وضعنا الاقتصادي محرج ونخشى الانتكاسة
نريد شعبا قادرا على أن يصل إلى حقوقه بأقل ما يمكن من التضحيات والانتظار
يؤكد عبد الفتاح مورو نائب رئيس حركة النهضة
التونسية، أن الانتقال الديموقراطي في تونس شهد متاعب كثيرة ونقائص كبيرة وسلبيات عديدة، مستدركا بالقول "لكن الخطوة التي كنا نسلكها لا تنقض بعد ذلك".
القيادي وأحد المؤسسين للنهضة التونسية، يشدد في حواره مع "عربي21" على أن بناء الدولة لا يقاس به أي مسار ديموقراطي إلا بعد أن تستقيم أركانها، وقال بأن البناء التأسيسي لا يستوجب الغلبة ولا يقبلها، معتبرا أن الذين يسوّون في المرحلة التأسيسية على منطق الغلبة يسوّون بناء مائلا من أساسه.
في هذه المقابلة التي أجريت على هامش زيارة يقوم بها مورو للمغرب مشاركا بالجمع العام الوطني الخامس لحركة التوحيد والإصلاح المغربية، يتطرق خريج مدرسة الزيتونة، كذلك لمشاركة الإسلاميين في تدبير الحكم ويتحدد عن مخاطر تهدد تجربتهم، كما يتناول المخاطر والضمانات التي ستعبد الطريق أمام الانتقال الديمقراطي بتونس أو ستعصف به.
وفيما يلي ينص المقابلة:
*أين وصل الانتقال الديموقراطي بتونس، بعد الثورة وكل المخاض الذي أعقب الحراك الشعبي؟
قبل أن أقول أين وصل الانتقال أقول كيف سلك، سلك بمطبات عديدة، وكانت عوارض في الطريق وأريد له أن يسقط، وألا ينجز، وأن تجهض الآمال المعلقة عليه، لكن كل ذلك لم يحصل، لا أنفي أن هذا الانتقال الديموقراطي شهد متاعب كثيرة ونقائص كبيرة وسلبيات عديدة، لكن الخطوة التي كنا نسلكها لا تنقض بعد ذلك، كانت كل خطواتنا ثابتة والحمد لله، واليوم وصلنا إلى تحقيق المرحلة الكبرى من هذا الانتقال، توجت بإنجاز دستور توافقي، شهد كل الناس أنه ليس صنيعة طرف على حدة ولكنه صنيعة أفراد الشعب جميعا إما مباشرة أو عبر من يمثلهم من أحزاب سياسية أو مجتمع مدني بشكل خاص، وهذا إنجاز ضخم، بقيت لنا مرحلة أخيرة في الانتقال الديموقراطي وهي إجراء
الانتخابات القادمة، حتى تتمكن تونس من تثبيت مؤسسات لأول مرة في تاريخها، مؤسسات اختارها الشعب بإرادته، راجيين أن تتم هذه المرحلة بسلام.
* كيف يمكن الإعداد لتفادي المطبات التي يمكن أن تعصف بهذا الانتقال الديموقراطي؟
هناك اليوم خوف من ردة الفعل العنيفة التي يلوح بها
الإرهابيون، لقد حصلت خسائر عديدة في قوات جيشنا وأمننا وفي حراسنا وهي عزيزة على قلوبنا، لكنا اعتبرنا كل هذا ثمنا للانتقال الديموقراطي، والذي نخشاه كذلك هو الانتكاسة بسبب الوضع الاقتصادي، الذي وصل إلى مستوى محرج اليوم، لكن الشعب متماسك، ويضحي، وقبل بالبقاء على هذا المسار حتى ينتهي بسلام.
* كثير ما أكدت النهضة في مقالاتها على مصطلح الوفاق، وهناك من لم يستوعب كيف استطاع التونسيون بإيديولوجيات تصل حد التناقض بين الإسلاميين والعلمانيين إنجاح الوفاق؟
حتى بالنسبة للإسلاميين لم يكن الوفاق منهجا متفقا عليه في الأول، وكانت أطراف من الإسلاميين ترى أن التوافق ليس له مكانا، بناء على شرعية صندوق، لكن بعد ممارسة قليلة أدركنا أن الشرعية ليست فقط عددية وإنما هي شرعية تمثيلية للإنجاز.
*(مقاطعا ) خاصة أن الأمر يتعلق بإعادة بناء دولة الجمهورية التونسية الثانية؟
بالفعل فبناء الدولة لا يقاس به أي مسار ديموقراطي إلا بعد أن تستقيم أركانها، البناء التأسيسي لا يستوجب الغلبة ولا يقبل غلبة، والذين يسوّون في المرحلة التأسيسية على منطق الغلبة يسوّون بناء مائلا من أساسه، رأينا بداية أن البناء يجب أن يكون وفاقيا لأننا لا نؤسس لا لأنفسنا ولا لمعارضينا وإنما نؤسس لوطن بفئات مختلفة، ولا لزماننا فقط وإنما نطمع التأسيس لأزمان قادمة، رأينا أن الوفاق هو أسلم وسيلة يمكن أن يتم بها التأسيس ونحن مصرون على ذلك حتى في الفترة القادمة، الذي أتصوره أنه رغم إنجاز الانتخابات ووجود المؤسسات لن نخرج من مرحلة التأسيس في الخمس سنوات القادمة ولا في التي بعدها، نحن الآن نسعى لتأسيس مجموعة القوانين التي تحيط المجتمع بمؤسسات عصرية متفتحة على واقع الناس، قادرة على حل مشاكلهم، وأن نقتل الروتين الإداري، وألا نجعل بين المواطن وحقه مطبات مفتعلة، نريد شعبا قادرا على أن يصل إلى حقوقه بأقل ما يمكن من التضحيات والانتظار، وهذا يحتاج منا اليوم للتمكين على المستوى القانوني.
*أموال الهارب بن علي، ورجال الأعمال المرتبطين به، وذوي النفوذ... هذه الفئات، ألا تشوش اليوم على الإصلاح؟
يقينا هي تسعى للتشويش، لكن نحن نؤمن أولا أن الذي كان يجمعهم في الأول لم يكن إيديولوجيا حبيبة إلى قلوبهم، ولم تكن قناعات لا فكرية ولا عقائدية، كانت تجمعهم مصالح، وهذه المصالح تفتت في فترة معينة أو تغير ميزان القوى في شأنها، وجل الذين كانوا مجتمعين في تلك الفترة تفرقوا اليوم، لكن هذا لا يعني أن خصومنا من هؤلاء، انقطعوا عن الساحة، فيهم من يحاول الرجوع وبقوة، لكن فهم الناس، و الوعي هو الذي سيحول دون هؤلاء، ثم بناء مؤسسات الوطن تفضح كل شخص يحاول التسلل.
*هل لديكم من مؤشرات تدل على أن المسار الديموقراطي في تونس سيتعزز في المستقبل، ولن تتكرر تجربة مصر، أو أي ردة أو ثورة مضادة؟
الوعي المسترسل لدى الشعب من خلال أحزابه،ومجتمعه المدني ومجموع الجمعيات التي تغص بها الساحة الوطنية اليوم هو الذي سيساعد على تعطيل أية ردة أو رغبة في الرجوع إلى الوراء.
*كيف تنظرون إلى تجربة حكم الإسلاميين؟
أنا في تصوري مصطلح حكم الإسلاميين هو مصطلح في غير مكانه ليس هناك حكم الإسلاميين، هناك إسلاميون يتحملون مسؤولياتهم الوطنية من موقع وطنيتهم مع غيرهم، هذا كان محجوب عنهم في السابق، كانوا ممنوعين من هذا الحق الأساسي، واليوم يدخلون الساحة لأن القانون سمح لهم بذلك، ولأن المجتمع الذي يعيشون فيه ثمن تضحياتهم السابقة، ورأى أن لهم القدرة على أن ينجزوا، هم لا يسيرون لأنهم إسلاميون بل لأنهم مواطنون، وإسلاميتهم ستساعدهم على إنجاز تنمية لوطنهم، ولن يكون لصالح حزبهم أو نحلتهم أو لصالح فكرتهم، بل هم موظفون لصالح مجتمعهم الذي يعيشون فيه، وحذاري أن ينكفئ الإسلاميون عن هذا المسار وأن ينكبوا على أنفسهم، و يخططوا لخدمة مسار لمصلحتهم هم لوحدهم وينسون مواطنيهم.
*ماذا يعني هذا إن حدث؟
يعني ردة عن الثورة، ورجوع لديكتاتورية جديدة بعنوان جديد ونحن لا نرغب في ذلك.