مقالات مختارة

أميركا والحلفاء والحرب على "داعش"

غازي العريضي
1300x600
1300x600
كتب غازي العريضي: يتصرّف «داعش» على أساس أنه تنظيم دولي ويتم تعاطي الدول معه على هذا الأساس. فهو تنظيم يسيطر على مساحة شاسعة من سوريا والعراق، ويملك إمكانات مالية كبيرة، وقدرات بشرية تعرف كيف تخطط وتنفذ عملياتها وكيف تستخدم التكنولوجيا الحديثة في أعمالها العسكرية والأمنية والإعلامية والسياسية.. ويضم في صفوفه عناصر من دول عربية وإسلامية وغربية وشرقية وأفريقية وأميركية.

وفي الأسابيع الأخيرة، بدا لافتاً إعلان منظمات وحركات إسلامية من نيجيريا إلى أفغانستان وباكستان والجزائر وليبيا ومصر انضمامها إلى التنظيم وإعلان الولاء لأميره! ويبدو أنه يستعد لتنفيذ عمليات أمنية في عدد من الدول التي تشارك في التحالف العسكري ضدّه، وتخشى حكومات هذه الدول مثل هذا الاحتمال، بعد أن كانت تحذّر منذ قترة زمنية من عودة مقاتلين من أبنائها يقاتلون على الأرض السورية إلى بلادهم والقيام بأعمال إرهابية على أراضيها! بالتأكيد، ليس أمراً عادياً ولم يكن منتظراً، أن يسيطر التنظيم على هذه المساحة من الأراضي في سوريا والعراق بالسرعة التي حصلت فيها العملية، وأن يستمر في تقدمه هنا وهناك بعد انطلاق التحالف، وبدء عملياته العسكرية ضد مواقع «الإرهابيين»!

إنها فضيحة بكل ما للكلمة من معنى. فعندما أعلن عن قيام التحالف توهّم كثيرون أن عملياته ستدمّر «داعش». وستمنع تقدمه وتمدّده وتشدده! وقام كثيرون بحركات استعراضية أثناء المشاركة في العمليات، وكأن كرنفالاً عسكرياً يقدّم ونتائجه محسومة، بل كأنه احتفال بتحقيق تلك النتائج من إضعاف لـ «داعش» للوصول إلى هزيمته كما كان يقول أوباما، في وقت يعلن فيه مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون ومسؤولون أوروبيون تشكيكهم في نجاح هذه الحرب في تحقيق أهدافها. إنهـا حرب بلا أمل كما يقولون.

اليوم، العمليات تتوالى، طائرات التحالف تصول وتجول في السماء السورية، بعد أن تمّ تقديم أولوية المواجهة على الأرض السورية على العمل العسكري في العراق، فيما قوات «داعش» تتقدم على الأرض في اتجاه تركيا بعد السيطرة على قرى كردية عديدة وتهجير ما لا يقل عن 200 ألف كردي! وسائل الإعلام العالمية وعلى رأسها الأميركية منها، تعرض صور توافد المقاتلين «الإرهابيين» وآلياتهم وقطعهم العسكرية وتقدمهم نحو القرى الكردية، وهي مكشوفة ومعروفة، وتتحدث عن عمليات التحالف والنتيجة، سيطرة لـ «داعش» على منطقة كردية كاملة، في وقت يعلن فيه رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان، أن الأسرى الأتراك تم تحريرهم بصفقة مع «داعش»، ثم كشف النقاب عن تفاصيل الصفقة وكيف تم تبادل الأسرى بعدد كبير من «الإرهابيين» كما قيل، ويؤكد الإصرار على إقامة منطقة عازلة آمنة على الحدود مع سوريا، وقد ناقش ذلك مع أوباما وقادة حلف الأطلسي، ثم يصدر كلام عن رئيس وزرائه أحمد داود أوغلو يؤكد فيه أن «تركيا لن تسمح بسقوط منطقة كوباني الكردية، وستحاول كل جهدها لمنع ذلك». ثم يقول في اليوم التالي: «لماذا يطلبون إلينا التدخل في عين العرب ويمنعوننا من التدخل لحماية العرب»؟ وذلك لتبرير التقصير بل التواطؤ في العملية ضد الأكراد، ومحاولة ابتزاز الجميع للاستفادة مما يجري، وعدم القيام بأي تحرك مع التحالف أو غيره دون الحصول على الثمن الذي تريده تركيا!

ماذا فعل التحالف وقيادته الأميركية؟ لا شيء، يلومون العرب، بل يوجّهون إليهم الإهانات، فالإدارة الأميركية تتحمل مسؤولية كبرى عما آلت إليه الأمور، ويكفي اعتراف الرئيس الأميركي بخطأ التقدير الذي وقعت فيه أجهزة مخابراته لتأكيد جانب من المسؤولية.

لكن الوقائع السياسية والميدانية التي تابعها الجميع منذ بداية الحرب في سوريا تشكل جوانب المسؤولية الأخرى. ألم يكن القادة الأميركيون يقولون للجميع: «إننا نريد استنزاف روسيا وإيران وحزب الله في سوريا»، «إن إيران في أزمة مالية، فلنتركها تغرق في سوريا، وتتورط وتعاني مالياً، وهذا يساعدنا في الضغط عليها، لأن أوضاعها الاقتصادية والمالية الداخلية مأزومة، ونحن نكثف العقوبات ضدها»! يعني أميركا لم تكن تريد إسقاط النظام الذي اعتبرت «أنه فقد شرعيته»، وادعت في مرحلة معينة أنه «لن يكون جزءاً من الحل».

كانت تريد التلاعب بالجميع واستنزاف الجميع لتحقيق ما يلائمها ويلائم إسرائيل، وهذا ما تجلى في الضغط لتسليم الكيماوي وقد فعل النظام ذلك! ثم ألم تكن تعلم أميركا بخطط مواجهة النظام، التي كانت تعدّ بالتنسيق مع أجهزة مخابراتها وقياداتها الأمنية والسياسية المختلفة؟ ماذا فعلت؟ أما عن الإرهابيين، ألم تكن النظرية الأميركية والغربية، «فلنتركهم ليذهبوا إلى سوريا، وليقتلوا هناك ونتخلص منهم»؟ وفي ذلك ألم يكونوا على علم بالمنافذ التي فتحت لهؤلاء «المجاهدين»؟ ثم بعد فترة عندما اكتشفوا أن حساب الحقل لم يتطابق مع حساب البيدر، بدأوا يحذرون من خطر هؤلاء وعودتهم إلى بلادهم وراحوا يتذرعون بعدم الاستعداد لتسليح المعارضة خوفاً من وقوع السلاح في يد المتطرفين؟

ثم عندما وصلت موسى «الإرهابيين» إلى رقاب رعاياهم ذهبوا إلى تركيب تحالف للدفع في اتجاه استئصالهم من «فوق» عبر القصف الجوي المسرحي ودون أي عمل جدي على الأرض ويتحمل العرب كل شيء في هذه المواجهة؟ ليخرج الرئيس الأميركي، ويبشّر بأن الحرب قد تستمر من 3 أعوام إلى عشرة، ثم يقول وزير دفاعه السابق إنها قد تمتد إلى 30 عاماً، ويحمله المسؤولية عما آلت إليه الأمور بسبب تردّده في اتخاذ القرارات المناسبة في الأوقات المناسبة! ألم تؤد هذه السياسات، والحسابات، وإطالة أمد الحرب في سوريا لاستنزاف القوى التي ذكرنا، إلى مزيد من الدمار والخراب والضحايا والنازحين واللاجئين، وإلى ردات فعل مذهبية وطائفية، وأعمال وحشية من هنا وهناك؟ فهل كانت إدارة أوباما تساير- الحلفاء المشكلة - في هذه الممارسة؟ وإذا كان الأمر كذلك، هل عندما ذهبت إلى التفاهم مع إيران بعد ابتزازها واستنزافها، احترمت إرادة «الحلفاء» أم فاجأتهم وكانت مشكلة بينها وبينهم؟ ليس هذا الكلام دفاعاً عن الحلفاء، فلديهم ما يقولونه إذا أرادوا، بل فيه نقد لبعض سياساتهم وعدم إقامتهم الحسابات الدقيقة في قيادة المعارضة، أو رسم السياسات المطلوبة والمبنية على خيارات مفتوحة في كل الاتجاهات في مواكبة السياسة الأميركية.

إنه كلام يؤكد خطر السياسة الأميركية في المنطقة على الجميع دون استثناء. وقد كان معبراً قول صالح المسلّم رئيس حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي في تعليقه على موقف أميركا وقوات التحالف وتركيا، مما يجري في المناطق الكردية السورية «يبدو أن داعش هو جزء من تحالف دولي ضد أكراد سوريا». وتعليقاً على الانتقائية الدولية في التعاطي مع «داعش» قال: «لا أحد يريد أن يكون له نموذج لالسـوريا ولا للشرق الأوسط! المثال الذي نقدمه يغيــّر المعادلة كلها. من يرغب بأن تكون هناك لغة سريانية رسمية في سوريا؟ السريان هم مكوّن أصيل في نسيج المنطقة. وفي كانتون الجزيرة (منطقة الإدارة الكردية) هم يأخذون حقوقهم؟ أين حقوق السريان في تركيا وإيران؟ لا يوجد شيء. لكن عندما يريد السريان والأكراد والتركمان والعرب العيش معاً مؤمنين بالديموقراطية، فهذا يغيّر المعادلة في الشرق الأوسط كله، لا يبقى حينها مكان للنهب كما الآن. هذا يريد البترول، وهذا مصالح وذاك شركات، وفق توازنات معينة...».

صحيح أن الأكراد يطمحون إلى دولة، أو استقلال أو حكم ذاتي هنا وهناك، وأن الدول التي يوجدون على أراضيها لا تقبل، لكن في الواقع، نشهد تغييرات ديموغرافية خطيرة في المنطقة، ورسم خرائط جديدة وتقاسم نفوذ جديد وجوائز ترضية تقدّم في إطار التحالف المزعوم لمواجهة الإرهاب، وكل ذلك على حساب أمن واستقرار واقتصاد ومقدرات ومستقبل أبنائها الذين باتوا مهجرين مهددين بالحروب المفتوحة ومصادرة ثـرواتهم بعد تغيّر المُصادر! آن الأوان للحلفاء أن يفكروا بما تخطط له أميركا!

(عن صحيفة الاتحاد الإماراتية 11 تشرين الأول/ أكتوبر 2014)
التعليقات (0)