سواء أكان الأمر يروق للولايات المتحدة أم لا ففي حكم المؤكد تقريبا أن
إيران الشيعية الحليف الرئيسي لحكومتي العراق وسوريا طرف أساسي في الحرب على تنظيم الدولة السني.
ورغم الخلافات الحادة التي تفصل بين الولايات المتحدة وايران في معظم قضايا منطقة الشرق الأوسط يجد البلدان نفسهما في جانب واحد في الأزمة المتصاعدة حول التنظيم الذي استولى على مساحات شاسعة من أراضي العراق وسوريا.
وما من أحد تقريبا ينظر إلى هذا الوضع من منطلق المقولة الشائعة "عدو عدوي هو صديق لي" فإن هذه المقولة لها وقع خاص في ظل التطورات السياسية في المنطقة حيث قد تجد واشنطن وطهران أرضية مشتركة في مواجهة الخصم المشترك.
ولن يكون من السهل بحال من الأحوال تقريب المسافات بين ايران والولايات المتحدة.
ويبدو أن التعاون العسكري المباشر بين الطرفين ضد تنظيم الدولة غير مطروح كما أن الرئيس باراك أوباما استبعد ايران من عضوية
التحالف الدولي الذي يشكله.
كذلك يسلم مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون بأن المصالح الأمريكية والإيرانية نادرا ما تتلاقى ولهذا فإن التحدي سيتمثل في التأكد من جعل الدور الإيراني دورا بناء بقدر الإمكان.
وقال آرون ديفيد ميلر المستشار السابق في شؤون الشرق الأوسط في الإدارات الجمهورية والديمقراطية "من الجلي أنهم (الإيرانيين) سيكونون جزءا من هذه العملية. فلهم وجود على الأرض بأشكال ليست لنا... لكن لدينا من الأسباب ما يجعلنا نتوجس."
ويقول الخبراء إن الخيار المفضل لدى واشنطن هو أن تعمل ايران بشكل منفصل لتحقيق هدف هزيمة الدولة بينما يعمل الطرفان على عدم تصادم أنشطتهما لتفادى إمكانية تعارض المصالح.
كانت الولايات المتحدة قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع طهران خلال أزمة الرهائن التي أعقبت الثورة الإيرانية عام 1979. وقد جعلت إدارة أوباما من هدف تقييد برنامج ايران النووي أولوية قصوى.
وقال الجنرال المتقاعد جيمس ماتيس الرئيس السابق للقيادة العسكرية المركزية الأمريكية في جلسة استماع بالكونجرس الأسبوع الماضي "المسلك غير المسؤول يذكرنا بأن عدو عدوي قد يظل عدوي أيضا. ربما توجد سبل يمكننا من خلالها العمل بالتوازي. لكنني أفضل الحذر وأن تكون توقعاتي في غاية التواضع."
ويقول الخبراء إن أي تعاون ملموس بين البلدين مثل تبادل معلومات الاستخبارات عن تحركات تنظيم الدولة لابد وأن يتم في الخفاء أو من خلال وسطاء.
والسبب في ذلك أن شركاء واشنطن من الدول العربية في الحرب على تنظيم الدولة ينظرون إلى ايران بارتياب أكبر مما ينظر به المسؤولون الأمريكيون إليها ويرون أنها تحاول تعزيز هيمنة الطائفة الشيعية في العراق بل وتوسيع النفوذ الإيراني في المنطقة.
مأزق واشنطن
ويمثل الدعم الإيراني للميليشيات الشيعية العراقية مأزقا خاصا لواشنطن. فمازال المسؤولون الأمريكيون يذكرون أن هذه الميليشيات ساهمت في التصدي للمقاتلين في العراق بعد أن انهار الجيش العراقي في الشمال في مواجهة هجوم تنظيم الدولة.
غير أن واشنطن ترى أيضا أن الوضع يحمل في طياته إمكانية استعداء السنة التي كانت يتنسب إليها تنظيم الدولة.
وقال ميلر "ما تريده الولايات المتحدة (من ايران) أن تعمل على إيجاد قدر من الانضباط يحكم أنشطة هذه الميليشيات حتى لا تصبح هجمات واسعة النطاق على السنة."
ولن تكون هذه هي المرة الأولى التي تجد فيها الولايات المتحدة وايران أرضية مشتركة.
ويقول مسؤولون من الجانبين إن تعاون المخابرات الإيرانية خلال غزو أفغانستان بقيادة الولايات المتحدة أواخر عام 2001 كانت له قيمة لا تقدر بثمن في هزيمة طالبان وضمان تقدم قوات التحالف.
وساعدت المعلومات التي قدمتها ايران في توجيه الضربات الجوية وكسب الجماعات القبلية.
ويقول بعض المسؤولين الأمريكيين وغيرهم من المسؤولين الغربيين في لقاءات خاصة إن العمل مع طهران بصورة مماثلة قد يكون منطقيا في محاربة تنظيم الدولة لكنهم يسلمون بأن التنافس السياسي والعداوات الطائفية بين ايران والدول السنية الأعضاء في التحالف سيجعل التنسيق هذه المرة مستحيلا.
وفي الوقت نفسه يقول الخبراء إن الولايات المتحدة ليس بوسعها أن تفعل شيئا يذكر لمنع ايران من المشاركة بثقلها في الحرب على الدولة بالشروط التي تروق لها لأن طهران مستمرة في دعم حكومة الرئيس السوري بشار الأسد وتقوية نفوذها لدى القيادة العراقية التي يهيمن عليها الشيعية.
وقالت حياة علوي أستاذ دراسات الشرق الأوسط بكلية الحرب البحرية الأمريكية "الولايات المتحدة لا يمكنها منع ايران من اتباع أجندتها الخاصة عندما يتعلق الأمر بالعراق وسوريا." وأضافت إن الارتياب بين الجانبين مازال هائلا "وهذا يهيئ لشراكة في غاية الضعف".
ورغم كل ذلك برزت طهران كمصدر جاهز لتزويد بغداد بالسلاح بسرعة أكبر كثيرا وبشروط أقل من شروط المساعدات العسكرية الأمريكية ويبدو أن واشنطن ارتاحت سرا لهذا الترتيب.
وقال المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بعد فحص مجموعة من الصور المختلفة إن من المؤكد تقريبا أن ايران هي التي زودت العراق بسرب من طائرات سوخوي سو-25 الهجومية روسية الصنع بسرعة كبيرة في أوائل يوليو تموز الماضي.
ومع بدء الضربات الجوية بقيادة أمريكية على أهداف لتنظيم الدولة في سوريا ربما تعول واشنطن على طهران في ضمان بقاء نظم الدفاع الجوي السورية على الحياد.
وتتيح الحملة على تنظيم الدولة فرصا أكبر لاستفادة الولايات المتحدة وايران من التحسن المؤقت في العلاقات الذي بدأ العام الماضي بمبادرة دبلوماسية من أوباما تجاه إيران كان من نتائجها المحادثات النووية مع القوى الغربية.
لكن بعض المحللين في واشنطن يحذرون من الافراط في الوثوق بنوايا ايران أو مدى استعدادها للمساعدة في أزمة تنظيم الدولة.
وقال جيمس كارافانو المحلل العسكري لدى مؤسسة هيريتيج فاونديشن للابحاث "لو أن الايرانيين يريدون أن يفعلوا شيئا جوهريا لفعلوه منذ زمن بعيد. والأفضل للاستراتيجية الامريكية التركيز على تقليص النفوذ الايراني."