كتب فهمي هويدي: في التعامل مع الحرب الدائرة في
غزة لا يجادل أحد في أن
مصر جزء من الحل. لكن كثيرين لا ينتبهون إلى أنها أصبحت جزءا من المشكلة أيضا. هي جزء من الحل ليس فقط لأنها وهى الدولة العربية الأكبر، قدمت مبادرة لقيت تأييدا من أطراف عدة عربية ودولية، ولكن لأنها صارت كذلك بأمر الجغرافيا أيضا.
أعني أن الاعتبارات الجغرافية جعلت مصر هي المنفذ العربي الوحيد الذي يستطيع الفلسطينيون في القطاع أن يتواصلوا من خلاله مع العالم الخارجي. حتى أزعم أنه في ظل التراجعات المستمرة للسياسة الخارجية المصرية خلال العقود الأربعة الماضية. فإن تلك العلاقة الجغرافية كادت تصبح الخيط الوحيد الذي بات يربط مصر بالقضية الفلسطينية. من ثَمَّ فإنه بسبب الجيرة والمعبر فإن مصر صارت ممسكة بأحد مفاتيح الحل وبات متعذرا تجاهلها في أى محاولة لتجاوز المأزق الراهن.
جوهر المشكلة التي أصبحت تمثلها مصر يكمن في أن الصراع الداخلي القائم بين السلطة والإخوان ألقى بظلاله على موقف مصر من الصراع العربي الإسرائيلي. إذ من المعلوم أن الحكومة المصرية تجاهلت
حماس في تعاملها من الأزمة وكان تنسيقها الأساسي مع الطرف الإسرائيلي.
وما تردد من أن الرئيس محمود
عباس كان في الصورة حق أريد به تمييع الموضوع والالتفاف عليه. لأنه رئيس السلطة حقا لكنه لم يكن يوما ما طرفا في أى اتصالات تخص المقاومة، التي ما برح يعلن رفضها من الأساس في كل مناسبة وأحيانا بغير مناسبة. وبهذه المناسبة فلا مفر من الاعتراف بأن تجاهل حماس والتنسيق مع إسرائيل وفر للأخيرة غطاء جيدا وفرصة مكنتها من تكثيف غاراتها وتشديد ضرباتها للفلسطينيين في القطاع.
لأن إسرائيل حين سارعت إلى الموافقة على المبادرة في حين رفضتها حماس والجهاد، بدت إسرائيل وكأنها الطرف المسالم المتحمس لوقف القتال في حين أن فصائل المقاومة هي الراغبة في استمراره، وهو ما تذرعت به لمضاعفة غاراتها وصواريخها بدعوى «الدفاع عن النفس»! الأمر الذي فتح الباب لإساءة الظن بالموقف المصري وتصويره بحسبانه قاصدا تعجيز المقاومة، لتمكين إسرائيل من تحقيق مرادها.
لقد دعت المبادرة إلى وقف إطلاق النار على أن يجتمع الجانبان في القاهرة للاتفاق على الخطوات التالية. ولأن المقاومة الفلسطينية لها خبرة طويلة مع المراوغات الإسرائيلية فإنها رفضت وقف إطلاق النار قبل الاتفاق على عدة نقاط لا تسمح للوضع السابق بأن يعود كما كان، وكأن حصيلة الثمن الباهظ الذي دفع صفر.
حين خاصمت مصر الرسمية حماس وألحقتها بمعركتها مع
الإخوان، ولأن حماس والجهاد هما الطرف الأساسي الآخر في المعادلة، فإنها تخلت بذلك عن دورها كوسيط بين الطرفين، حيث بدا أنها تقف إلى جانب طرف دون آخر. وللعلم فإن مصر الرسمية لم تخاطب حركة حماس حتى الآن، رغم أنها من يقود المعركة في غزة. ولم تتصل مع أحد من قياداتها طوال الأسبوعين الماضيين، أى منذ بدء
العدوان الإسرائيلي على القطاع.
بسبب تلك القطيعة فإن إسرائيل حين طلبت وقف إطلاق النار بعد الخسائر التي منيت بها وبعدما فضحتها حملة الإبادة التي شنتها على مدن القطاع، فإنها لم تخاطب مصر بعد تخليها على دور الوسيط، وقام بالمهمة جون كيري وزير الخارجية الأمريكي الذي نقل الرسالة إلى الأتراك والقطريين.
أقرب دول المنطقة إلى حماس في الوقت الراهن. روى القصة خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة في المؤتمر الصحفي الذي عقده بالدوحة يوم الأربعاء الماضى 23/7، وأعلن فيه أن المقاومة لها شروطها التي تدعو إلى التوافق عليها قبل وقف إطلاق النار وقبل المشاركة في مؤتمر الفصائل الذي يفترض أن يعقد بالقاهرة.
من المعلومات التي تم تداولها في هذا الصدد أن مصر تمسكت بمبادرتها، ولم تمانع في إدخال بعض التعديلات عليها شريطة أن توافق عليها كل الأطراف (حماس الجهاد وأبومازن وإسرائيل)، على الأقل فذلك ما ذكرته صحيفة «هاآرتس» في تحليل كتبه تسفى برئيل نشر يوم 23/7. وبدا ذلك شرطا تعجيزيا آخر يثير تساؤلا حول تجاهل التوافق في إطلاق المبادرة والدعوة إليه في تعديلها.
تتداول الأوساط المعنية بالموضوع أيضا أن الأميركيين حريصون على إشراك أبومازن في تفاصيل محاولات وقف إطلاق النار، وهو ما لم يكن مألوفا في التجارب المماثلة السابقة، وأغلب الظن أن ذلك راجع إلى اطمئنان الأميركيين إلى موقف الرئيس الفلسطينى، فضلا أن اشتراكه مع الفصائل المقاتلة قد يحسن من رصيد شعبيته الذي تراجع كثيرا في الفترة الأخيرة.
مما يثير الانتباه في هذا السياق أن مصر في الاتصالات الجارية اعتذرت عن استقبال السيد خالد مشعل إذا ما قدر لرؤساء الفصائل أن يجتمعوا في القاهرة، كما أنها أبدت رغبة في أن تختار من جانبها أعضاء الوفد الذي يمثل حركة حماس في ذلك الاجتماع. وفهم من الملاحظتين أن القاهرة لم تتجاهل حماس في إطلاق المبادرة فحسب، ولكنها حريصة على التهوين من شأنها وتهميش دورها في أية اجتماعات تعقد بخصوصها في العاصمة المصرية.
وإذا صحت هذه المعلومات ولم يتم التراجع عنها، فأغلب الظن أن حماس سترفض أيضا المشاركة في تلك الاجتماعات، الأمر الذي يضيف عنصرا جديدا من تعقيدات المشكلة. من شأنه أن يغلق الأبواب أمام احتمالات الحل القريب.
(نقلا عن صحيفة بوابة الشرق القطرية 26 تموز/ يوليو 2014)