أحيت
الجزائر، الاثنين، الذكرى التاسعة لاستفتاء
ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، الذي نظم في 29 أيلول/ سبتمبر 2005، وسط جدل بين "موالاة" تثمن ما تسميه "الحصيلة الإيجابية" وبين معارضة ترى أن ميثاق
المصالحة "لم يحقق الهدف".
من جهته، قال رئيس اللجنة الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها (التابعة لرئاسة الجمهورية في الجزائر)، فاروق قسنطيني، "إن المصالحة الوطنية التي اعتمدها الرئيس عبد العزيز
بوتفليقة في العام 2005 طبقت بنسبة 90%"، مضيفا في تصريح لـ"عربي 21"، الاثنين: "جاحد من يقلل من شأن التدابير التي أقرها الرئيس بخصوص عديد من الملفات التي أدرجت للحل في إطار ميثاق السلم والمصالحة الوطنية".
وصوت 97% من الجزائريين لصالح تبني "ميثاق السلم والمصالحة الوطنية"، باستفتاء نظم في 29 أيلول/ سبتمبر 2005، وحينها، قدم بوتفليقة الميثاق على أنه "الحل الوحيد" لتضميد جراح العشرية السوداء، ووضع حدا للأزمة الدموية التي أسفرت عن حوالي 200 قتيل، وخسائر بالبنية التحتية قدرت بـ30مليار دولار.
لكن ميثاق المصالحة، لقي معارضة شديدة من قبل منظمات حقوق الإنسان، وجمعيات "أهالي
المفقودين" وهم الذين فقدوا ذويهم في خضم المواجهات المسلحة بين المجموعات المسلحة، والقوات النظامية، خلال الأزمة الأمنية التي اندلعت أوائل التسعينات.
في المقابل، قال عضو "الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان"، مصطفى بوشاشي، ورئيسها السابق لـ"عربي21"، الاثنين: "ليست هناك مصالحة وطنية في الجزائر، حتى نتساءل إن كانت نجحت أم فشلت، والسلطة سنّت مجموعة من القوانين فقط لاستعادة السلم، وليس لمعالجة الأزمة الأمنية من جذورها".
ويرى بوشاشي أن "السلطة انفردت لوحدها بسن ميثاق السلم" ، حيث أنها "لم تشرك فيها جميع الجهات السياسية والمدنية من أحزاب سياسية ومنظمات حقوق الإنسان".
وشدد على أنه " كان يجب قبل طرحها للاستفتاء أن تقوم بدراستها جميع الجهات، والاستفتاء تضمن كلمتين (نعم أو لا)، ثم من يؤكد شفافية الاستفتاء؟".
وتابع: "أعتقد أن الشعب وقبل الاستفتاء لم يطلع على بنود المصالحة، التي تتضمن معاقبة كل من يكتب عن المأساة الوطنية أو يتحدث عنها كما منحت الرئيس صلاحية التصرف فيها كيفما شاء، من خلال الفصل رقم 47 التي تتيح له حرية اتخاذ القرار".
وتخلى المئات من المسلحين عن أسلحتهم بالجبال، بعد إعلان نتائج استفتاء المصالحة، وسنت الحكومة بالجزائر التدابير اللازمة "من أجل إعادة إدماجهم بالمجتمع".
غير أن الملف المؤرق بالنسبة للحكومة ضمن ميثاق المصالحة، يتعلق بملف "المفقودين" خلال الأزمة الدموية، إذ سجلت مرحلة التسعينيات اختفاء 7411 شخصا، حملت عائلاتهم، قوات الأمن مسؤولية اختفائهم.
واليوم، اغتنمت عائلات المفقودين، مناسبة الذكرى التاسعة لميثاق السلم والمصالحة الوطنية، للاحتجاج في تجمع بالعاصمة، والمطالبة بـ"حقيقة اختفاء أبنائها".
وبدورها، قالت رئيس منظمة "آس.أو.آس مفقودون"، فاطمة يوس، لـ"عربي21"، على هامش التجمع، الاثنين، "إننا نطالب الحكومة باحترام حقوق الضحايا، بفتح تحقيقات وتسليط الضوء على مصير كل مفقود، ومعاقبة المسؤولين عن العنف".
وأضافت يوس أن "نص ميثاق السلم بمثابة تعذيب معنوي لعائلات المفقودين"، وانتقدت إجراء "منح شهادة الوفاة لذوي المفقود، دون إجراء أي تحقيق".
ويعتبر المعارض بوشاشي أن "ملف المفقودين دليل واضح عن فشل سياسة المصالحة، فقد أقرت الدولة تعويضات مادية من أجل شراء صمت العائلات التي فقدت أبنائها خلال الأزمة الأمنية والإرهاب"، متسائلا: "من يعيد لهؤلاء أبنائهم، ومن يؤكد أن هؤلاء قد ماتوا فعلا أم أنهم في مكان ما؟.. أؤكد أن أغلب العائلات رفضت إستلام التعويضات وتريد الحقيقة.. الحقيقة المتعلقة بمصير فلذات أكبادهم، وتلك العائلات لا تبتغي منافع مادية كما يزعم البعض".
وقال إن "المصالحة من البداية، كانت ناقصة، فأي تأثير حتى ولو كان بسيطا يظهر في نتائجها بشكل جلي، مادمنا لا نعترف بوجود مصالحة حقيقية بين أبناء الشعب الواحد، تضع حدا للأزمة التي عرفتها البلاد منذ عشرين سنة، فإننا لا يمكننا الحديث عن مشروع وطني".
لكن قسنطيني، يعارض بوشاشي، بالقول إن "وثيقة المصالحة صوت عليها الشعب، وبما أن الشعب زكاها عبر استفتاء حر ونزيه، للحكومة كل الصلاحيات في تطبيقها، ولا يمكن أن نصنع حذاء لكل مقاس كما يقول المثل، أتقبل أن يقال أن هناك نقائص في المصالحة؟ لكني أرفض أن يقال إنه ليست هناك مصالحة، هذا طعن في الإنجازات المحققة لحقن دماء الجزائريين"، على حد قوله.
وحول مصير المفقودين، أشار قسنطيني إلى أن "الدولة أعطت كل الحقوق لأهالي الذين اختفوا خلال فترة الإرهاب، بما في ذلك التعويض، ومن يواصل الاحتجاج من هؤلاء، قلة قليلة لأن معظم الأهالي قبلوا التعويض المادي، ومن لم يقبله قرر مواصلة الاحتجاجات، لكننا منعناهم، لأنهم اتخذوا من القضية سجلا تجاريا وأصبحوا ينشطوا في الخارج، ضد مصلحة البلاد.
وفي السياق ذاته، قال رئيس "خلية المساعدة القضائية المكلف بتطبيق ميثاق السلم والمصالحة الوطنية"، مروان عزي، الاثنين، إن "ما نسبته 95% من ميثاق المصالحة الوطنية، طبق لحد الآن"، مشيرا في مؤتمر صحفي عقده لعرض حصيلة المصالحة بالجزائر منذ تسع سنوات إلى أن "عدد المستفيدين من الميثاق بلغ تسعة آلاف جزائري".
وأضاف عزي بخصوص ملف المفقودين، أن "هذا الملف أصبح من الطبوهات، ومحل ابتزاز من الكثير من الأطراف"، مشيرا إلى استفادة "7100 عائلة مفقود من التعويض المادي".
وفي إطار المصالحة، عوضت الحكومة في الجزائر، عائلات المسلحين المتوفين أيضا، وفاق عددها 11 ألف عائلة.
وقال عزي إن الجيش الجزائري "قتل منذ بداية تطبيق ميثاق السلم 17 ألف مسلح رفض ترك السلاح".