأي آخر، فأنت خارج الجماعة الوطنية، خائن، عميل، خلية نائمة، إرهابي، أو داعم للإرهاب، يستويان، ليس لك مكان بين المصريين الشرفاء الذين اعترفوا بـ 30/6 واستقبلوها بقبول حسن!
ليس معنى أننا سمحنا من قبل بانتقاد ثورة يناير وتخوين أصحابها، وما زلنا نسمح بذلك، ونقصده، وسنظل نسمح به ونشجعه، أن نسمح بالشيء نفسه مع ثورة 30/6 (المجيدة) .. هناك فرق.
يناير، سؤال اختياري في كراسة امتحان الوطنية المصرية ، بل إن البعض قرر حذفه من المنهج، تيسيرا على الطلاب، أما 30 يونيو فهو سؤال إجباري، غصب عنك، إما أن تجيب أو ترسب، وتطرد، وتفصل من المدرسة، وجايز "يمدوك" على رجليك.. يا كلب يا ابن الكلب.
الاعتقاد في 30/ 6 والولاء لها، والبراء من كل من يختلف معها، أو يرفض تداعياتها في 3/7، هو شرط إيمانك بالوطن، والمعارضة كفر بمصر، وبناء عليه فلا مكان لكافر بها بين أهلها ومواطنيها الشرفاء، أنت مطرود من رحمة الوطن، معزول سياسيا، وإعلاميا، مغضوب عليك لأنك من الضالين، مرفوض الكلمة والرأي مطعون في شرفك الوطني والسياسي، متهم في انتمائك، محاصر بكل أجهزة الدولة ومؤسساتها، بالأمن، بالفتاوى، بالشاشات التي لا تهدأ، الكل يصرخ في وجهك، الكل يرفضك، ولا يريدك، ولا يسمح لك ..
هذا الجنون مرده إلى اهتزاز أصحاب مزاعم ثورة يونيو، وكون ما حدث ليس انقلابا وإنما عطفا وحنانا وتكرما من الجيش العظيم بالانحياز لمطالب الجماهير العظيمة، هذه المبالغة في العداوة، والفجور في الخصومة، والصراخ في الخطاب، وقطع كل طرق الرجوع ، والركض المتعجل نحو الهاوية، كل هذا وغيره لا ينم إلا على خوف ورعب داخليين، خوف اللص المسلح من أصحاب البيت العزل أن يكتشفوه، خوف القط وهو يتسلل ليختطف قطعة جبن لم يلقها له صاحبه ولو فعل هذا الأخير لوقف القط هادئا أمامه يأكلها بتلذذ، ذلك لأنه يميز بفطرته الحيوانية بين الجريمة والحق، هذا خوف المجرم من افتضاح أمره، ومحاولته الدائمة للتغطية على جريمته وصرف الأنظار عنه، والتذرع بالحجج الواهية، والإشارة إلى فاعلين آخرين، وكلما حدثته يخبرك أن الآخرين من فعلوا، الآخرون هم السبب، الإخوان، المؤامرة، أمريكا، إسرائيل، قطر، تركيا، إيران، أي أحد ... سواه
هذا الخوف دفعهم لافتعال بهجة خيالية بنجاح رئيس لم ينتخبه أحد، ويدفعهم الآن لإنهاء انتخابات البرلمان، و"التكويش"على كل منافذ الفعل السياسي، وإعادة انتاج دولة مبارك بطرق تتناسب مع الراهن، والتخلص من كل أثر ليناير، تلك التي تذكرهم بجريمتهم.
وأقول لك، هذا التطرف والهوس والجنون في نفي الآخرين ومحاولة استئصالهم، هو ما سيجعل نهايتهم أسوأ من نهاية مبارك، بأيديهم قبل أيدينا، وبغبائهم قبل تدبيرنا، وبوحشيتهم قبل إصرارنا، إن موعدهم الصبح، أليس الصبح بقريب ..
والله قريب.