كتبت جويس كرم: رسّخ تصويت
الكونغرس الأميركي أمس على مشروع قرار لتسليح وتدريب المعارضة السورية، المنعطف العسكري للاستراتيجية الأميركية في التعاطي مع الملف السوري وبعد صعود تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» (
داعش) وانهيار المسار السياسي في مفاوضات «جنيف2».
هذا الانعطاف بعد ثلاث سنوات من المماطلة والتفرج على «حرب الاستنزاف» في سورية سيترجم على الأرض بضربات جوية قد تبدأ سريعا ضد «داعش»، وفي برنامج تدريب تراهن الادارة فيه على استعادة توازن مزدوج على الأرض ضد المتطرفين ونظام الرئيس السوري بشار
الأسد.
التصويت من 273 نائبا ومعارضة 165 ليس غالبية كاسحة في مجلس النواب انما تفويض تشريعي صريح من الكونغرس وللمرة الاولى منذ بدء الأزمة لدعم المعارضة المعتدلة في سورية. فالإدارة كانت طلبت في أيار (مايو) الفائت قيام الكونغرس بـهكذا خطوة واصطدمت بمعارضة من الحزبين وتردد في دخول الحرب السورية. تغيرت هذه المعادلة مع صعود «داعش»، والتشنج في العلاقة الروسية-الأميركية بشكل أجهض المسار السياسي، وأيضا مع اقتراب الانتخابات النصفية الأميركية وصعوبة معارضة البيت الأبيض في قضايا الأمن القومي والارهاب. وجاء التوقيت على خلفية تضاؤل فرص اتفاق حول الملف النووي الايراني الشهر المقبل، ورفض واشنطن ربط مسائل اقليمية بتلك المفاوضات.
عمليا، يتضح الانعطاف العسكري في تعيين الجنرال جون آلن على رأس الاستراتيجية ضد «داعش»، وتراجع حضور المنسق السياسي في الخارجية الأميركية دانيال روبنستاين. ويعتبر آلن من الوجوه العسكرية الضالعة في سياسة مكافحة الارهاب، وعلى معرفة بالقبائل في المنطقة الحدودية بين سورية والعراق والتي تعاطت معها واشنطن مباشرة في استراتيجية الصحوات في الأنبار في 2007. أما خطة التدريب والتسليح فستشمل بحسب تصريحات القيادات العسكرية الأميركية قوة من خمسة آلاف مقاتل، وهو رقم يوازي قوة «حزب الله» في سورية اليوم. ومن هذه الناحية، هناك ادراك أميركي بأن الرقم غير كاف لهزيمة «داعش» الذي لديه حوالي عشرين ألف مقاتل في سورية، انما سيكون ضروريا لعمليات نوعية وتغيير التوازن على الأرض.
ويبدو الرئيس السوري بشار الأسد الغائب الحاضر في استراتيجية الادارة الأميركية. فبين تأكيدات الرئيس الأميركي باراك
أوباما نفسه وأركان الادارة بأن واشنطن «لن تعول» و «لن تنسق» مع النظام السوري في هذه الحرب، فإنها أيضا ليست في وارد ضرب مواقع الأسد في هذه المرحلة وتراهن على نضج ظروف داخلية وتحسين قوة المعارضة لخروجه من السلطة.
اذ لا ترى الادارة أن النظام في موقع الرد على أي غارات أميركية، وسيكون لمشاركته قبل أي حل سياسي في سورية انعكاسات سلبية على التحالف الاقليمي، وأخرى قد تفيد «داعش» الذي يبني ويستقطب دعمه بالاختباء وراء شعارات بينها انقاذ السوريين من ظلم الأسد.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز أن أوباما قال لضيوفه من خبراء السياسة الخارجية أن رد الأسد على أي ضربات أميركية سيعني تحركا عسكريا ضد دفاعاته وسلاحه الجوي، وهو ما قد يؤدي الى اطاحته على حد تعبير أحد الضيوف.
كما قللت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) من أهمية المضادات الدفاعية للنظام في شرق سورية واعتبرتها اما "معطلة" أو بطيئة الرد.
ومن هنا تراهن واشنطن في المدى المنظور على ضربات جوية تشل «داعش» في حلب ودير الزور، وتؤذي حضوره في الرقة. أما في المدى المتوسط والبعيد فالرهان هو على اعادة تأهيل الثوار المعتدلين لتحسين مواقعهم في الشمال والجنوب، والتعويل أن هذا الأمر في حال نجاحه سيفرض على النظام أو حليفه الروسي التنازل بشكل جدي في أي مفاوضات حول المرحلة الانتقالية تستند الى اطار «جنيف2».
(عن صحيفة الحياة اللندنية 20 أيلول/ سبتمبر 2014)