كتب كينيث روث المدير التنفيذي لمنظمة "هيومان رايتس ووتش" في مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية مقالا تحدث فيه عن نتائج تحقيق المنظمة الدولية، في هجوم الأمن
المصري على اعتصام
رابعة، ومنع الحكومة المصرية له من دخول القاهرة لتقديم نتائج التقرير.
وفي مقاله الذي عنونه "تيانامين مصر"، الثلاثاء، في تلميح لهجوم القوات الصينية عام 1989 على محتجين في الساحة الشهيرة وقتل عشرات الألوف منهم، جاء فيها "ذهبت للقاهرة كي أقدم لقادة مصر أدلة عن ذبح الشرطة لألف معتصم في رابعة، ولم يسمحوا لي بمغادرة المطار".
وقال "مزيج من الخوف وحالة إنكار أدت بالحكومة المصرية لمنعي وزملائي من دخول القاهرة يوم الأحد، وبحسب البيان الذي لفت به جوازاتنا فقد كتب عليه "لأسباب أمنية"، وكانت خطوة غير مسبوقة، فلم يمنع أي شخص يعمل في هيومان رايتس ووتش من الدخول لمصر حتى في الأيام السود لحكم الرئيس حسني مبارك. لكن سبب زيارتي لمصر لأمر جلل، مذبحة تنافس أخرى حدثت في الأوقات الماضية، مثل مذبحة تيانامين في عام 1989، مذبحة أنديجان في أوزبكستان عام 2005".
ويكتب عن مبررات الزيارة وهي تقديم تقريره المفصل عن أحداث رابعة، التي اعتصم فيها مؤيدو الرئيس محمد مرسي، أول رئيس منتخب لمصر، للاحتجاج على الانقلاب الذي قام به الجيش. "بالتأكيد قتلت قوات الأمن في ظرف 12 ساعة 817 معتصما، والذين تم تعريفهم من قبل المنظمة والذين قد يكون عددهم 1000، وكان القتل منظما ويصل اعتباره جرائم ضد الإنسانية حسب القانون الدولي".
ويقول: "بدأ الاعتصام قبل شهر ونصف، عندما تحركت السلطات المصرية لسحقه. ووعد المسؤولون المصريون بتفريقه بشكل تدريجي، من خلال التحذير ومنح المعتصمين ممرا آمنا لمن يريد المغادرة، لكن عملية التفريق كانت أي شيء ولم تكن تدريجية. ففي الصباح الباكر لـ 14 آب/ أغسطس 2013 شنت قوات الأمن العملية. وتقدمت قوات الأمن خلال دقائق باتجاه المحتجين، مستخدمة الجرافات وعربات النقل العسكرية والجنود المشاة الذين كانوا يطلقون الرصاص الحي وبكثافة في بعض الأحيان".
ويتابع: "بدأ المحتجون بالتساقط مباشرة، فلم يتم توفير الممر الآمن حتى اللحظة الأخيرة من عملية التفريق، مما دفع المتظاهرين للاحتماء بما تبقى من مناطق واقية، فيما أخذ القناصة باستهداف المتظاهرين من على سطوح المنازل، وأطلقت الشرطة في الميدان النار بطريقة لا تميز على الحشد. واستهدف القناصة حتى المدخل لمستشفى رابعة، الذي عرف بطريق القناصة".
وعلق روث على ما قالته الحكومة المصرية من أن بعض المتظاهرين استخدموا العنف "لكن هذا لا يبرر المذبحة التي ارتكبتها قوات الأمن، صحيح قام بعض الشبان على حواف المعسكر برمي قنابل مولوتوف على قوات الأمن وفي حالة قليلة استخدموا الأسلحة، لكن الشرطة عثرت على 15 بندقية بين عشرات الألوف من المتظاهرين، وبلغ عدد ضحايا قوات الأمن حسب سلطات الطب الشرعي ثمانية، وهذا العدد من الضحايا غير المتوازي بين المحتجين والشرطة يقترح خطأ ما في هذه العملية، خاصة أنها كانت عملية توفير الحماية، ولا تستخدم القوة الفتاكة فيها إلا في حالة تعرض قوات الأمن لخطر محتوم حسب القانون الدولي".
و "لم يبحث عناصر الشرطة عن غطاء للحماية من عنف المتظاهرين، ولكنهم وقفوا وبشكل واضح وأخذوا يطلقون النار من على سطوح المنازل والعربات العسكرية. ووصفت أعداد كبيرة من الشهود وصحافيون أن الشرطة لم تقم بجهود لتحييد مجموعة من المحتجين ممن حملوا السلاح، وبدلا من ذلك أطلق الأمن النار بطريقة لا تميز، لجز أو تقليم المتظاهرين في ميدان رابعة".
ويمضي روث قائلا: "هناك أسباب عديدة تدعونا للاعتقاد أن هذه هي عملية خطط لها وتورط فيها مسؤولون في المستويات العليا داخل الحكومة المصرية، خاصة وزير الداخلية محمد إبراهيم الذي قاد جهود التخطيط لتفريق ميدان رابعة، ورئيسه المباشر المسؤول عن العمليات الأمنية عبدالفتاح
السيسي، الذي كان وزيرا للدفاع ونائبا لرئيس الوزراء لشؤون الأمن ورئيس مصر الحالي".
ويضيف الكاتب أن مسؤولي وزارة الداخلية الذين ناقشوا خطط فض الاعتصام توقعوا سقوط مئات الضحايا، وبعد يوم واحد من العملية قال إبراهيم إن الأمور سارت حسب الخطة المعدة وأعطى علاوات للذين شاركوا فيها.
ويعتقد روث أن تفريق رابعة كان جزءا من حالات أخرى حدثت في عموم مصر، وقامت فيها قوات الأمن بالإفراط باستخدام القوة بما في ذلك قتل 61 معتصما أمام الحرس الجمهوري في 8 تموز/ يوليو، وقتل 95 آخرين قرب المنصة التذكارية شرق القاهرة في 27تموز/ يوليو.
ومع أنه كان على المسؤولين المصريين التدخل ومنع سقوط ضحايا على قاعدة واسعة أثناء فض اعتصام رابعة، لكن لا أدلة على حصول هذا.
ورغم التأكيدات من أن قوات الأمن ستتحلى بضبط النفس، لكن المسؤولين الكبار تصرفوا بمعرفة أن عملا إجراميا سيتم تنفيذه.
ويضيف: "فقد تحدث جنرالان في وزارة الداخلية لوكالة أسوسيتد برس أن المسؤولين في وزارة الداخلية أخبروا قواتهم توقع تصعيد في عملية التفريق، وطمأنوا أفرادها أنهم لن يتعرضوا لحساب على أفعالهم. وقدم أحد الجنرالين تفصيلا عن الخطوات التي قامت بها الوزارة لتعويق أي تحقيق في مشهد الجريمة، بما في ذلك مزج الذخيرة الحية ووضعها في أماكن متعددة. وتم إصلاح الشوارع وتعمير البنايات التي تضررت في رابعة حولها سريعا في محاولة من الحكومة لمحو ذكرى رابعة".
ويؤكد أنه لم يحدث في العام الماضي أن قامت الحكومة بتحقيق رسمي لما حدث أو محاسبة، ولم توجه اتهامات لأي أحد، ورفضت الحكومة المصرية الاعتراف بارتكاب أخطاء من جانب الأمن، ورفضت التعاون مع أي تحقيق، وبدلا من ذلك فقد أقامت نصبا لتخليد قوات الأمن والجيش الذين سقطوا في وسط رابعة.
ويرى روث أن "سياسة دفن الرأس في الرمال لا تنفع، لأن مذبحة رابعة كانت كبيرة، وتم التخطيط لها، وهي حدث غير مسبوق في التاريخ المصري حتى تنسى بسرعة".
ويقول إن بعض الحكومات الغربية -بمن فيها واشنطن- تحاول عن رغبة تناسي الماضي والتعاون مع الرئيس السيسي، لكن سابقة منح حصانة على جريمة بهذه الضخامة لن تشجع إلا على مذابح أخرى عندما تخرج مظاهرات مماثلة في المستقبل، كما أن منح الحصانة ليست الطريقة المناسبة لبناء حكم القانون، وهو جزء رئيسي في "التحول" نحو الديمقراطية الذي يكرر وزير الخارجية الحديث عنه ولم يحدث بعد.
ويختم بالقول: "تحاول الحكومة المصرية اليوم التظاهر أنها محت ذكريات مذبحة رابعة، ولكنني أشك، إن الأمر ليس بهذه السهولة. ففي أثناء نقل الأمن لي من غرفة لغرفة في مطار القاهرة، سألتني امرأة ماذا فعلت حتى أستحق كل هذه المعاملة، وأريتها نسخة من تقرير هيومان رايتس ووتش حول مذبحة رابعة وعندها ابتسمت وأرتني صورة تحتفظ بها -على هاتفها- وهي تشارك في اعتصام رابعة"..
"ومن أجل منع قتل آخرين مثلها من الذين لا يريدون سوى الحصول على احترام حقهم في انتخاب حكومتهم بحرية، وتحقيق العدل لمصر. وفي حالة استمرت مصر تجاهل هذه الجريمة الضخمة فيجب على المجتمع الدولي التقدم".