كتب غازي العريضي: زيارة العاهل السعودي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز إلى واشنطن حظيت باهتمام سياسي وإعلامي عالمي.
جاءت بعد فترة من التباينات والتناقضات في المواقف سببها السياسة الأمريكية في المنطقة، والاتفاق النووي مع
إيران الذي ولّد مخاوف كثيرة لدى دول الخليج وخصوصا المملكة العربية
السعودية، لم تبدّدها تأكيدات إعلامية متتالية من المسؤولين الأمريكيين على ثبات العلاقة مع المملكة، وحرص واشنطن على التفاهم مع حلفائها، والسعي إلى تطمينهم على قاعدة الإصرار على منع إيران من امتلاك السلاح النووي.
بعد الزيارة، صدر بيان رسمي تحدث عن عمق العلاقات التاريخية والحرص على تعزيزها وتطويرها في المرحلة المقبلة. أتوقف عند الشق المتعلق بالأزمة السورية. في البيان تأكيد على حل الأزمة سياسيا على أساس (جنيف- 1)، الحفاظ على المؤسسات الأمنية والعسكرية. الحفاظ على وحدة وسلامة الأراضي السورية. بناء دولة مسالمة تعددية ديموقراطية خالية من التمييز والطائفية، أي تحول سياسي يجب أن يتضمن رحيل بشار
الأسد الذي فقد شرعيته.
كل البنود الأولى مستندة إلى البند الأخير. فمع بقاء الأسد لا حل ولا تحوّل. وبالتالي السؤال الذي يطرح نفسه: هل باتت أمريكا مقتنعة بالتحوّل الآن؟ وبالتالي برحيل الأسد الآن؟ كيف؟ لا أشك لحظة في صدقية الموقف السعودي وثباته لناحية رفض أي حل بوجود الأسد. المشكلة في أمريكا التي تتحدث منذ بداية الأزمة عن فقدان الأسد شرعيته وضرورة رحيله، لكنها لم تفعل شيئا لذلك سوى أنها ساهمت بسياساتها بتعزيز ذريعته الدائمة المبررة لكل أعمال النظام وإرهابه ضد الشعب السوري بمواجهة «الإرهاب»، فباتت أمريكا نفسها تعتبر أن الأولوية هي لمكافحة هذا «الإرهاب».
وانكفأت عن دعم المعارضة عندما فرض عليها اللجوء إلى حمل السلاح للدفاع عن نفسها. تارة تحت عنوان الخوف من وقوع سلاحها في أيدي المتطرفين، وطورا في الدعوة إلى أولوية المواجهة مع «الإرهاب» إلى حد الحديث عن ضرورة توجه المعارضة والنظام معا لمواجهته، ثم لاحقا راحت الإدارة الأمريكية تتحدث عن المعارضة المعتدلة وبناء القوة العسكرية لها، التي لم يبق منها إلا 60 عنصرا خطفت «النصرة» منها ثلاثين! وسميت الفرقة الباقية بـ«فرقة الثلاثين» فيما استمر النظام يتلقى الدعم العسكري المباشر من إيران وروسيا بأشكال مختلفة، ومع ذلك فقد سيطرته على كثير من الأراضي.
الكارثة حلت بسوريا وهي إلى تفاقم: لاجئون في كل أنحاء العالم. مئات منهم يموتون غرقا على شواطئ العار، وشهداء أبرياء في الداخل بالأسلحة الكيماوية والبراميل المتفجرة. والنزف مستمر!
كيف يمكن للأسد أن يخرج؟ ثمة احتمالات ثلاثة للتحوّل: أن يتحوّل الأسد نفسه ويتنحىّ وهذا مستحيل. أو تسعى روسيا إلى ذلك. وهذا غير ممكن من دون اتفاق مع أمريكا على قضايا تخصها هي في أوكرانيا وغيرها، ويبدو بعيدا جدا، رغم مناورة بوتين الأخيرة حول استعداد الأسد لتقاسم السلطة مع المعارضة الصحيحة! روسيا تحمي الأسد في مجلس الأمن. تمدّه بالسلاح وإيران تحميه على الأرض!
في الحل السياسي، لا اتفاق بعد، في ظل تشعب المصالح والأهداف وتناقضها، بين الدول الكبرى والدول الإقليمية، خصوصا بين أمريكا وروسيا، إضافة إلى تركيز أمريكا جهدها لفترة طويلة من الوقت على المفاوضات مع إيران حول ملفها النووي، ولم تكن تريد «إزعاجها» بالموضوع السوري! عدم الإسراع في الحل السياسي يعني استمرار الحرب.
في العمل العسكري، لا تبدو أمريكا مستعدة لذلك، فيما تضاعف روسيا حضورها العسكري المباشر ودعمها اللامحدود للأسد ونظامه وكذلك تفعل إيران. فكيف يرحّل الأسد؟ هل يتحقق ذلك على يد فرقة الـ30؟ أم نبقى ننتظر قيام المعارضة المعتدلة لتدعمها الإدارة الأمريكية، ولا يبقى شيء في
سوريا حتى تلك الساعة مع استمرار الحرب؟ لا حل في السياسة، ولا حل بالقوة؟ كيف يخرج الأسد؟ لن يستمر هذا النظام مهما طال الزمن واشتدت المصاعب على الشعب السوري. هي حقيقة تاريخية، ونتيجة موضوعية لمسار الأحداث. لكن كلما طال الوقت، بات الخطر على وحدة وسلامة الأراضي السورية، وعلى تفاقم المذهبية والطائفية وسقوط الدولة ومؤسساتها أكبر!
كل ما جرى حتى الآن كان منسجما مع السياسة الأمريكية ورزنامة إدارة أوباما وبرنامجها ومع المصالح الإسرائيلية، فحيث كان ثمة ضرورة للتشدّد، فعلت أمريكا. وليس فقط بمشاركة روسية، بل بطلب روسي مثل تسليم الأسلحة الكيماوية ونفذت إسرائيل ضربات ميدانية استهدفت مواقع عسكرية ومخازن أسلحة، وغير ذلك.
حتى الآن لا أعتقد أن أمريكا غيّرت سياستها، ولذلك سيكون الصراع أكثر حدة، وسيشهد فصولا جديدة حامية. آخر مظاهرها كان اغتيال الشيخ وحيد البلعوس في جبل العرب، وما تركه من انعكاسات كشفت لعبة النظام وحلفائه!
لإنقاذ سوريا وحماية وحدة وسلامة أراضيها ومؤسساتها ينبغي الإسراع في الحل الذي لا دور للأسد فيه، بسبب أمريكا لا نزال بعيدين عن هذا التوجّه. الشعب السوري لم يقصّر في كفاحه وتضحياته. وكثيرون ما زالوا ولا يزالون صادقين في دعمه، لكن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق إدارة أوباما!
(عن صحيفة الاتحاد الإماراتية 12 أيلول/ سبتمبر 2015)