أدلى 43 جندي سابق في الوحدة 8200، التي تعتبر أعلى وحدة في الاستخبارات الإسرائيلية، بشهادتهم حول كيفية استخدام الوحدة للمعلومات من أجل
ابتزاز الفلسطينيين.
وفي تقرير نشرته صحيفة "ميديل إيست آي" على صفحاتها، قالت فيه: "إذا كنت شاذ جنسيا وتعرف شخصا يعرف شخصا آخر مطلوب لدى السلطات الإسرائيلية، فإن إسرائيل سوف تجعل حياتك بائسة، إذا كنت بحاجة إلى علاج طارئ في إسرائيل أو الضفة الغربية أو في الخارج فسوف نبحث عنك، سوف تتركك إسرائيل تموت قبل أن تسمح لك بالسفر للعلاج بدون أن تدلي بمعلومات عن ابن عمك المطلوب لديها، وإذا كنت شخصا مثيرا للاهتمام بالنسبة للوحدة 8200 وليس لك علاقة بأي عمل عدائي فسوف تكون مستهدفا كذلك".
وأوضح التقرير الذي كتبه ميرون رابوبورت الصحفي والكاتب الإسرائيلي أن "الوحدة 8200 التي عمل فيها سابقا الجندي الذي كتب هذه الشهادة ليست مجرد أي وحدة في الجيش الإسرائيلي، فسابقا كانت الوحدة مسئولة عن تجميع معلومات استخباراتية عن الإشارات الخاصة بالاتصالات، ثم أصبحت أكبر وأرقى وحدة في الجيش الإسرائيلي".
وتابع التقرير تعريفه بالوحدة قائلا: "يقال إن لدى الوحدة قدرة على مراقبة جميع الاتصالات الهاتفية أو المعلومات الإلكترونية في أي بقعة في الشرق الأوسط وربما أبعد من ذلك، وكذلك تخزين هذا الكم الهائل من المعلومات ومعالجته بطريقة متطورة للغاية بحيث يمكن استخدامها لإجراءات عسكرية دقيقة، من ضرب موقع نووي سري في سوريا لعمليات القتل المستهدف في قطاع غزة".
ولفت التقرير إلى أنه "من غير المستغرب أن الوحدة 8200 قد أصبحت الوجهة المفضلة للشباب الإسرائيليين الذين يرغبون في الحصول على مهنة مثيرة للاهتمام والتحدي في الخدمة العسكرية، دون الحاجة إلى الانخراط في الوظائف الصعبة والخطيرة في الوحدات العسكرية الأخرى، وقد أصبحت الوحدة 8200 (بما يتوفر لديها من تقنيات عالية المستوى والتي طورتها ولازالت تطورها) أرضا خصبة للصناعات التكنولوجية الإسرائيلية".
وأشارت الصحيفة إلى " قيام العاملون السابقون في الوحدة بإنشاء أنجح الشركات التكنولوجية الإسرائيلية (مثل Check Point و ICQ وآخرين)، فالعمل في الوحدة 8200 يمكن أن يكون مفتاحا لمستقبل باهر. والكثير من النخبة الإسرائيلية التي كانت تفخر في السابق بإرسال أبنائها إلى الوحدات القتالية يفضلون أن يعمل أبناؤهم في هذه الوحدة المرموقة".
وكشف التقرير الصحفي: خرج هؤلاء الرجال والنساء ليتحدثون بصراحة لأول مرة، فقد وقع 43 عامل سابق في الوحدة على رسالة موجهة إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ورئيس الأركان العامة بيني جانتز، أعلنوا فيها رفضهم "المشاركة في أعمال مضادة للفلسطينيين والاستمرار في العمل كأدوات لتعميق سيطرة الجيش على الأراضي المحتلة".
واعتبر التقرير أن مثل هذه الشهادات "لا تضيف معلومة جديدة لدى هؤلاء الذين يعرفون حقيقة ما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فقد تم في السابق توثيق ادعاءات استخدام إسرائيل للمعلومات الشخصية الحساسة أو المشاكل الصحية لإجبار الفلسطينيين على التعاون مع جهاز الشين بيت (الأمن العام)، ولكن تلك هي أول مرة يقدم فيها هذه المعلومات الجنود الصغار الذين كانوا يجمعون تلك المعلومات بأنفسهم أثناء خدمتهم في الوحدة 8200 ".
وأوضحت الصحيفة أن هؤلاء "لا يشيرون إلى حالات بعينها لأن الرقابة المفروضة داخل الجيش الإسرائيلي لا تسمح لهم بالكشف عن المعلومات الحساسة التي يعرفونها والتي يجبرون على إخفائها، ولكن الشهادات تحكي قصة المضايقات الممنهجة لشعب بأكمله، "فجميع الفلسطينيين يتعرضون لرقابة مستمرة بدون أي حماية قانونية" وفق ما جاء في الشهادة، "أي فلسطيني يمكن أن يكون مستهدفا ويمكن أن يتعرض لعقوبات مثل الحرمان من التصاريح والمضايقات والابتزاز أو حتى الإصابة الجسدية المباشرة".
ويروي التقريير قصة جندي سابق في الوحدة "أنه تذكر مشاهدة فيلم "حياة الآخرين" وهو يصور الحياة تحت الشرطة السرية في ألمانيا الشرقية، ويقول "من ناحية شعرت بالتضامن مع الضحايا، ومن ناحية أخرى أدركت أن المهنة التي قمت بها أثناء خدمتي بالجيش كانت تشابه مهنة الحاكم المستبد"، فيما قال جندي آخر "إنهم كانوا يتعلمون كيفية قول "شاذ" بعبارات مختلفة باللغة العربية كي يستخدمونها وسائل للابتزاز.
وقد رفض بضع مئات من الجنود الإسرائيليين (معظمهم من الاحتياط) الخدمة في أثناء حرب لبنان عام 1982، مما ساهم في نزع الشرعية عن الحرب في أنظار الشعب الإسرائيلي. وقد رفض القليلون الخدمة أثناء الانتفاضة الثانية، ولكن دوف فايزجلاس (أحد مستشاري ارييل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت) اعترف في حوار صحفي أن تراكم التظاهرات دفع شارون إلى خطة الانسحاب من غزة عام 2005، فهل تكون الرسالة التي وقعها جنود الوحدة 8200 ونشروها أمس مؤثرة بنفس المستوى؟
ويعتقد المحامي الحقوقي مايكل سفارد (الذي أمضى ثلاثة أسابيع في السجن عام 1998 بعد أن رفض الخدمة في الضفة الغربية والذي يمثل الآن المجموعة الموقعة على الرسالة) أن أصواتهم سيتم الاستجابة لها، ويوضح أن خلفياتهم الاجتماعية سوف تلعب دورا، لأن العاملين في الوحدة 8200 يمثلون نخبة الشعب الإسرائيلي، "فالكثير من الإسرائيليين الذين يشغلون مناصب رفيعة المستوى سوف يفتحون الجرائد ويقرؤون ما يفعله أبناءهم في الجيش". وبالطبع لن يعجبهم ما سيقرؤونه.
ولكن وفقا لسفارد فهذه ليست مسألة اجتماعية فحسب، فاليهود في لبنان أو خلال الانتفاضة الثانية كانوا في الأغلب جنود مقاتلين وبالتالي فنظرتهم كانت محدودة، وشهاداتهم عن التضييق على الفلسطينيين وإهانتهم كان يمكن تفسيرها على أنها مجرد حوادث محلية. أما جنود الوحدة 8200 فهم في موقع مختلف، ويمكنهم إعطاء نظرة من الأعلى حول وضع الاحتلال وطبيعته. ويقول سفارد: "هم يقولون أنك كي تتحكم في شعب آخر فعليك القيام بهذا الأشياء. وهذا بدون شك يمس أحد آخر البقرات المقدسة في المجتمع الإسرائيلي".
ولكن سفارد نفسه يقر بأنه من المبكر جدا التنبؤ بماهية التأثير الذي ستؤدي إليه تلك الشهادات. فقد صدمت إسرائيل عندما اعترف جنود الاحتياط الإسرائيليين بقيامهم بالتعدي على الفلسطينيين بدون سبب أثناء الانتفاضة الأولي عام 1987، وعندما ظهرت أخبار مجزرة صابرا وشاتيلا عام 1982 خرج مئات الآلاف من الإسرائيليين في الشوارع للتظاهر، ولكن حتى الآن وبعد يوم من نشر شهادة "الجنود الجيدين" في الوحدة 8200 لم يعلق أي سياسي إسرائيلي على الشهادات المثيرة للقلق. وبالتأكيد سوف تساعد تلك الشهادات على توثيق الاحتلال الإسرائيلي ولكنها أقل قدرة على تغيير واقع الاحتلال.