اعتبرت منظمة
العفو الدولية أن تفشي
التعذيب في
مصر، والقبض والاعتقال التعسفيين مؤشر على "تراجع كارثي لحقوق الإنسان بعد عام على عزل (الرئيس محمد) مرسي"، مشيرة إلى أن ما يصل إلى نحو 40 ألف شخص اعتقلوا أو وجه إليهم الاتهام خلال السنة الماضية "في سياق حملة قمعية كاسحة".
ورأت المنظمة أن "نظام العدالة الجنائية المصري غير قادر على تحقيق العدالة، أو غير راغب في ذلك"، ودعت لتوجيه "رسالة صارمة" إلى المشير عبد الفتاح
السيسي بأن "الاستهتار بحقوق الإنسان لن يمر ولن يمضي دون عقاب بعد اليوم".
وذكرت المنظمة في تقرير عن الاعتقالات التعفسية وانتهاكات
حقوق الإنسان في الذكرى الأولى للانقلاب في مصر، أن 80 شخصا توفوا في المعتقلات، فيما يستمر التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة في الحجز بلا هوادة، كما يجري على نحو روتيني عدم التقيد بمعايير المحاكمة العادلة، حسب ما جاء في التقرير.
وقالت المنظمة إنها قامت كذلك بتوثيق حالات تعذيب واختفاء قسري مستمرة في سجن العزولي العسكري، في معسكر القلعة، بالإسماعيلية.
وقال التقرير: "يقدم الارتفاع الكبير في حالات القبض والاعتقال التعسفيين، وفي معدلات التعذيب والوفاة في الحجز المروعة التي سجلتها منظمة العفو الدولية، دليلاً قوياً على الانحدار الحاد في حالة حقوق الإنسان في مصر في السنة التي أعقبت عزل الرئيس محمد مرسي".
وأوردت المنظمة إحصائيات تشير إلى أن ما لا يقل عن 40 شخصا اعتقلوا أو وجهت إليهم الاتهامات منذ الانقلاب في تموز/ يوليو 2013، وحتى أيار/ مايو 2014. "كما أنها تواردت تقارير عن انتشار ممارسة التعذيب والاختفاء القسري في مرافق الاحتجاز التابعة للشرطة والجيش".
وقالت حسيبة حاج صحراوي، نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، إن "قوات أمن الدولة المصرية السيئة السمعة- المعروفة حالياً باسم الأمن الوطني- قد عادت وتعمل بكامل طاقتها، حيث تطبق أساليب التعذيب وإساءة المعاملة نفسها التي ظلت تستخدم في أحلك ساعات حقبة مبارك".
وأضافت: "على الرغم من الوعود المتكررة، من قبل الرؤساء الحاليين والسابقين باحترام حكم القانون، استمرت
الانتهاكات الفاضحة على مدار السنة الماضية بمعدلات تثير العجب، حيث أطلقت يد قوات الأمن فعلياً، لترتكب ما تشاء من انتهاكات حقوق الإنسان دون أن يسائلها أحد".
وأكدت منظمة العفو الدولية أنها جمعت "أدلة دامغة تشير إلى أن التعذيب يمارس بشكل روتيني في أقسام الشرطة وفي أماكن الاحتجاز غير الرسمية، إذ يستهدف أعضاء جماعة "الإخوان المسلمين" ومؤيدوهم به على وجه الخصوص. وتمارسه قوات الجيش والشرطة، على حد سواء، بما في ذلك في المقار التابعة لجهاز الأمن الوطني، وفي العديد من الحالات بغرض الحصول على اعترافات أو لإكراه المعتقلين على توريط آخرين".
ومن بين أساليب التعذيب التي رصدتها المنظمة، "طرقٌ استخدمها أمن الدولة في عهد مبارك. وتشمل هذه استخدام الصعق بالصدمات الكهربائية والاغتصاب وتكبيل أيدي المعتقلين وتعليقهم من الأبواب بعد فتحها. ويتضمن أحد الأساليب الأخرى للتعليق، المعروف باسم "الفروج"، شد يدي المعتقل وساقيه إلى قضيب معدني ووضع طرفي القضيب فوق كرسيين متقابلين إلى أن تصاب ساقا المعتقل بالخدر. ثم تبدأ قوات الأمن بصعق ساقيه بالصدمات الكهربائية".
ومن بين "الحالات التي تثير الصدمة" ووثقتها المنظمة، حالة طالب يبلغ من العمر 23 سنة وقبض عليه في شباط/ فبراير 2014 بالقرب من مدينة نصر، بالقاهرة. وقال إنه احتجز طيلة 47 يوماً واعتقل واغتصب أثناء استجوابه. وهو حالياً خارج السجن، غير أن الدعوى المرفوعة ضده ما زالت جارية.
وقال الطالب: "مزقوا قميصي وعصبوا عيني به، وكبّلوا يدي خلف ظهري... وضربوني بالهراوات على جميع أنحاء جسمي، وخاصة على صدري وظهري ووجهي... ثم ثبتوا سلكين في إصبعي يدي الصغيرين وصعقوني بالكهرباء أربع أو خمس مرات".
وروى الطالب "على نحو مروع كذلك كيف اعتدي عليه جنسياً واغتصب"، وفق ما جاء في تقرير العفو الدولية. وقال: "أمسك ضابط الأمن الوطني خصيتي وراح يعصرها... ورحت أصرخ من الألم وضممت ساقي لحماية خصيتي، ثم أدخل أصبعه في شرجي... وكان يرتدي شيئاً بلاستيكياً على أصابعه... وكرر ذلك خمس مرات". كما أنه تحدث عن تعرضه للضرب على إحليله بعصا. ثم اغتصب بصورة متكررة من قبل واحد أو أكثر من حراس الأمن قبل أن يجبر على أداء أغنية "تسلم الأيادي"، التي تشيد بالجيش المصري.
وفي حالة أخرى، قبض على محمود محمد أحمد حسين، وهو طالب يبلغ من العمر 18 سنة، عندما كان في طريقه إلى البيت وقت الظهيرة في الذكرى الثالثة لانتفاضة المرج بالقاهرة لسنة 2011. ويعتقد أنه استهدف بشخصه لارتدائه قميصاً يحمل شعار "ثورة 25 يناير" ووشاحاً كتب عليه شعار حملة "أمة بلا تعذيب". وقد جرى عصب عينيه وأجبر على "الاعتراف" بأن في حيازته متفجرات، وبأنه ينتمي إلى "الإخوان المسلمين" عقب ساعات من الضرب والصعق بالصدمات الكهربائية، بما في ذلك لخصيتيه، والاستجواب من قبل ضباط الأمن الوطني. ولا يزال محمود محمد أحمد حسين في السجن.
وعلقت حسيبة حاج صحراوي بالقول: "يوماً إثر يوم، تطفو على السطح روايات تثير الفزع، بينما تنكر السلطات على نحو مثير للدهشة وجود أي انتهاك، وتذهب إلى حد وصف السجون المصرية بأنها فنادق". وأضافت: "بيد السلطات المصرية، إذا ما أرادت أن تنقذ مصداقيتها، التوقف عن مثل هذه الممارسات الرهيبة فوراً".
الوفاة في الحجز
وتطرق التقرير إلى الوفيات في الحجز، مشيرة إلى وفاة ما لا يقل عن 80 معتقلا منذ الانقلاب في 3 تموز/ يوليو 2013.
وقالت حسيبة حاج صحراوي: "لقد كانت وفاة خالد سعيد، وهو أحد شباب الإسكندرية، في 2010 على أيدي رجال الشرطة، إحدى القوى المحركة لانتفاضة مصر. ومن الأمور المأساوية أن تتواصل الوفيات في حجز الشرطة المصرية بعد انقضاء أربع سنوات على مقتله، وعلى نطاق مروع".
وأشار التقرير إلى حالة أحمد إبراهيم، وهو أحد أربعة أشخاص فارقوا الحياة في قسم شرطة المطرية منذ نيسان/ أبريل 2014؛ "إذ كان من المقرر أن يفرج عنه قبل انتهاء مدة حكمه بالسجن ثلاث سنوات بعد أن قضى معظمها. وبعد نقل أحمد إبراهيم إلى قسم شرطة المطرية تمهيداً للإفراج عنه، اشتكى من ظروف احتجازه السيئة، وقال إنه يجد صعوبة في التنفس بسبب سوء التهوية في زنزانة الشرطة المكتظة. ولم تقدم له الرعاية الطبية". وفي مكالمة هاتفية مع والده في الساعة الواحدة من صباح 15 حزيران/ يونيو، خاطبه قائلاً: "إنني أموت، يا والدي". وحاول والده طلب سيارة إسعاف، ولكنه أدرك لاحقاً أن الطلب يجب أن يأتي من قسم الشرطة كي يمكن الوصول إليه في زنزانته. وما إن تمكن من الوصول إلى قسم الشرطة للسؤال عن ابنه في وقت لاحق من الصباح حتى أبلغ بأنه قد فارق الحياة. ولدى الكشف على جثة ابنه، تبيّن أن هناك كدمات زرقاء على القسم العلوي من جسمه وجروح قطعية على عنقه، بما يشير إلى أنه يمكن أن يكون قد تعرض للتعذيب.
الاعتقال التعسفي
وقالت المنظمة إنها تحدثت إلى العشرات من المعتقلين السابقين، وإلى عائلات معتقلين "قبض عليهم تعسفاً، واحتجزوا على نحو غير قانوني، وحرموا تماماً من حقوقهم". وأضافت: "في العديد من الحالات، قبض على هؤلاء من الشارع أو عقب دخول قوات الأمن بيوتهم عنوة. وتعرض العديد منهم للضرب عند القبض عليهم واحتجزوا بصورة غير قانونية لفترات جرى تمديدها دون تهمة، ودون أن تتاح لهم فرصة الطعن في قانونية احتجازهم أمام محكمة أو أحد أعضاء النيابة العامة، أو يبلغوا بسبب احتجازهم. وقد مضى على احتجاز البعض دون اتهام قرابة السنة".
وقال أحد المعتقلين الذين قابلتهم المنظمة، إنه احتجز مدة 96 يوماً في معسكر القلعة، في سجن العزولي، عقب اقتحام قوات الأمن منزله للقبض عليه. ولم يسمح له بالاتصال بمحامين أو بأهله لإبلاغهم بمكان وجوده. وكان قد احتجز "تعسفاً" قيد الاعتقال الإداري طيلة 11 سنة في عهد حسني مبارك. وقال للمنظمة: "قوات أمن مبارك كانت على الأقل تعرف من تستهدف، أما الآن فالناس يعتقلون بشكل عشوائي".
ويقول تقرير العفو الدولية: "في بعض الحالات، قبضت قوات الأمن على أفراد من عائلة الشخص الملاحق، أو على أصدقائه بصورة عشوائية إذا لم تعثر عليه. ويواجه الأصدقاء وأفراد العائلة في مثل هذه الحال تهماً أو اتهامات ملفقة".
محاكمات جائرة
يقول التقرير: "عانى نظام العدالة الجنائية المصري من نكسات هائلة على مدار السنة الماضية، حيث صدرت عدة أحكام قضائية على خلفية سياسية. وقد كشفت سلسلة من الأحكام الجماعية بالإعدام صدرت عقب محاكمات بالغة الجور لمعتقلين متهمين بممارسة العنف في آب/ أغسطس الماضي، وجود ثغرات فاضحة في نظام القضاء الجنائي. ففي العديد من القضايا، لم يكن المتهمون حاضرين في جلسات محاكمتهم، بينما منع المحامون على نحو متكرر من تقديم دفوعهم، أو من استجواب الشهود".
ويضيف: "أصدرت المحاكم أحكاماً بالإعدام ضد صبيان لم يبلغوا سن الثامنة عشرة بعد، في انتهاك لالتزامات مصر بمقتضى القانون الوطني والدولي، وعلى وجه الخصوص لأحكام اتفاقية حقوق الطفل. وفي حالات أخرى، حكم على المدعى عليهم بالإعدام عقب جلسة استماع واحدة فقط، لم يسمح فيها للمحامين بتقديم دفاعهم أو باستجواب الشهود".
وأشارت المنظمة إلى أن القضاء المصري أصدر أحكاما بالإعدام على 1247 شخصا، كما أيد أحكام الإعدام الصادرة بحق 247 شخصاً. وقالت: "صدرت قرارات الحكم على الأفراد بالإعدام عقب محاكمات بالغة الجور". كما أبلغ محامو دفاعٍ منظمة العفو الدولية بحالات لم يسمح لهم فيها بحضور جلسات الاستجواب من قبل الادعاء العام، وقالوا إن "اعترافات" انتزعت تحت التعذيب قد استخدمت في الإجراءات القضائية.
ولخصت حسيبة حاج صحراوي الوضع بالقول: "لقد بيَّن نظام العدالة الجنائية المصري أنه غير قادر على تحقيق العدالة، أو غير راغب في ذلك، بما يفضي إلى نتائج كارثية". وأضافت: "على كل مستوى، فإن مصر تسقط اليوم في امتحان حقوق الإنسان، والأمر مرهون بإرادة الحكم الجديد، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، في قلب الصورة بمباشرة تحقيقات مستقلة ومحايدة في جميع مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان، وبتوجيه رسالة صارمة بأن الاستهتار بحقوق الإنسان لن يمر ولن يمضي دون عقاب بعد اليوم".