كتب توم فن في موقع "
ميدل إيست آي" (عين الشرق الأوسط) مقالا حول الوضع في
اليمن قال فيه إن هذا البلد الذي كان ينظر إليه على أنه أحد قصص نجاح الربيع العربي تورطت حكومته في صراع مع الثوار الحوثيين مما جعل موقفها يبدو هشا.
وبعد مرور ثلاث سنوات ونصف على الانتفاضة الشعبية التي اجتاحت العالم العربي حيث خرج مئات الآلاف للشوارع للاحتجاج وقتل أعداد مشابهة في الحروب الأهلية والاقتتال الطائفي وتحول الملايين إلى لاجئين. فمن طرابلس إلى القاهرة تعاني الحكومات من أزمات ولعدم شعبية الحكومات فقد فشلت في إدارة الدول التي ورثتها والتي تعاني من الفساد والتقسيم وأصبحت الانقلابات أمرا مألوفا والبلدان تتفتت وتختفي الحدود والأشكال السياسية التي كانت موجودة أصبحت لا قيمة لها.
واليمن الذي يعيش فيه أكثر شعوب الربيع العربي فقرا وشبابا بدا وكأنه كان أحسن حظا من جاراته، ففي 2012 وبعض مظاهرات ضخمة أوصلت البلاد إلى شفير حرب أهلية وافق علي عبدالله صالح الذي حكم البلاد لمدة 33 سنة على التخلي عن منصبه وسلم السلطة لنائبه عبد ربه منصور هادي مقابل الحصانة القانونية. وقام هادي مع حزب صالح الحاكم وإئتلاف إسلامي بمحاولة "حسم الثورة من خلال السياسة"، حيث مهد الحوار الوطني والدستور الجديد للانتخابات والفيدرالية. واعتبر الغرب ما حدث في اليمن نجاحا للدبلوماسية حيث أفلت من مصير سوريا البائس. ولكن ظهرت التصدعات في الواجهة خلال الأسابيع القليلة الماضية وأظهرت شعبا منقسما. فكل الجداول والميزانيات والحديث عن تقدم كانت تغطي حقيقة مقلقة وهي أن الثورة تسببت بخراب في النسيج الاجتماعي الهش أصلا. واليوم بدلا من أن تسير البلاد بخطوات ثابتة نحو الديمقراطية فاليمن يبدو على شفير الإنهيار.
في 17 آب/ أغسطس قام
الحوثيون بإصدار إنذار للحكومة حيث قال قائدهم إن لدى الرئيس هادي خمسة أيام لتخفيض أسعار الوقود وحل الحكومة أو أن يواجه ثورة مثل ثورة 2011 والتي أطاحت بصالح. ونزل آلاف المؤيدين للحوثي، معظمهم شباب في العشرين أو الثلاثين من العمر إلى صنعاء بعد ذلك الإعلان وانتشروا في أنحاء العاصمة حيث نصبوا الخيام واعتصموا على سطوح المنازل وأمام الوزارات وأقاموا الحواجز على طريق المطار ونصحت السفارة الأمريكية الأجانب بالبقاء بمنازلهم. وقامت الحكومة بنشر الدبابات والمصفحات لحماية البنايات الحكومية. وقال الرئيس هادي الأسبوع الماضي إنه على استعداد لأن يلبي طلبات المجموعة إن هي وافقت على إنهاء الحصار، وأضاف أن "الجيش وضع على أهبة الإستعداد" وأنه "جاهز للتعامل مع أي تهديد"، ولم يتم التوصل بعد إلى أي اتفاق بل تشدد الطرفان في مواقفهما.
وكان الحوثيون ولما يزيد عن عقد من الزمان قبل الربيع العربي الطرف الأضعف في صراع مسلح بينهم وبين الحكومة اليمنية التي تتهم الجماعة الحوثية بسعيها لإقامة دولة دينية زيدية، (والزيدية فرع من الشيعة خاص بشمال اليمن ويختلف عن شيعة إيران). وقد غيرت ثورة 2011 من توازنات الصراع حيث كان تركيز الحكومة على المحتجين في شوارع المدن الرئيسية خرجت صعدة بشكل صامت من تحت سيطرتها وأقيم فيها ما يشبه الدولة المصغرة التي يديرها الحوثيون بالكامل حيث عينوا حاكمهم وقاموا بعمل الشرطة وبناء المدارس وإعادة بناء البيوت التي هدمت في الحرب.
وعندما استقال صالح عام 2012 عاد الحوثيون إلى المشهد السياسي وأرسلوا بوفد شارك في مؤتمر الحوار الوطني وبدا أنهم يعودون للسياسة ولكنهم احتفظوا بأسلحتهم الثقيلة واقتتلوا مع المسلمين السنة المتطرفين وميليشيات القبائل وتقدموا نحو العاصمة وفي تموز/ يوليو من هذا العام سيطروا على مدينة عمران التي لا تبعد سوى 30 ميلا عن العاصمة صنعاء.
وكانت الحكومة اليمنية والتي قالت لسنوات إن الحوثيين متطرفين تدعمهم إيران لمد سيطرتها في الشرق الأوسط، ولكن تصرفات الحوثيين في الفترة الأخيرة أظهرت مجموعة ناضجة سياسيا وطموحة وأطرت صراعها في العاصمة بإطار وطني بحت؛ حيث ركزت على المظالم الشعبية مثل ارتفاع أسعار الوقود والقضاء على الفساد ودعم الفقراء، وبعبارات تعبق برائحة الأيام الأولى من الربيع العربي.
وقام الحوثيون الأسبوع الماضي خلال تظاهره في صنعاء باستبدال صرختهم المعتادة "الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود والنصر للإسلام" (والتي تلقى صدى لدى اليمنيين في الريف والذين يعانون من ضربات الطائرات الأمريكية بدون طيار)، بـ "الشعب يريد إسقاط النظام"، ذات الصرخة التي دوت في أنحاء الشرق الأوسط وهو ما يعكس طموحا لدي الحوثيين بتجاوز السياسة القبلية واستعادة روح ثورة عام 2011.
أحمد علي أحمد خبير اللسانيات ومؤلف كتاب "الحوثيون" قال للميدل إيست آي "ما يجري لا علاقة له بدعم الوقود .. إنهم يسعون لاستعراض قوتهم وجذب المزيد من المؤيدين لضمان وجودهم في العاصمة".
بينما أصر المتحدث بإسم الحوثيين، على عماد، أنهم لا يسعون للسيطرة على العاصمة ونفى أن يكون هناك دعم إيراني لهم.
وقال: "هدفنا هو إقامة دولة مدنية ديمقراطية تضمن الحقوق للجميع ويحكمها القانون .. وعندما ننهي التدخل الأجنبي في بلادنا والشركات التي تسيطر على النفط وعندما نعرف المزيد عن مخاطر أمريكا، حينها نستطيع أن نتقدم كبلد".
وتقدم الحوثيين بهذا الشكل وضع حزب "الإصلاح" الإسلامي في مأزق. ومع أن الحزب شارك في الثورة ضد صالح وحصل على مراكز رئيسية في الحكومة الانتقالية إلا أنه يبقى قلقا فسقوط الإخوان في مصر الصيف الماضي ودخول الحوثيين إلى معاقل سابقة للحزب مثل عمران جعل مسؤولي الحزب يخشون على مستقبل حزبهم.
وقال مسؤول في حزب الإصلاح لم يرغب في ذكر اسمه: "خاض حزب المؤتمر الشعبي العام مع الحوثيون حربا مريرة لأعوام والآن يهيج الحوثيون في العاصمة ويغمض الحزب عينيه، لماذا؟ لأن حزب الإصلاح هو العدو المشترك. هذا هو الشتاء العربي الجديد معتم ومخيف، إنها سياسة القوة وأن تجد حلفاء هذه الأيام وهو وقت خطير لكل اليمنيين".