ما تشهده الأراضي
الفلسطينية من تصعيد عسكري
إسرائيلي شبهته الصحافة العبرية بـ"المتدحرج" يقود المراقبين والمحللين السياسيين إلى تساؤلات: "ماذا تريد إسرائيل من حملات المداهمة للبيوت واعتقال المئات من أبناء الشعب الفلسطيني؟ هل يعيش الفلسطينيون حرب استنزاف يمارسها جيش الاحتلال؟ وما هي أبعاد الحملة العسكرية الإسرائيلية؟".
يرى أستاذ العلوم السياسية الدكتور خالد عبد الحق، أن ما يجري هو "استثمار مدروس وممنهج لحادثة اختفاء ومقتل المستوطنين الثلاثة باتجاهات أهمها: "أو? كسر الإرادة الفلسطينية الشعبية من خلال التأكيد على استمرار وجود قوات وأجهزة الاحتلال في الضفة الغربية.. ثانيا: ضرب أي توجه نحو تحقيق المصالحة الفلسطينية، وبالتالي الوحدة الوطنية، والاستمرار بالانفراد بقيادة هشة ضعيفة ? تملك خيارات قادرة على تغيير قواعد اللعبة في الضفة الغرببة، وإبقاء
حماس في
غزة تعاني من حالة العجز الاقتصادي والسياسي في ظل المتغيرات الإقليمية".
ويضيف عبد الحق في حديثه لـ"عربي21"، أن الهدف الثالث هو "خلق الذرائع لاجتياح القطاع عسكريا بهدف ضرب تنامي القوة الدفاعية والهجومية لفصائل المقاومة وإعادتها إلى الحدود المسموح بها ضمن المنظور العسكري الإسرائيلي.. ولعبت المتغيرات الإقليمية والدولية دورا بارزا في إعادة صياغة الاستراتيجيات السياسية للكيان الإسرائيلي خاصة أزمة اوكرانيا وصمود جيش النظام السوري والتحو?ت في مصر، وتهديدات داعش للأردن، وغيرها من المتغيرات التي أفرزت تحو?ت في منظومة القطبية الأحادية، ولم تعد للو?يات المتحدة الأمريكية هي اللاعب الوحيد على الساحة الدولية، فضلا عن أن تجربة حرب 2006، وما نتج عنه من تغير في قواعد الحرب الإلكترونية، ما يفرض على إسرائيل محاولة استغلال الوقت الضائع الذي يسبق تبلور المنظومة الدولية الجديدة، لتحقيق مكاسب عسكرية تنهك المقاومة، حتى لو اضطرت لارتكاب المزيد من جرائم الحرب والعنف المفرط".
إرباك الفلسطينيين وإنهاء حكومة التوافق
ويرى النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني إبراهيم دحبور، أن الإجراءات التي يقوم بها جيش الاحتلال في الضفة الغربية ليست بالجديدة أو وليدة حدث معين، وإنما هي امتداد لسياسات قديمة سابقة مارسها الاحتلال منذ احتلاله للأراضي الفلسطينية منذ العام 67، غير أن هذه الإجراءات برأي دحبور كانت تعلو وتهبط حسب الظرف، وحسب الحاجة، ويرمي الاحتلال من وراءها تحقيق عدد من الأهداف منها: "إبقاء قبضته الأمنية محكمة وشديدة على كافة مناحي الحياة في الأراضي المحتلة، لأن عقلية الإحتلال ركبت على أساس أن الأمن هو الغاية القصوى والهدف الأسمى، فالأمن يحقق للاحتلال حياة الاستقرار والبقاء، وهو الذي يربك الشعب الفلسطيني وتنظيماته ويستنزف قدراتهم ويبقيهم في حالة ارتباك وترقب وانتظار ومواجهة وعدم استقرار".
وأضاف إلى ذلك "أن الإجراءات الأمنية تمكن الاحتلال من تحقيق الأمن الشخصي والاطمئنان النفسي للمستوطنين الذين يعيشون في أجواء معادية لوجودهم في الضفة الغربية وقطاع غزة".
وينوه دحبور في حديث لـ"عربي21"، الى أن نصب الحواجز والتواجد المكثف لقوات الاحتلال على الطرق والشوارع والمداهمات الليلية لبيوت المواطنين الفلسطينيين والإعلان عن تلك الإجراءات، يشعر المستوطنين بالأمن، وبأن الجيش الذي يحميهم يقظ ومتنبه، ويقوم بما هو مطلوب منه.
إلا أنه قال: "بالرغم من كل تلك الإجراءات وتواصلها على مدار نصف قرن تقريبا، إلا أن الاحتلال يعلم علم اليقين، ومن خلال تجاربه، أنه لا يستطيع القضاء على الشعب الفلسطيني وإنهاء وجوده أو سحق تنظيماته وفصائله وإلغائها من الوجود، إلا أنه ومع تلك القناعة المترسخة في عقليته وأبجدياته الأمنية، لا يستطيع التسليم بها والوقوف أمامها مكتوف الأيدي، وإنما سيسعى جاهدا لتحقيق غاياته وأهدافه التي ذكرناها سابقا، بممارسة مزيد من الإجراءات العسكرية، وتشديد قبضته الأمنية، وليس أدل على ذلك حالات الاعتقال الهائلة التي مورست بحق المواطنين الفلسطينيين منذ عام 67 وحتى اليوم، والتي زادت عن 800 ألف حالة اعتقال، إضافة لآلاف حالات الإبعاد، وهدم المنازل ومئات الحواجز العسكرية ومنع السفر، واستخدام قانون الاعتقال الإداري".
أما الحملة الأخيرة فتهدف بحسب دحبور إلى تحقيق غايتين أساسيتين: "الأولى هي تحطيم البنية التحتية لحركة حماس، وتوجيه ضربة مركزة وشاملة للحركة، والحد من تقدمها وعودتها لممارسة نشاطاتها الميدانية والجماهيرية، لأن الاحتلال يوقن أن هذه النشاطات توفر لها البيئة والحاضنة التي تمكنها من ممارسة معتقداتها في مقاومة الاحتلال، وتمكنها من تنظيم العناصر، كما أن الاحتلال يعمل بشكل حثيث على الحيلولة دون إشراك حماس في النظام السياسي الفلسطيني، وهو النظام الذي قام وتأسس على قاعدة اتفاقيات ثنائية وبموافقة ورعاية دولية وبدعم مالي مرهون بمدى التزام ذلك النظام بتلك الاتفاقيات واستمرار تنفيذه لها، سواء كانت الأمنية منها أو الاقتصادية او السياسية، وبالتالي فإن الاحتلال لا يمكن أن يسمح لحماس التي لا تعترف به ولا تلتزم بالاتفاقيات معه ولم تتخلى عن نهج المقاومة ضده، أن تكون جزءا من هذا النظام، ما يعني منع المصالحة الوطنية الفلسطينية ولو بالقوة واستخدام الجيش".
أما الهدف الثاني برأي دحبور من وراء حملة الاحتلال الأخيرة، فهو "إعادة إنتاج سلطة فلسطينية جديدة بشروط والتزامات جديدة أكثر صرامة من السابق، لأن الاحتلال لاحظ أن السلطة الوطنية الفلسطينية ترغب بتحقيق وحدة وطنية وتشكيل حكومة توافق وطني وإعادة توحيد الضفة وغزة بالشراكة مع حماس التي ما زالت إسرائيل تعتبرها منظمة إرهابية لا يجوز إدماجها في السلطة ومؤسساتها، أما غزة فيجب أن يستمر التعامل معها على أنها ومن فيها -سواء كانت السلطة القائمة أو السكان- هي كيان معادي يجب التخاطب معه بشكل دائم من خلال قوة النار، ولا يجوز على الإطلاق اعتبار سلطتها وسكانها شركاء لأحد".
وحول تأثير الأحداث المتصاعدة في دول الجوار قال دحبور: "إسرائيل تعيش حالة من عدم الاطمئنان بسبب الظروف المحيطة، ولا تريد أن تنتظر حتى ترى ماذا سيحصل، بل تريد أن تتخذ خطوات استباقية ضد من تعتقد أنه مؤهل لإحداث حالة من الخلل الأمني وإرباك المشهد المستقر، وتريد أن تحمي جبهتها الداخلية ومستوطنيها وجيشها من أي أحداث محتملة لا تستطيع السيطرة عليها عند اندلاعها، أي أنها تقوم بخطوات وقائية علها تؤخر اندلاع تلك الأحداث أو تمكنها من السيطرة عليها وتوجيهها بما يخدم مصالحها في حال اندلاعها".
الاحتلال يستهدف الكل الفلسطينيين
أما منسق تجمع مؤسسات المجتمع المدني سامر عنبتاوي، فيرى أن الاحتلال يستهدف الوجود الفلسطيني بكامله، وقال لـ"عربي21": "أعتقد أن إسرائيل كانت تنتظر هذه اللحظة لتغيير قواعد اللعبة، وإعادة العجلة إلى الوراء، وتقسيم ما تبقى من الأرض تمهيدا لفصل غزة بالكامل وتحويل الضفة إلى بانتوستات لتفريغ السكان تمهيدا للضم؛ بالتأكيد لا أجد فرصة تاريخية للحركة الصهيونية لفرض مشروعها أفضل من حالة التشتت والاحتراب العربي والاقتتال الطائفي الذي من جهة يسهل عملية العقوبات الجماعية عندما تقوم بها دولة الاحتلال ضمن الجرائم والتشريد بالملايين في المحيط ..ومن جهة أخرى تسهل عملية الاعتراف بالدولة اليهودية ضمن التقسيم الديني والطائفي للدول في المحيط".
وأضاف: "إن العملية الإسرائيلية ومنذ بدايتها تخطت موضوع (
الاختطاف) إنها عملية مدروسة مخططة بأهدافها التي لن تقف عند حد تمزيق الوحدة، وكي الوعي الفلسطيني، وتغيير المعادلة وقواعد اللعبة، مستغلة مقتل الثلاث ومستغلة أيضا الوضع الإقليمي، ولن ينتهي الأمر بتحطيم فصيل بل الجميع تحت المقصلة، وليس من الحكمة أن نصل للقول أكلت يوم أكل الثور الأبيض".