كتب عبد الله الشايجي: وأعلنت «الدولة الإسلامية» أنها تمتد من حلب في شمال
سوريا إلى محافظة ديالى في شرق
العراق على الحدود مع إيران.. وهذا بحد ذاته يشكل بعدين استراتيجيين لافتين. الأول أنه التطور الأهم والأخطر في العمل الجهادي للمنظمات الجهادية منذ قيام القاعدة باعتداءات 11 سبتمبر 2001 - ويشكل خلافا واضحا مع القاعدة.. حيث انشقت داعش من رحم القاعدة التي تبرأت من داعش ويبين إعلان داعش قيام الخلافة الإسلامية في سوريا والعراق الخلاف الاستراتيجي والأولويات بين القاعدة وداعش أو «الدولة الإسلامية».
حيث لم تعلن القاعدة عن مشروع لقيام الخلافة الإسلامية قبل إنهاء المواجهات مع الغرب وأميركا خاصة.. بينما ترى «الدولة الإسلامية» التي كانت تُعرف بداعش أن الأولوية هو لقيام الخلافة الإسلامية. وهذا ما قامت به في تحدٍ ليس للقاعدة ولكن لجميع الدول العربية والإسلامية حيث اسقطت داعش شريعتهم والحدود والأنظمة السياسية لتلك الدول. وطبعا هذا التطور غير المسبوق يزيد من الضبابية الخطيرة ليس في المشهد العراقي الذي يزداد استقطابا ويغرق في حرب أهلية وتداخل عوامل إقليمية ودولية كالدور الإيراني ودوليا عودة الولايات المتحدة بمستشارين عسكريين يقودون ويخططون لمواجهة داعش.
يبدو أن التحدي الحقيقي اليوم هو تمكين حكومة المالكي المنتهية ولايته واستعادة مدينة تكريت المهمة في وسط العراق ليؤكد المالكي قدرته على وقف زخم تقدم وانتصارات داعش التي تقود تحالفا من العشائر السنية فلول البعث الغاضبين والمستفيدين في تحالف مصلحي من سياسات ومواقف وطائفية المالكي وحلفائه.. واليوم تُثار أسئلة حول وجوب تغيير نوري المالكي بالرغم من فوز كتلته «دولة القانون» بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية في الانتخابات البرلمانية التي عُقدت في نهاية مارس 2014.. استبدال المالكي بوجه شيعي آخر للخروج من هذا المأزق وتنفيس الاحتقان وانسداد الأفق السياسي.
أما تداعيات انتصارات داعش الميدانية وإعلانها «الخلافة الإسلامية» فهو ضرب المشروع الإيراني في الصميم وتجزئة الهلال الشيعي الذي ترعاه وتقوده إيران من طهران إلى المتوسط وحدود إسرائيل في جنوب لبنان.. هذا التطور الاستراتيجي يشكل تحديا وتهديدا مباشرا لإيران واستراتيجيتها وتمددها لتصل إلى جنوب لبنان، كما يدعي مستشار المرشد العسكري يحيى صفوي.. ليزيد من فجوة عدم الثقة بين العرب وإيران. واليوم مع إعلان الخلافة الإسلامية وامتدادها من حلب في سوريا إلى حدود إيران يضرب مشروع إيران في الصميم.. ويربك مشروعها ودورها ويقطع طريق الامداد والتواصل مع الحليف السوري وحزب الله في لبنان.. داعش التي استفادت من السماح لها بالتضخم والتمدد من إيران وحليفها السوري واللبناني وتركوها تكبر وتتمدد دون مواجهتها مبكرا وتركها تقاتل الثوار السوريين والجيش السوري الحر.. أصبحت تشكل أكبر تهديد على المستويين الميداني والعسكري بانتصاراتها والإيديولوجي العقائدي لإيران وحلفائها ولدول المنطقة السنية التي بإعلان الخلافة الإسلامية تطعن بشرعية جميع تلك الدول.
وحتى يزداد المشهد العراقي ومعه الإقليمي تعقيدا دخلت أميركا وروسيا وإسرائيل على خط المواجهة العراقي.. واقترب الأكراد من إعلان دولتهم الجاهزة للإعلان بما تملكه من مقومات وبدعم وحتى تحريض من نتانياهو رئيس وزراء إسرائيل الذي يرى في قيام دولة كردية مستقلة بعد سيطرة البشمركة الأكراد على كركوك «قدس الأكراد» وانتصارات داعش وإعلان قيام «الخلافة الإسلامية» ضمن تحالف دول لمواجهة داعش.. «الأكراد هم أمة من المقاتلين وأثبتوا التزاما سياسيا ويستحقون الاستقلال» ألا ينطبق هذا على الفلسطينيين؟ لكن نتانياهو يرى بعين واحدة وليس بعينيين!! وفي أكثر موقف وضوحا في الاقتراب من إعلان دولة كردية بسبب ما غيرته داعش على الأرض من وقائع جديدة كان تصريح مسعود برازاني رئيس إقليم كردستان العراق لسي إن إن – بعد أن زار كوكوك وأعلن أن الأكراد سيبقون كركوك ضمن مناطقهم – «حان الوقت ليقرر الشعب الكردي مستقبلهم».
في هذا الوقت الرئيس أوباما بدأ يستشعر الخطر من داعش والتفلت الأمني في العراق، وأعلن أن هذا قد يهدد الأمن الأميركي بسبب دخول الأوروبيين إلى أميركا دون الحاجة لتأشيرة دخول.. وذلك بعد أن أرسل 300 خبير عسكري وطائرات بدون طيار تقوم بطلعات جوية فوق العراق كمقدمة للتدخل العسكري. « وزيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري للعراق ولقائه المالكي وقيادات سياسية ودينية وزيارته لإربيل ولقائه مسعود برازاني وطلبه من الجيش السوري الحر والمعارضة السورية بعد أن طلب الرئيس أوباما من الكونغرس الأميركي تخصيص 500 مليون دولار لدعم وتسليح وتدريب «عناصر معتدلة منتقاة من المعارضة السورية» لمواجهة داعش في سوريا وفي العراق!! يستمر التخبط والارتجال الأميركي في سوريا والعراق ويكون عادة التدخل متأخرا ومحدودا ما يفاقم المشاكل!!
كذلك دخلت روسيا المسرح العراقي بالموافقة على بيع العراق وبشكل عاجل ويثير ريبة - طائرات سوخوي مستعملة كانت تملكها الهند وقايضتها مع روسيا التي قامت بصيانتها وبيعها بشكل عاجل لتبدأ الخدمة ضد داعش وخاصة في المناطق التي سيطرت عليها.. وهذا يثير سؤالين.. أين الاستثمار الأميركي بالقوات العراقية والصفقات التي وقعها العراق مع الولايات المتحدة لشراء طائرات F - 16 وأباتشي؟ ولماذا طائرات روسية ومن سيقود هذه الطائرات المقاتلة؟ مرتزقة وطيارون روس؟ لأن الطيارين العراقيين ليس لديهم خبرة في قيادة هذه الطائرات.
استمرار داعش وقوات العشائر بالتقدم العسكري «الدولة الإسلامية» العسكري والميداني وتحقيق تقدم ميداني كما تشير التقارير الأمنية بالسيطرة على تكريت وإحباط محاولات القوات النظامية استعادة تكريت.. وصولا لإدعاء داعش «تحرير» قاعدة «سبايكر» الأميركية الكبيرة بما فيها من دبابات وطائرات ومعدات عسكرية.
«الدولة لإسلامية» تخلط الأوراق بإعلان دولتهم المحدودة.. وتهديدهم لبغداد وإعلان خطة حماية بغداد وحتى التفكير بإقامة جدار عازل وتغيير دينامكية السياسة الداخلية في العراق والتفكير بتغيير المالكي بشخصية أكثر توافقا والدورين الأميركي والروسي والتحريض الإسرائيلي والطموح الكردي لإقامة دولة كردية ترفضها جميع دول الجوار وخاصة إيران وتركيا ومعهما الولايات المتحدة الأميركية.. لا شك يربك الجميع ويؤكد الفشل الاستراتيجي في العراق والتداعيات الخطيرة لذلك على المنطقة بأسرها.. ولنا عودة.
( الوطن القطرية)