لم تكن تعرف الطالبة الأردنية سمر غنّام أن قرارا حكوميا أخيرا كان كفيلا بوأد أحلامها: "كن غنيا أو اذهب إلى الجحيم، المشكلة ليست هنا تماما، بل أن البلد أصلا مليء بالفساد، حتى من كان غنيا افتقر، من ليس معه مال أحلامه محرّمة، وتحول المواطن إلى عداد يضخ المادة، وتكتشف حينها أن إنسانيتك مهدورة في هذا المجتمع، عملتُ بجد وبذلت كامل جهدي لأحصل على أعلى معدل، وبالفعل حصّلتُ معدلا عاليا، لكن ليس لهذا أي قيمة معتبرة الآن مع هذه القرارات الجديدة"، تقول غنّام.
وتضيف: "بذل أبي جهده أيضا وعمل ساعات إضافية ليجمع المبلغ المطلوب لدراستي لهذا الفصل، ثم صدمنا بقرار رفع الرسوم الجامعية للدراسات العليا، لا أدري ماذا أقول (...)" ولم تستطع سمر أن تحبس دمعها ما أعاق "عربي21" أن تسمع المزيد.
وأعلنت الحكومة الأردنية مؤخرا رفع رسوم الدراسة الجامعة للدراسات العليا فيما برر رئيس الوزراء د. عبدالله النسور أن القرارات التي صدرت ما هي إلا نتاج تراكمات في عجز ميزانياتها وعدم قدرة الحكومة على دعمها نتيجة الظرف الاقتصادي الصعب الذي تواجهه المملكة.
من جهته يقول منسق الحملة الوطنية من أجل حقوق الطلبة في الأردن "ذبحتونا"، فاخر الدعاس إن شعار الحكومات والإذاعات الرسمية في الآونة الأخيرة "إللي معوش بلزموش"؛ أي من لا يملك المال الكافي ليدرس أبناءه فلا يلزمه التعليم.
وأضاف دعاس في حديثه لـ"عربي21": أنه وبمثل هذه الحالة "يضطر الطلاب لتحويل تخصصاتهم لتخصصات أقل درجة؛ ما يؤدي لتدني مستوى التعليم، أو تغيير الجامعة، أو الاستغناء عن خيار الدراسة؛ الأمر الذي يولّد آثارا سلبية، بدأت تتجلى هذه الآثار في الوقت الحالي".
وتابع: "يشعر الطلاب والأهالي بحالة يأس وإحباط، فرغم وجود استجابة مخفية من قبل الأهالي إلا أنهم لا ينزلون للشارع للمشاركة في الاعتصامات ولا يقاطعون التسجيل".
ويأمل دعاس أن يحرك حجم الضغط المتوّلد الأهل والطلاب في المستقبل القريب.
وعن أسباب ارتفاع الرسوم الدراسية يشير دعاس لـ"عربي 21" إلى أن العجز المادي الذي تعاني منه
الجامعات الحكومية -نتيجة للفساد المالي والإداري إلى جانب تخفيض الدعم الحكومي- دفعها إلى الاتجاه إلى جيب الطالب عن طريق رفع الرسوم الدراسية لتغطية هذا العجز عدا عن الضرائب، وهذا مخالف لما ينص عليه الدستور الأردني، بحسب تعبيره.
من جهته قال الرئيس السابق للجامعة الأردنية د. عبد الرحيم الحنيطي إن "مسؤولية التعليم تقع على عاتق الحكومة، نحن الآن في ضيق التخلي التدريجي عن الجامعات الرسمية".
وأضاف الحنيطي في حديث لـ"عربي21" أن "هناك تمييزا وتمايزا، الغني فقط يتعلم، والفقير المبدع لا يستطيع، وهذه معادلة تقتل المجتمعات، وتعيق التقدم، وتشلّ رافعة الاقتصاد".
وتابع: "على الحكومة أن تتحمل مسؤولية ما يصرف في غير وجه حق، فالضرائب التي تجبى باسم الجامعات كثيرة ولا تصل الجامعات، فيجب إعطاء كل ذي حق حقه".
وعن تكافؤ المدخلات والمخرجات في الجامعة قال الحنيطي لـ"عربي21": "المخرجات للأسف متدنية، وعنصر القبول أصبح المال وليس المعدل أو القدرة، ما يؤدي لتخريج جيل بعيد كل البعد عن النتيجة المأمولة، ففتح البرامج للمقتدرين ماليا لا يسرّ أبدا، ومحصلة هذا التغيير ليست لصالح المجتمع".
وأشاد الحنيطي بدور الواعين والمثقفين وأصحاب الفكر، وقال إن عليهم أن يكونوا متيقظين، لأن الوضع إن استمر بهذه الطريقة فسيتم تدمير الجيل القادم، وسيكون في وضع لا يحسد عليه، على حد تعبيره.
في مقال له اعتبر الكاتب محمد أبو رمان رفع الرسوم الجامعية تخليا من الحكومة عن مسؤوليتها السياسية والأخلاقية والوطنية، بحسب تعبيره.
وتابع: "بالرغم من كل الأحاديث الحكومية، والخلوات والخطب الإعلامية الرنّانة، فإن معطيات القبول الموحد في الجامعات، والنسب المتضخمة جدا لبرنامج "
الموازي"، تؤكّد أنّ الإصلاح الجوهري الحقيقي في
التعليم العالي لم يبدأ بعد".
وجدير بالذكر أن عدد الجامعات الحكومية الرسمية في الأردن 10 جامعات، والجامعات الخاصة 19.
وفي آخر الإحصائيات الخاصة بالتعليم العالي تظهر أنه وحتى العام 2010 بلغ عدد الطلبة الإجمالي بالجامعات الأردنية 243251 طالبا وطالبة ونحو 7 آلاف عضو هيئة تدريس.