كان صباح يوم الجمعة الماضي، آب/ أغسطس، يشير إلى يوم هادئ، سينعم فيه الفلسطينيون ببعض الأمن، وسيتمكنون خلاله من العودة لمساكنهم التي أجبروا على النزوح منها.
فقد أعلنت الفصائل الفلسطينية، وإسرائيل موافقتهما على تهدئة إنسانية، دعت لها منظمة الأمم المتحدة، تستمر لمدة 72 ساعة.
وبالفعل مرت الساعات الثلاث الأولى من التهدئة بهدوء، دون أن تسجل أي خروقات من قبل الفصائل، أو الجيش
الإسرائيلي.
لكن "أبواب الجحيم"، فتحت فجأة على سكان مدينة
رفح، دون سابق إنذار، حيث قصف الجيش الإسرائيلي، بواسطة مدفعيته الثقيلة، وطائراته الحربية، بكافة أنواعها أحياء رفح السكنية، موقعا عشرات القتلى والجرحى، بعد أن هدم المنازل فوق رؤوس أصحابها.
وألحقت إسرائيل ذلك، بإعلانها الانسحاب من التهدئة.
ووثقت وسائل الإعلام مشاهد مروعة، لعشرات الجثث من الفلسطينيين، هدمت بيوتهم فوق رؤوسهم دون سابق إنذار، غالبيتهم أطفال ونساء، وقد تقطعت لأشلاء ممزقة.
وبررت إسرائيل عدوانها الدموي بأن مقاتلي حركة حماس، خرقوا التهدئة، ونفذوا عملية تمكنوا خلالها من أسر ضابط إسرائيلي يدعى "هدار غولدين".
وعلى الفور، تبنت كل من، الأمم المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، الرواية الإسرائيلية، منددين بالهجوم الفلسطيني "المفترض"، مطالبين حماس بالإفراج الفوري عن الجندي الإسرائيلي "المزعوم"، ومتجاهلين بشكل كامل "المجازر" الإسرائيلية المروعة التي ارتكبت في رفح.
من جانبها شككت كتائب القسام، الجناح المسلح لحركة حماس، بالرواية الإسرائيلية، مؤكدة أن الجيش الإسرائيلي استغل قرب موقع التهدئة للتوغل مسافة 2 كيلومتر شرق مدينة رفح، وأن مجموعة تابعة لكتائب القسام، تصدت للقوات المتوغلة قبل بدء سريان وقف إطلاق النار، دون أن يتضح نتائج ذلك، حيث قطع الاتصال بها.
وقالت في بيان: "لا علم لنا حتى اللحظة بموضوع الجندي الإسرائيلي المفقود ولا بمكان وجوده أو ظروف اختفائه".
كما اعتبرت حركة حماس، المزاعم الإسرائيلية بوجود "جندي مختطف"، بمثابة محاولة من إسرائيل "للتضليل وتبرير تراجعها عن التهدئة الإنسانية، ووقف إطلاق النار"، وارتكاب مجزرة رفح.
لكن المفاجأة كانت في عودة الجيش الإسرائيلي، للإعلان فجر السبت الماضي، أن الضابط هدار غولدين الذي اختفت أثاره في
غزة، أول أمس الجمعة، "قتل في المعركة".
ليس هذا فقط، بل أجرى الجيش للضابط جنازة.
وقال في بيان له، يوم السبت: "قررت لجنة خاصة برئاسة الحاخام الأكبر للجيش الإسرائيلي (العميد رافي بيريتس) أن الضابط في لواء جفعاتي للمشاة في الجيش الإسرائيلي هدار غولدين، قتل في معركة في قطاع غزة يوم الجمعة 1 آب/ أغسطس 2014".
ولم يوضح بيان الجيش الإسرائيلي الأسس التي استندت إليها اللجنة فيما انتهت إليه، واكتفى بالقول: "قبل اتخاذ القرار تم الأخذ بعين الاعتبار جميع الاعتبارات الطبية، والتقاليد الدينية، وقضايا إضافية ذات صلة".
وأضاف: "تم إخطار عائلة الضابط قبل لحظات بهذا القرار من قبل رئيس مديرية شؤون الموظفين في الجيش الإسرائيلي، اللواء أورنا باربيفاي، والحاخام الأكبر للجيش".
وعقب انكشاف زيف الرواية الإسرائيلية، التي استغلتها لتنفيذ مجزرة رفح، أصدرت حركة (حماس)، أمس الأحد، بيانا، نددت فيه بـ"اعتماد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على الرواية الإسرائيلية بشأن الضابط الإسرائيلي المختفي".
وقالت:" بان كي مون شريك في ارتكاب الجيش الإسرائيلي مجازر في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة منذ يوم الجمعة الماضي".
ودعت الأمين العام للأمم المتحدة بـ"الاعتراف بخطيئته" التي ارتكبها باعتماد الرواية الإسرائيلية.
كما دعت إلى "ضرورة تحميل إسرائيل المسؤولية الكاملة على الحماقة التي ارتكبتها بحق أبناء مدينة رفح".
وقالت إن "صمت المجتمع الدولي والإدارة الأمريكية هو تواطؤ دولي حقيقي مع الاحتلال الإسرائيلي".
ولم يكتف الجيش الإسرائيلي، بما ارتكبه من مجازر في "رفح"، معتمدا على "كذبة"، فما زالت آلة حربه لليوم الرابع على التوالي، تفتك بسكان مدينة رفح، جنوبي قطاع غزة، وتحولهم إلى أرقام تعجز الطواقم الطبيّة عن الخروج بحصيلة نهائية، تروي فاجعة ما يدور هناك تحت أنقاض البيوت وركام الأزقة والشوارع.
ولم تنتهِ، كما يؤكد "أشرف القدرة"، الناطق باسم وزارة الصحة الفلسطينية، أطقم الإسعاف من انتشال كافة جثامين الشهداء والجرحى في المدينة.
ويقول القدرة، في تصريح لوكالة الأناضول، إنّ ما يجري في رفح عبارة عن مجزرة بشعة لم يتم الكشف عن كامل تفاصيلها.
وأضاف:" لا يمكن إحصاء أي رقم نهائي حتى اللحظة، عن رفح، فعشرات الجثث لا تزال تحت الأنقاض، والجيش الإسرائيلي يمنع الطواقم الطبية، وطواقم الصليب الأحمر من دخول المدينة، خاصة المناطق الحدودية".
وبحسب القدرة، فإن هناك أكثر من 200 قتيل، ومئات الإصابات في مدينة رفح، حتى اللحظة، مرجحا أن تكشف الساعات القادمة عما وصفه بـ"مأساة" حقيقية.
ويقول "سامي الشاعر" "47 عاما" من سكان المدينة لوكالة الأناضول، إنّ إسرائيل تواصل قصفها المدفعي والجوي على مدينة رفح، ولا تترك هدفا إلا وتقصفه.
ويستدرك: "رفح مدينة تتشح الآن بالسواد، لا مدرسة تضم آلاف النازحين، ولا مستشفى، ولا بيت، ولا أرض إلا ويطاله القصف، وهذا كله بسبب كذبة إسرائيلية، فالجيش الإسرائيلي أعلن عن خطف ضابط، ليقوم بمسح مدينة رفح، وتشريد سكانها وقتلهم".
وتلف رائحة الموت شوارع مدينة رفح، إذ يؤكد السكان أنه كلما تمكنت الطواقم الطبية من دخول بعض المناطق، تخرج بعدد من الجثامين.
ولا مقدرة لدى المستشفيات الصغيرة جدا في رفح على التعامل مع قسوة العدوان الإسرائيلي، وشدته كما تقول سُهاد خضر، التي يختفي صوتها أمام اشتداد القصف.
وتعرض مستشفى أبو يوسف النجار (أكبر وأهم مستشفيات مدينة رفح) لقصف من المدفعية الإسرائيلية، ما اضطر إدارة المستشفى إلى إخلائه تماما، والامتناع عن نقل جرحى الغارات الإسرائيلية إليه خشية من استهدافه مجددا".
ويرى جابر أبو جزر "53 عاما" والذي فقد 5 من أفراد أسرته في قصف استهدف منزلهم، أن إسرائيل تعمدت الخروج براوية الجندي الإسرائيلي المخطوف كي تمسح رفح عن الوجود، كما يقول.
ويُضيف: "لم يعد هناك شيء اسمه رفح، الآن هذه مدينة الموت والخراب، بسبب كذبة حدث هذا كله".
وأعلن الجيش الإسرائيلي فجر اليوم الاثنين أنه سيلتزم بـ "تهدئة إنسانية" لسبع ساعات في غالبية مناطق قطاع غزة، باستثناء المنطقة الواقعة شرق مدينة رفح بجنوب القطاع، حيث تستمر المواجهات، ولا يزال هناك انتشار عسكري إسرائيلي.
من جانبها، رفضت حركة حماس الهدنة، قائلة على لسان المتحدث باسمها سامي أبو زهري في بيان له إن "التهدئة المعلنة إسرائيليا في غزة هي من طرف واحد وتهدف لصرف الأنظار عن المجازر، ونحن لا نثق بها".
ودعا أبو زهري "الفلسطينيين في قطاع غزة إلى أخذ أقصى درجات الحيطة والحذر، وعدم الثقة بإسرائيل".
وتشن "إسرائيل" حربا على قطاع غزة، منذ السابع من تموز/ يوليو الماضي، تسببت بمقتل أكثر من 1800 فلسطينيي من بينهم 400 طفل، وأزيد من تسعة آلاف آخرين.