داعش ومشتقاتُها وأخواتُها من الجماعات الدينيّة المتطرّفة العنيفة عصاباتٌ إجراميةٌ تجعل من الشريعة غطاءً لما ترتكبه من حماقات ومسوّغا لما تأتيه من جرائم فتشوّه للناس دينهم وتفسد عليهم دنياهم.. هذا أمر لا جدال فيه، لا سيما والشعوب العربية قد انطلقت منذ 17 ديسمبر 2010 باتجاه تقرير مصائرها بعد أن زالت حُبستُها وأخذت أمرها بيدها وقد تخلّصت من حاجز الخوف الرهيب الذي استبدّ بها في ظلّ أنظمة دولة الاستقلال المرعبة...
ولكنّ بالساحة إجراما آخر وضحايا كثرا وفوضى عارمة تقف وراءها أنظمة مسنودة من جهات عدّة.. ولكنّ إجرام تلك الأنظمة لا يُرى وتلك الدماء التي تسفكها لا يُعتدّ بها.. فلا أحد من الأبواق المنتشرة داخل الأرض العربيّة وخارجَها يرى ما يأتيه نظام الانقلاب العسكريّ في مصر من مذابح ضدّ شعب أعزل استفرده فاستولى على ثورته وأمعن في قمعه والتنكيل به كما لم تفعل النازية ولا الفاشية..
ويُغَضّ الطرف عن فظائع نظام البعث الطائفيّ في
سوريا.. بل يقف الحلف الشيطانيّ المكوَّن من الأنظمة المؤجَّلة ثوراتُ شعوبها عليها إلى حينٍ (النظام السعودي والنظام الإماراتي والنظام الكويتيّ والنظام الأردنيّ) يقف جميع هؤلاء وراء جيش دولة الاحتلال الصهيوني في حربه المجرمة على قطاع غزّة المحاصَر يدعمونه في السرّ والعلن حتّى يضعوا سدّا منيعا أمام الثورات التي باتت تطرق عليهم أبوابهم وتقضّ مضاجعهم...
فلماذا يرى مثقّفونا وإعلاميّونا وسياسيّونا من شركاء ترابنا الوطنيّ وإخوان جبريّتنا الجغرافيّة جرائمَ التنظيمات الإرهابيّة المتطرّفة ولا يرون محارق الأنظمة الإرهابيّة المتطرّفة والحال أنّ الفعل واحد والمآل واحد ولون الدماء واحد؟ بل إنّ على الأنظمة السياسية الحاكمة وزرا أكبر من أوزار عصابات الإرهاب الأخرى.. لأنها بكلّ بساطة مستأمَنة على الشعوب التي تحكمها وعليها أن تحميَها وترعى مصالحها وتحترم خياراتها وتذعن لمشيئتها وتسمع لقليلها قبل كثيرها وتحترم بعيدها قبل قريبها.. ومن قتل مواطنا من مواطنيه لا يصلح لسياسة غيره...
ألا تستند الأنظمة العربيّة الفاشية في اعتداءاتها على شعوبها إلى الدين؟ فما الفرق بين أن يكفّرك بغداديّ داعش في
العراق وبين أن يكفّرك علي جمعة السيسيّ في مصر؟ أليس مَن أحلّ دماء المسيحيين والمسلمين في العراق والشام هو عينه الذي أحلّ دماء المظلومين في مصر؟ أليس مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا يا تجّار الدين والدنيا؟
أليس من العيب أن يهاجم شركاؤنا في التراب خصومهم السياسييين أكثر ممّا يهاجمون العدوّ الصهيونيّ المجرم؟ هل ضاعت بوصلة دعاة الحقوق والحريات؟ هل أعشتهم ريبتهم في الإسلام السياسيّ وخوفهم من غلَبته عن رؤية جرائم الإبادة الجماعية في قطاع غزّة وفي مصر وفي سوريا؟ أمازالت القضية الفلسطينية قضيتهم المركزية يبذلون لأجلها غاليهم ونفيسهم أم هي ورقة يلعبونها متى كانت أسماؤهم تتردّد في كنفها ويتركونها متى تصدّى "أغيارُهم" لقيادتها؟
أقول هذا لأنّني ظللت أبحث عن عنوان لغزّة في صفحات كثير من أسمائهم وبين كثير من عناوينهم السياسيّة والنقابيّة والفكريّة العروبيّة منها والثورية.. بحثتُ فلم أجدّ لغزّة ذكرا ولا لخرابها إشارة ولا ببطولتها إشادة.. ولا ترحّما على شهدائها.. إنّما رأيت أعراضا تُمضَغ.. وأكاذيب تُسمَعُ.. وصراخا بلا معنى يُرفَعُ.. أمّا غزّة فلا بواكيَ بين هؤلاء لها...
لله درّ الثورات العربيّة.. كشفت العورات وأظهرت السوءات وفضحت الأكاذيب وأماطت اللثام عن الألاعيب... ألم تقل فاتنتُم سادنة حداثتهم ذات تغريدة:
"لا أومن بالديمقراطية ولا بالتعايش مع الخوانجية لسبب بسيط جدا، وهو أننا وهُم على طرفي نقيض في المشروع المجتمعي..
مشروعهم داعشي وإن أنكروا ومشروعنا حداثي وإن هذبه جماعة السياسة...وإذ علمني المنطق أن المتناقضين لا يجتمعان وأنه لا بد من غياب أحدهما فأنا أعتبر نفسي في حال حرب أيديولوجية مع الخوانجية مهما كانوا حتى ننتصر أو ينتصروا..
لا أتحدث عن إبادة شق للآخر، فهذا طبعا مستحيل وليس من مبادئي، لكن أتحدث عن إبادة مشروع للآخر..
فرجاء، جماعة تونس تتسع للجميع أن يفسروا لي كيف يمكن أن يجتمع الموت والحياة في كائن واحد...والسلام"..
أفلا تستحقّ أن يقال لها: "أقعد هكّاكا؟" !!!