السيدات والسادة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
استمعنا بكل تركيز وانتباه الى كلماتكم التى جاءت فى مجملها لتحذر من التطرف والإرهاب فى بلادنا، وما تلا ذلك من تداعيكم جميعا للمشاركة فى التحالف الدولى تحت قيادة الولايات المتحدة للتصدى "للأشرار" من
داعش وأخواتها، وإعادة الاستقرار الى المنطقة التى تطلقون عليها الشرق الاوسط، والتى نحب نحن أن نسميها بالوطن العربى.
ان الاستقرار يا سادة تحققه وتفرضه الشعوب حين ترضى عن احوالها وظروفها وتطمئن الى مستقبلها ومستقبل اجيالها القادمة.
والحقيقة ان الشعوب العربية الآن ومنذ زمن بعيد، لا تريد استقرار أو استمرار الاوضاع الراهنة فى بلادها، تلك الأوضاع البائسة من استعمار واستغلال وتبعية وتجزئة وتخلف و التى كان لكم دورا كبيرا فى صناعتها وترسيخها على هذا النحو.
كما ان الشعوب أيضا، لم تعد تثق فى منظمتكم "الموقرة" منذ زمن بعيد، مثلما لا تثق في حكامها، المتواطئين معكم ومع قادة العالم من الدول الكبرى ضد مصالحها وحقوقها وتحررها واستقلالها واستقرارها.
فأنتم تعلمون بالطبع أن الامم المتحدة ارتكبت بعد الحرب العالمية الثانية أكبر جريمة يمكن ان ترتكب ضد اى شعب، حين قررتم تقسيم فلسطين وانتزاع ما يزيد عن نصفها وتسليمه الى المهاجرين من الميليشيات والعصابات الصهيونية الإرهابية ثم ما تلى ذلك من الصمت على استيلاء هذه الميليشيات فى حرب 1948، على ما يقرب من ربع اضافى من ارض فلسطين. ثم قبولها عضوا بالامم المتحدة عام 1949، بعضوية معلقة على بعض الشروط أهمها هو عودة اللاجئين، وهى الشروط التى تم اسقاطها بالتجاهل والنسيان فيما بعد.
ثم تكرار هذه الجريمة الدولية مرة أخرى فى 1967، بامتناع مجلس الامن عن اصدار قرار ملزم بانسحاب القوات الاسرائيلية تطبيقا لميثاق الامم المتحدة الذى يمنع الاستيلاء على اراضى الغير بالقوة. ثم قيامها بإجهاض أى قرارات لصالح القضية الفلسطينية، باستخدام حق الفيتو الشرير والظالم، الى الدرجة التى رسخت قناعة لدى شعوبنا بان الدور الرئيس للولايات المتحدة فى مجلس الامن هو حماية الاحتلال الاسرائيلى لفلسطين وتمكينها من الاستيلاء على ما تبقى منها.
ايها السيدات والسادة، لولا قيود البروتوكول والوقت، لاسترسلت لساعات طويلة، بل لو قام اعضاء الوفود بالتنازل لى عن كلماتهم، وجعلوا منى المتحدث الوحيد فى هذه الدورة، لما كفى كل هذا الوقت لكى اسرد عليكم حجم الظلم والقهر والتآمر والعدوان، التى تعرض له الشعب الفلسطينى والشعوب العربية على أيدى المنظمات الدولية على امتداد أكثر من قرن من الزمان.
ثم بعد كل ذلك، تأتى الدورة الحالية للجمعية العامة، بعد اسابيع قليلة من اكبر عدوان يتعرض له الشعب الفلسطينى منذ اثنين وثلاثون عاما اى منذ مذبحة صابرا وشاتيلا، حيث سقط لنا فى العدوان الاخير، ما يزيد عن 2000 شهيدا فى مدة لا تتعدى 50 يوما، لتكون أكبر نسبة ضحايا فى مثل هذه المدة القصيرة مقارنة بكل الحروب والصراعات التى شهدها العالم هذا العام.
اقول بعد كل ذلك، وبدلا من أن تكون هذه هى القضية الرئيسة على جدول اعمال هذه الدورة، فانه تم تجاهل هذه الجريمة الكبرى تماما، واكتفت غالبية الوفود بإلقاء بضعة كلمات تقليدية من باب المجاملة الدبلوماسية.
تناولها الرئيس اوباما على سبيل المثال فى كلمات معدودة لم تستغرق أكثر من 30 ثانية، لم يقل فيها شيئا جديدا ولا حقيقيا.
فى حين انه عندما تحدث عن أوكرانيا، استفاض وتحدث وكأنه احد زعماء الاستقلال الوطنى فى بلدان
العالم الثالث، فذكر كلمات من عينة انه ليس من حق دول أن تعيد رسم حدود دولا أخرى، وأن
امريكا تؤمن بان الشعوب الكبرى لا يجب ان تفرض ارادتها على الشعوب الصغرى، وان الحق فوق القوة، وانه لا يمكن فرق الارادة بالقوة، ويجب ان نقوم بتجميع اكبر عدد من الشعوب لدعم حق الشعوب فى تقرير مصيرها...الخ هذا الكلام المحرم قوله عن القضية الفلسطينية.
اما عن كلمة بنيامين نتنياهو زعيم أكبر كيان ارهابى فى العالم، فلقد كرر فيها أغرب وأغبى وأضل فكرة فى التاريخ، واقصد بها تلك الرواية الصهيونية الكاذبة التى يرددونها بعد كل عدوان أو مذبحة يرتكبونها، بان فلسطين هى أرض اليهود منذ آلاف السنين، وأنها اليوم تخص اليهودى البولندى والروسى والفرنسى والامريكى، وليس العرب الفلسطينيون الذين يعيشون عليها بالفعل ولم يغادروها أبدا منذ ما يزيد عن 1400 عاما. وأن هؤلاء العرب الارهابيين يريدون تدمير اسرائيل، مما يعطيها كل الحق فى الدفاع عن نفسها، والقضاء على سلاح الفلسطينيين وارهابهم، وقصف غزة وأهلها، وقتل كل هذا العدد من المدنيين، هذا القتل الذى مارسوه اضطرارا وقلوبهم تدمى على الضحايا الأبرياء !
اجيبونى يا سادة يا كرام، فى اى بلد آخر فى العالم، يمكن للجنسية والمواطنة أن تعنى الديانة ؟
وأى شعب يهودى مختلق هذا الذى يتكلمون عنه، وأفراده ينتمون بالفعل الى اوطان أخرى، لا يجمعهم وطن واحد ولا لغة واحدة ولا تاريخ واحد ولا حضارة واحدة ؟
واى نظرية أخرى فى العالم غير الصهيونية، يمكن أن تدعو أنصارها ان يتركوا اوطانهم ويهاجروا الى ارض شعب آخر، ليطردوه ويقتلوه ويذبحوه ويستولوا على ارضه ويحرموه من العودة ؟
وكم شعب آخر فى العالم تعرض كل هذا العدد المذابح التى تعرض لها الشعب الفلسطينى على امتداد قرن من الزمان ؟
واى مكان آخر فى العالم لا يزال يوجد مثل هذا الاستعمار الاستيطانى الاحلالى العنصرى الارهابى، الا فى فلسطين ؟
واى منطق أو عقل ذلك الذى يقبل ان اوطان الاخرين هى حق لهم لأنه منذ بضعة آلاف من السنين كان فيها سكان يدينون بنفس دينهم ؟
ان الدولة الرومانية قبل سقوطها فى مشارف القرن الخامس الميلادى، احتلت الاراضى المعروفة الان ببريطانيا لمدة 4 قرون، فهل يقبل الشعب البريطانى أن يطالب الايطاليين اليوم بحقهم فى ارض الانجليز؟
وبالمثل هل يجوز لليونانيين ان يطالبوا بمصر، لانهم حكموها ثلاثة قرون بعد أن احتلها الاسكندر الاكبر عام 332 قبل الميلاد ؟
الامثلة كثيرة ومتعددة، والإجابة واحدة، وهى تهافت وشذوذ الرواية والاساطير الصهيونية عن ارض فلسطين، فكل تاريخ البشرية وسننها فى تشكل الأمم والأوطان والمجتمعات عبر آلاف السنين، تثبت وتؤكد ان الصهيونية هى نظرية استعمارية عنصرية ارهابية، لا يجب ان يكون لها وجود فى عالمنا فى القرن الواحد والعشرين، وان اسرائيل هى كيان باطل ومشروع محكوم عليه بالفشل ان عاجلا أو آجلا.
وعلى امتداد قرن من الزمان، قام كل طغاة العالم ومستعمريه بتقديم كل الدعم الممكن لهذا الكيان، كما لم يدعموا أحدا من قبل، تبنته عصبة الأمم والأمم المتحدة، ورعته الدول الكبرى قبل الحرب العالمية الأولى وبعدها، واغدقوا عليه الاموال والسلاح والحماية الدولية، وجندوا جماعة منا اعترفت به واستسلمت له وتحالفت معه، ورغم كل ذلك، لم ينجحوا فى تثبيته وترسيخه فى أوطاننا، الارض تلفظه والشعوب ترفضه، والمقاومة لم تتوقف من اربعة أجيال، فمتى تثوبوا الى رشدكم وتدركوا خطأكم التاريخى، وترفعوا أيديكم عنه.
ايها السادة ان تحرير الارض الفلسطينية هو واجب وحق للشعب الفلسطينى مثله مثل كل شعوب العالم، والمقاومة والكفاح المسلح هما حقنا الشرعى وفقا لكل المواثيق الدولية، وسلاحنا هو السلاح الشرعى الوحيد على هذه الأرض، وقتلانا شهداء سيخلدون فى الدنيا والآخرة، أما المجرم والارهابى الفعلى والأصلى فى وطننا العربى فهو هذا الكيان الاستعمارى العنصرى الطائفى الذى تدعوه بإسرائيل.
ولو كان العدل والحق يحكمان، لقام العالم بتشكيل تحالف دولى لتحرير فلسطين، بدلا من الهرولة الجماعية لمبايعة ومباركة الحملة الامريكية الاستعمارية الثالثة على العراق.
والى أن يستوى الميزان، لا تحدثونا عن التطرف والاعتدال.
[email protected]