رغم سنوات النسيان وتقلبات الزمن لا تزال تقاوم، ترفض الاندثار، تريد أن تبقى شاهدة على حقبة زمنية رائدة من تاريخ إفريقيا، كما تصر على الاحتفاظ ببقايا تاريخ وإن كانت على وشك التحول إلى ركام، إنها مدينة "
كومبي صالح" التي ظلت لقرون عدة بمثابة العاصمة السياسية لمملكة
غانا.
ولا تزال "كومبي صالح " حتى اليوم مركزا للحفريات وقبلة لعلماء
الآثار من جميع أصقاع المعمورة.
تقع مدينة "كومبي صالح" أو عاصمة مملكة غانا كما يحلوا لسكنتها حتى اليوم أن يسموها في الجنوب الشرقي لموريتانيا وتحديدا على الشريط الحدودي المحاذية لجمهورية مالي المجاورة وتبعد 60 كلم عن مركز مدينة "تمبدغه" الموريتانية.
ويرى أغلب المؤرخين أن تاريخ المدينة يعود إلى القرن الثالث الميلادي، حيث تأسست بعد وصول ما يعرف بقبائل الماندية الوثنية عبر القوافل التجارية التي كانت تمر من حين لآخر بالمنطق، حيث ظهرت إمبراطورية غانا كقوة عظمى مهيمنة في المنطقة متخذة من مدينة "كومبي صالح" عاصمة لها.
ويشير عدد من المؤلفين والباحثين إلى أن المدينة شهدت قفزة ونهضة عمرانية كبيرة خلال سنوات تأسيها الأولى ووصل عدد سكنها منتصف القرن الحادي عشر الميلادي حدود الثلاثين ألف نسمة، لتكون بذلك أكبر تجمع سكني بالمنطقة وأهم قوة.
وتؤكد الدراسات المتاحة أن مدينة "كومبي صالح" ظلت لأكثر من عشرة قرون تحت نير الوثنية، غير أن الإسلام دخل المدينة بعد ذلك على يد عدد من الفاتحين الأمويين، لتتحول معالم المدينة بعد ذلك وتنتشر بين أزقتها المساجد ومدارس تعليم القرآن.
ومع بداية دخول الإسلام للمدينة، ارتفعت هجرة العائلات المسلمة إليها، من جميع البلدان الإفريقية، حيث سهلت الهجرة إلى المدينة بفعل استمرار رحلات القوافل التجارية.
ولا تزال بقايا المدنية حتى الساعة شاهدة على تاريخها، رغم الضرر الكبير الذي لحق المباني القديمة، ومنها المسجد العتيق الذي يكاد يتحول إلى ركام بفعل عاديات الزمن.
وتتمسك بعض العائلات هناك حتى الساعة بمعدات وآلات قديمة تقول إنها استخدمت خلال حقب قديمة من تاريخ المدينة، كما تؤكد العائلات أن آثار المدينة تعرضت للسرقة والنهب على مر العصور.
ووفقا لبعض الوثائق فإن المدينة القديمة المهجورة تتكون من مركزين؛ المركز الشمالي حيث عرف بمساجده بينما عرف المركز الجنوبي بالقلعة حيث كان القصر الملكي محاطا بالتجمعات السكنية.
ويقول عمدة القرية التي بنيت على أنقاض المدينة القديمة، حامد ولد محمد ولد خيي، إن جل المعالم والكنوز الأثرية بالمدينة طمرها النسيان والإهمال، مما ضيع حقبة زمنية بما تحمله من بعد ثقافي وتجاري وسياسي للمدينة.
ويضيف:"كومبي صالح كانت عاصمة مملكة غانا ومركز قرارها السياسي ومنها دخل الإسلام جل دول إفريقيا قبل أن تتحول إلى مجرد ركام من الحجارة، وجدران صماء شاهدة على إبداع العمارة آنذاك".
ويطالب سكان المدينة بمهرجان سنوي مخصص لها من أجل تسليط الضوء على تاريخها المعرض للاندثار، خصوصا أن البحوث والمؤلفات التي تتحدث عن هذه المدينة محدودة وغير موثقة وتحتاج للمراجعة.
وتعاني كومبي صالح الأثرية كالعديد من مدن وقرى الريف الموريتاني مشاكل بالجملة في مجال التعليم يعززها غياب الرقابة على طاقم التدريس وكذا غياب مبدأ المكافأة والعقوبة.
وفي مجال الصحة تقف النقطتين الصحيتين في المدينة الأثرية عاجزتين عن أداء مهامهما في التخفيف من آلام المرضى وتقديم الاستشارات الصحية للمواطنين.