عندما تغيب الابتسامة والمرح والطمأنينة عن عائلة ما فاعلم أن مصابا جللا قد حل بها، وعندما يكون الغائب الحاضر يمتاز بروح مرحة، ونشاط قل نظيره بينهم، ويجمع حوله أصحاب كثر، فاعلم أن المصاب أكبر من أن ترسمه الكلمات.
القلب يعتصره الألم
كعادته خرج نورالدين فريدعمران 16عاما، يوم الأحد 27 يوليو/ تموز الماضي، الساعة العاشرة صباحا من بيته الكائن وسط مدينة خانيونس بقطاع غزة، راكبا دراجته النارية لمتابعة عمله في مزرعة الدجاج التي يملكها والده، وكان ذلك اليوم أول أيام الهجوم البري لقوات الاحتلال الإسرائيلية على القطاع.
تبعه أخوه الأكبر بلال للاطمئنان عليه الساعة 11:30، وعند اقترابه من المكان الواقع بمنطقة "تبة 86"، على أطراف خانيونس حذره سكان المنطقة من الاقتراب لكثافة القذائف التي تسقط واقتحام الوحدات الخاصةالإسرائيلية للمكان، ما يدل على اعتقال نورالدين أو استشهاده، وذلك حسب إفادة والده الذي تحدث لـ"عربي21"، وقلبه يعتصره الألم.
وشهدت محافظة خان يونس أعلى نسبة شهداء خلال العدوان الإسرائيلي الأخير، الذي أسفر عن استشهاد 2147 شخص، وجرح 10870، وتدمير 17 ألف منزل بشكل كلي أوجزئي، وتضرر 40 الف منزل، وتشريد ما يزيد عن 100 ألف مواطن.
ابتسامته لا تفارقني
وأضاف فريد عمران 45 عاما "بعد ثلاثة أيام ورغم كثافة نيران العدو الإسرائيلي حاولنا الوصول للمزرعة دون جدوى"، موضحا أنه أبـلغ الصليب الأحمر بما حدث.
والدته أم بلال التي أنهكها الانتظار والبكاء شعرت قبل خروج نورالدين بـ"قبضة في قلبها"، لكنها لم تكن كافية لمنع ابنها الذي "يعشق العمل"، من الخروج. تقول: "اشعر بألم كبير، لم أتوقع يوما أن أفقد أحد أولادي، صورته لا تغيب عني، ابتسامته لا تفارقني".
وترسل الأم رسالة استغاثة عبر "عربي21"، للجميع بأن يساعدوها في العثور على نورالدين "حيا أو ميتا"، متهمة الصليب الأحمر بـ "التقصير" في البحث عن ابنها الغائب منذ شهرين.
وتكررت محاولات العائلة في البحث، فبعد 11 يوما، وصل الأب وبرفقته 15 من أقاربه يبحثون عن نور في كل مكان، لكن لا أثر.
وقال: "عثرنا على دراجته النارية ولا اثر لدماء عليها، وكان من الواضح انها سحقت بواسطة دبابة".
ملامحه قريبة
هرولة في كل اتجاه، بحث في المستشفيات، زيارات متكررة للمكان، متابعة ما ينشر في الإعلام، زيارة المعتقلين المحررين لسؤالهم، حتى قال أحد المفرج عنهم من سجون الاحتلال أنه سمع كلمة: "عمران"، فكانت سببا في ارتياح نسبي لدى العائلة التي لم تجف دموعها بعد أن فارقها من كان يرسم الابتسامة بروحه المرحة.
بلال الشقيق الأكبر يقول إنه عثر على صورة بثها الإعلام الإسرائيلي تظهر بعض المعتقلين أثناء الحرب وهم مجردون من ثيابهم، وخلال تفحصه لها رأى شخصا يشبه إلى حد كبير نورالدين، لكن دقة الصورة المنخفضة لم تسعف الأهل من التأكد من ذلك.
الأمل في العثور على نورالدين كما يقول والده " كبير، وليس لنا إلا الدعاء أن يرد الله علينا نور الدين"، مطالبا المؤسسات الإنسانية والدولية ذات الشأن "بالتدخل لدى الاحتلال الإسرائيلي للكشف عن مصير نورالدين". خيوط كثيرة من جانبها قالت الناطقة الإعلامية للصليب الأحمر في غزة مسعدة سيف أن العديد من العائلات الفلسطينية تقدمت بطلبات بخصوص فقدان أحد افرادها، مؤكدة أن هناك " 15 طلبا إلى الآن لم يتم التعرف على مصير أصحابها ولا معلومات عن مصيرهم"، ونور الدين هو أحد تلك الحالات.
وأوضحت سيف في حديثها لـ "عربي21" أن الصليب الأحمر يعتمد ما يسمى بـ "دائرة تقفي الأثر والبحث عن المفقودين"، ويحاول التواصل مع العديد من الجهات والتي منها الاحتلال الإسرائيلي من أجل جمع معلومات، واصفة عملية البحث بأنها "ليست سهلة، هناك خيوط كثيرة، وتحتاج إلى وقت".
وحول مدى استجابة الاحتلال الإسرائيلي في كشف معلومات عن المفقودين قالت مسعدة " دائما ما يوجد حوار ثنائي سري مع السلطات الإسرائيلية..الحوارمستمر"، ولم تتحدث عن مدى تعاون الاحتلال بهذا الخصوص، مبدية تفهمها للحالة النفسية التي تعاني منها عائلات المفقودين.