وضع النظام
المصري منذ عام عبارة "أكون أو لا أكون" نصب عينيه؛ وعليه قررت الحكومة المصرية برئاسة حازم الببلاوي حينها مواجهة التحدي الأكبر أمامها وفض اعتصامي "
رابعة" و"النهضة" بالقوة، وبأي ثمن، عقب سلسلة تحذيرات ودعوات بضرورة الفض والنجاة بالنفس، حيث اعتبرها النظام آنذاك معركة حياة أو موت، وفق مراقبين.
وبحسب ما شهد به شهود عيان على عملية الفض التي وصفوها بالوحشية وغير الإنسانية، اتفقت جميع الروايات على أن الهدف منها كان الانتقام، ومنها رواية المعتصم محمد الذي روى لـ"عربي 21" وقائع الساعات الأولى من ما أسماه بعملية القتل الممنهج.
وتم فض اعتصامي ميداني رابعة العدوية والنهضة في آب/ أغسطس 2013 الذي راح ضحيته مئات المدنيين بحسب الرواية الرسمية، والآلاف بحسب المعتصمين أنفسهم، وكان الفض حينها بمثابة القضاء على حكم الرئيس الشرعي محمد مرسي عمليا على الأرض، وهو الذي انتخبه الشعب كأول رئيس منتخب بعد ثورة كانون الثاني يناير 2011 التي أطاحت بحكم الرئيس المخلوع حسني مبارك.
ولم تشهد مصر طوال تاريخها اعتصامات مدنية مثل اعتصامي "رابعة" و"النهضة"، وتابعهما الملايين بكل فعالياتهما وأنشطتهما وطقوسهما الخاصة، واستمرا لنحو 45 يوما بداية من تموز/ ويوليو حتى منتصف آب/ أغسطس وهو أكثر شهور السنة حرا، وكان من بينهم 30 يوما في شهر رمضان الكريم، وشارك فيهما جميع أطياف الشعب المصري من جميع المحافظات بأعداد تجاوزات مئات الآلاف في بعض الأحيان.
تقرير "هيومن رايتس ووتش"
في الذكرى الأولى لعملية الفض الوحشية التي أثارت استنكارا في مصر وخارجها، وبقى صداها مدويا، صدمت منظمة "
هيومن رايتس ووتش" المعنية بحقوق الإنسان الحكومة المصرية بتقريرها الذي تم تداوله في وسائل الإعلام العالمية على نطاق واسع.
وفور إطلاق
التقرير، انبرت أذرع الدولة (الإعلامية والحقوقية والأمنية والسياسية) لتفند اتهام المنظمة الدولية لقوات الأمن المصرية "الجيش والشرطة" بالتخطيط لـ"عمليات قتل جماعي ممنهج" خلال فض الاعتصامين.
من جهته، قال رئيس الاتحاد المصري لحقوق الإنسان نجيب جبرئيل لـ"عربي 21": "هذه المنظمة مدعومة من جماعة الإخوان المسلمين، وقد جافى التقرير الحقيقة في أغلب جوانبه"، مشيرا إلى أنه لا يوجد معتقلين في السجون أو عمليات تعذيب ممنهجة، كما ذكر التقرير؛ إلا أنه استدرك قائلا: "في ظل الظروف الراهنة، توجد بعض التجاوزات في السجون، ولكنها لا تصل إلى درجة الظاهرة".
وانتقد خبراء أمنيون التقرير، ووصفوه بالمشبوه، وتسائل الخبير الأمني اللواء حمدي بخيت عن السبب وراء اختيار هذا التوقيت لنشره، وقال في تصريح لـ"عربي 21" إن "جميع هذه المنظمات مشبوهة، وتعمل ضد مصر، وليس لها دور حقيقي داعم للسلام أو الإنسانية، واختيار هذا التوقيت هو من أجل إذكاء غضب الإخوان في الشوارع وإعطائهم المبرر للنزول وارتكاب أعمال عنف، ولكنهم انحصروا وباتوا ظاهرة".
مبررات فض اعتصامي "رابعة" و"النهضة"
في السياق، قال الصحفي (محمد . أ) لـ"عربي 21": "كنت متواجدا في ذلك اليوم الرهيب، حيث قام أفراد الشرطة والجيش، بالاعتداء على المعتصمين، وبينهم سيدات وأطفال، وفتحوا النيران بشكل متعمد على الرأس والصدر والعنق".
وأضاف: "الحديث عن ممرات آمنة كان كالحديث عن إدخال العصير والفواكه للمعتقلين في السجون، كانت فقط من أجل تصويرها وتسويقها للعالم، واستخدامها في مواجهة مثل تلك التقارير الحقوقية والإنسانية، لقد رأيتهم يطلقون النار على الواقفين في طوابير الخروج".
في المقابل، أكد اللواء علي عبد الرحمن مساعد وزير الداخلية الأسبق لـ"عربي 21" أن استخدام القوة مع المعتصمين كان "ضروريا" وأن "الدولة اتبعت التدرج في خطاب المعتصمين الذين رفضوا كل الإنذارات، وكان لزاما استخدام القوة، لا سيما وأن من بين المعتصين عناصر مسلحة"، مشيرا إلى أن الضحايا بين أفراد الشرطة كانت كبيرة، ولم يأتي التقرير على ذكرها.
لكن المحامي (إبراهيم. ق) أحد المشاركين في الاعتصام حتى يوم الفض في لقاء مع "عربي 21" رأى أن "عمليات القتل الوحشية ترقى إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية، بالنظر إلى اتساع نطاقها وطبيعتها الممنهجة".
ووصف الطبيب الجراح (فؤاد . ع) اقتحام المستشفى الميداني في رابعة العدوية وإطلاق النار على المصابين بـ"العمل الوحشي"، حيث كانوا "يقتلون المصابين بلا رحمة، ويمنعون الناس من الهرب، وكانت تأتي حالات مصابة بطلقات نارية لا تستخدم إلا في الحروب، ولا يمتلكها إلا الجيش".
ماذا بعد مرور عام على فض الميدانين؟
وبعد مرور عام كامل، تواصل سلطات الانقلاب إنكارها ارتكاب ما يخالف القانون، ولم تفتح تحقيقا واحدا حول وقائع القتل الجماعية بكل ملابساتها الواضحة، بحسب التقرير الدولي، بل عمدت إلى أمرين "عجيبين"، أولهما شكر قوات الشرطة والجيش ومكافأتهم على دورهم في عمليات الفض خاصة وأنها أبرزت لهم فتاوى دينية تجيز لهم القتل بكل إريحية، وثانيهما اعتقال آلاف المعتصمين وإصدار أحكاما بالجملة ضدهم دون هيئات دفاع حقيقية، وفق ما أوضحه مراقبون.