كتب أمين قمورية: داعش في
لبنان! لمَ لا؟ خبر متوقع. والمستغرب أن يتفاجأ البعض بظهوره المسلح وتحويله لبنان من ساحة نصرة إلى ساحة لجهاده!
لماذا هذا الداعش يكر ويفر في
العراق، يقبل ويدبر في
سوريا، ونتوقع منه أن يعف عن لبنان؟
لدينا ما لدى العراق والسوريين من تربة صالحة لاستدراجه، لدينا القبائل والعائلات المتناحرة ، والعصبيات المذهبية المتفلتة من اي ضوابط، والفساد السياسي المستشري المعطوف على قلة الاخلاق. طبعا يضاف اليها مرض فقدان المناعة الوطنية المكتسبة، وعشق الاستزلام للخارج واستباحة البلد لكل طالب. ولدينا ايضا هواية استيراد الصرعات والموضة وآخرها صرعة التكفير والتكفيريين . لا بل، ان بضاعتنا الطائفية اشد نقاوة، فهي اختمرت طوال سنوات الى ان تعتّقت وتخَمّرت وصار طعمها مسكراً حتى الادمان . ونحن الى ذلك أشد مراساً في فنون الاقتتال الاهلي، فقد اتقناها خلال حروبنا الدائمة. لدينا كل الحواضن الدافئة للارهاب والتطرف، نحن بلا دولة واحدة وبلا سلطة واحدة وبلا هوية واحدة ولسنا شعبا واحدا. وفي المقابل صار لداعش مشروعه الواضح ودولة "خلافته" الحاضنة والبيئة المؤيدة وموارده المستقلة. اذا لديه عندنا كل ما يلزم لجعل اقامته في ربوعنا مريحة وهانئة.
داعش في لبنان. طبعا لا نتمنى له طيب الاقامة. ولكن كيف يمكن حرمانه ذلك؟ وكيف نقول له ان وقت الزيارة قد انتهى وحان اوان الخروج او مواجهة الترحيل ؟ هل يكون ذلك بترك الجيش الوطني وحيدا في حمل صليب الوطن على طريق الجلجلة؟ هل يكون ذلك بالتكاذب "الاخوي" وتكرار الاسطوانة المملة والسخيفة عن التعايش بين الطوائف والاديان؟ وهل يكون ذلك بالتلهي بصفقة مالية على حساب الخوف الوطني من الآتي الاعظم؟
العنف لن يردع "داعش" لانه البطن الذي حمله وهو لحمه ودمه. ومواجهته بالمنظومة الفكرية المذهبية السائدة عندنا ، تنعشه لا تضعفه لانها تمده بما يلزم من عدة الشغل . وكما لا يستطيع أحد إسقاط نظام استبدادي بفكر استبدادي مضاد، لا يستطيع أحد اسقاط تنظيم مذهبي، بمجتمع تنخره الطائفية، ويتنفس ابناؤه المذهبية. داعش وأخواته كيانات مسخة لم توجد من عدم بل هي نتاج هذا الواقع المزري القائم والحصيلة المدمّرة لأمراضه الثقافية والاجتماعية والسياسية.
اللقاحات المضادة للداء الداعشي غير متوافرة بعد في الصيدلية اللبنانية، وزعماء المزارع اللبنانية الغارقون في النتن المذهبي غير مستعدين لتطهير ما صنعت ايديهم تمهيدا لانقاذ البلد من الكارثة المقبلة . لذا الابواب مشرعة للمسخ الجديد القادم، فلا اهلاً ولاسهلاً به ولا بالذين يوفرون له طيب الاقامة.
(النهار اللبنانية)