"كُتبت لي حياة جديدة وأصبحت حرا طليقا خمس سنوات من الاعتقال قضيتها في حجيم السجون
العراقية ودهاليزها دون أن توجه إلي أي تهمة أو محاكمة"، هكذا يبدأ الدكتور عمار عبد الله 45 عاما، برواية تفاصيل معاناة اعتقاله إثر وشاية مخبر سري.
يقول عبد الله في حديثه لـ"عربي 21"، "في العاشرة مساء قبل خمس سنوات تقريبا، اقتحمت قوة عسكرية من عناصر ماتسمى بقوات المغاوير سابقا منزلي في منطقة العامرية غرب
بغداد، وبعدما قيدوا يدي إلى الخلف ووضع أحد الجنود كيسا بلاستيكيا في رأسي، اقتادوني الى أحد المعتقلات السرية في العراق، علمت فيما بعد أنه معقتل الكاظمية الشهير الذي يغص بآلاف السجناء الأبرياء الذين اعتقلوا إثر وشاية المخبر السري الكاذبة بدوافع طائفية".
يتابع "عشرة أشهر من الاعتقال وأنا في غرفة صغيرة ضيقة شديدة الظلام، حيث منعوا عني الطعام والشراب مجرد من أي شيء حتى من الملابس"، مضيفا "خلال فترة احتجازي لم توجه إلي أي تهمة، ولم يتم التحقيق معي حتى أعرف ماهو ذنبي ولماذا تم اعتقالي، وأنا أستاذ جامعي معروف لي مقامي بين طلابي والمجتمع".
يقول عبد الله بمرارة، "لايمكن وصف ماتعرضت له داخل المعتقل، فقد عانيت كثيرا من
التعذيب النفسي والجسدي بشتى انواعه"، واصفا معاملة عناصر الأمن للمعتقلين داخل السجون بـ"القاسية"، مبينا أن "هذه العناصر تتبع أساليب غير قانونية ولاتمد لحقوق الإنسان بأي صله من خلال تدمير نفسية السجناء وتجريدهم من ملابسهم وإجبارهم على التجول في ممرات الزنزات أمام مرأى السجناء، ومنعهم أحيانا من رؤية ذويهم بالإضافة إلى دفعهم لقضاء حاجتهم في أماكنهم أمام المعتقلين وهم عراة".
وتابع أنه "نتيجة المعاملة اللاإنسانية التي يعيشها المعتقلون توفي العديد منهم، بسبب حالات الاختناق إثر تكدس المئات في غرفة صغيرة مغلقة لا تستوعب لبضعة اأشخاص، ودفع السجناء إلى حالة من فقدان الأعصاب والجنون، الأمر الذي دفعني بالتفكير بالانتحار أكثر من مرة".
الدكتور عمار حالة ضمن آلاف المعتقلين من العرب السنة الذين يقبعون في السجون الحكومية، وعلى الرغم من وجود أوامر قضائية باطلاق سراح الكثير منهم إلا أن السلطات العراقية ترفض ذلك، ومع مرور الوقت تضاف تهم أخرى لهم، من اجل ابقائهم قيد الاعتقال لسنوات دون محاكمات، أو يتم تصفيتهم فيما بعد كما حصل في عدة سجون أبرزها
سجن ديالى وأبو غريب.
كما هي حال المعتقل سابقا أحمد ناظم 34 عاما، يقول "اعتقلت من محلي قبل ثلاث سنوات على خلفية تفجير عبوة ناسفة استهدفت إحدى عجلات الجيش في أحد ضواحي بغداد، وبعد سنة كاملة من الاعتقال أفرج عني القضاء العراقي بعدما علموا انني بريء"، متابعا "همجية الاعتقال لايمكن وصفها فالجنود كبلوا يديي وانهالوا علي ضربا بالعصي والهروات مع المعتقلين الاخرين".
ويضيف "كنت أجلس في السجن يوميا أعد اللحظات والدقائق والساعات والايام والاشهر من أجل اطلاق سراحي من جحيم المعتقل"، متابعا "كان أحد المعتقلين يعاني من مرض مزمن هو الصرع ويحتاج الى الدواء باستمرار لكن مسؤولي المعتقل أصدروا أمرا بمنعه من الدواء، ما جعل وضعه الصحي يزاد سوءا ويتعرض الى نوبات صراع بين الفينة والاخرى وهم يتفرجون عليه كيف يتعذب".
وقال أحمد إنهم "كانوا بعد منتصف كل ليلة يأتون بمعتقل لاعلى التعيين ويذيقونه صنوف التعذيب فتعلو صيحاته ما يسبب لنا ضغط نفسي كبير".
ولا توجد أرقام وإحصاءات دقيقة حول أعداد المعتقلين العراقيين القابعين في السجون، وذلك بسبب التعتيم الاعلامي لـ"وزارة العدل" العراقية وكثرة المعتقلات، لكن التقارير الاخيرة الصادرة من منظمات حقوقية أشارت الان عدد السجناء العراقيين بلغ اكثر من 40 الف سجين كأرقام اولية إلا أن هذه الارقام تقريبية، وغالبية السجناء هم من أبناء الطائفة السنية.
ويقبع الآلاف من المعتقلين العراقيين في السجون منذ سنوات من دون أن يحسم القضاء العراقي قضاياهم، في وقت ما تزال فيه قوات الامن العراقية تزج يوميا بالعشرات من الابرياء داخل السجون وفق "المادة 4 إرهاب"، وهذا مايجعل حلم العديد من القوى السياسية السنية المتحمسة بإقرار قانون العفو العام طلبا مستحيلا يصعب تحقيقه في ظل الظرف الراهنة التي تشهدها العراق.