بدون سابق إنذار، أصبحت مدينة "عين العرب" في شمال سوريا، تتصدر نشرات الأخبار في العالم، يتحدث عنها كبار قادة الغرب، ويسعى "لإنقاذها" من فكي "
تنظيم الدولة" تحالف دولي يضم أكثر من 60 دولة. تجري فيها حالياً حرب طاحنة بين مقاتليها الأكراد الذين يقودهم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي "PYD"، و"داعش" الذي يسيطر على 40% منها، ويسعى لضمها لحكمه.
لكن ما سبب هذا الاهتمام في هذه المدينة الصغيرة، ولماذا تمارس الضغوط الشديدة على الدولة التركية لمنع سقوطها؟
الحلم الكردي.. والموقع الاستراتيجي
يقول الكاتب والمحلل السياسي التركي كمال بياتلي: "تكمن أهمية
كوباني للأكراد في موقعها الجغرافي، حيث تقع في منتصف المناطق الكردية السورية، وتقسمها إلى شطرين، وتعني سيطرة داعش عليها إصابة حلم الأكراد بضربة كبيرة جداً".
ويضيف بياتلي في حديثه لـ"عربي21": "الأكراد يحلمون بإقامة دولة ذات حكم ذاتي، وبالمستقبل منطقة مستقلة تكون جزءا من (كردستان الكبيرة)، التي يُسعى لإقامتها في
تركيا وسوريا والعراق، وإذا أمكن في إيران أيضا".
ويتفق معه الباحث في الشأن التركي سعيد الحاج، حيث يشير إلى أن كوباني "هي إحدى ثلاث مناطق جغرافية اعتمد عليها حزب الاتحاد الكردي (المعادي لتركيا والمتحالف مع نظام الأسد)، لإعلان منطقة حكم ذاتي في كانون ثاني/ يناير المنصرم. بمعنى أن سقوطها بيد تنظيم الدولة سيعني ضعفاً للمشروع الكردي الطموح وتواصلاً جغرافياً للأراضي التي يسيطر عليها التنظيم".
بينما تحتل المدينة لدى "تنظيم الدولة" أهمية جغرافية كبيرة، وبحسب الخبير العسكري فايز الدويري فإن المنطقة "تعتبر نقطة وصل ما بين تل أبيض وجرابلس، وبالتالي السيطرة عليها تؤمن طريقا طويلا على الحدود التركية، وتفتح الطريق الى البلدات الرئيسية في ريف حلب الشمالي".
ويشير الدويري في حديثه لـ"عربي21" إلى أن كوباني "تؤمن مستقبلا الحركة لقوات الدولة بحيث تستطيع أن تعمل إحاطة استراتيجية في أقصى شمال ريف حلب، التي تقودهم إلى إعزاز، ما يعني تطويق مدينة حلب وريفها الشمالي كاملا، ومن ثم الاطباق على منطقة حلب".
أما تركيا، فيرى الحاج في حديثه لـ"عربي21"، أنها لا تريد لمعبر حدودي آخر -بعد معابر كيليس وغازي عنتاب وأكتشا قلعة-أورفا- بينها وبين سوريا أن يقع في يد التنظيم.
التخوف التركي..والهاجس الأمريكي
وتسعى واشنطن قائدة التحالف، التي تتعذر بالدفاع عن الأقليات في دفاعها عن كوباني بحسب الدويري، إلى دفع تركيا لاتخاذ إجراءات أكثر حزما، قد تشمل تدخلا عسكريا محدودا لمنع سقوط المدينة بيد تنظيم الدولة.
"بينما تركيا تتخذ موقفاً متوازنا، تحاول فرض شروط وتحصيل ضمانات قبل اتخاذ قرار بشأن مشاركة عسكرية محتملة في استهداف تنظيم الدولة على حدودها" يقول بياتلي.
ويضيف بياتلي: "لتركيا مطالب وشروط للانضمام للتحالف، ووأوله سقوط النظام الديكتاتوري في سوريا، وإقامة منطقة محظورة للطيران؛ لحماية جميع اللاجئين، ويمكن بعده أن تسيطر المعارضة السورية على هذه المنطقة، وبذلك تكون خطوة على إسقاط النظام، خصوصا بعد قبول تركيا تدريب مقاتلين معتدلين من المعارضة".
من جهته اعتبر الدويري أن إنشاء منطقة عازلة، ودفع القوات الأخرى عن تركيا من الطرف الآخر سواء من تنظيم الدولة أو الجيش السوري أو غيرهم، وإبعاده عن الحدود السياسية، سيصب في مصلحة الأمن القومي التركي.
ويضيف الخبير العسكري: "أي دخول منفرد لتركيا لمواجهة تنظيم الدولة، يعني أنها فتحت على نفسها باب الجحيم، لوجود مئات الخلايا النائمة في المدن التركية والتي قد تصنع بلبلة في الداخل"، منوها إلى أن "هناك حدودا طولها 910 كم، ما بين سوريا وتركيا، معظمها خاضع لسيطرة تنظيم الدولة، وعليه؛ فإن تركيا ستدخل في حرب مفتوحة هي في غنى عنها".
لماذا لا تدعم تركيا القوات الكردية المقاتلة بالسلاح والمتطوعين؟
تعود القوات المدافعة عن كوباني الى الحزب الكردي الديموقراطي الذي يقوده صالح مسلم، وهي تحديدا قوات الـ"BYD" (حزب العمال الكردستاني) و "YPG" (وحدات حماية الشعب الكردية)، والمحسوبة تاريخيا على النظام السوري.
وعليه، يقول الدويري إن أي تدخل تركي لإنقاذ الوضع أو فتح الحدود من أجل دخول مقاتلين أو دخول أسلحة سيقوي من شوكة الأكراد المرتبطين بالنظام السوري، وبحزب الـ"بي كيه كيه"؛ وسيضع أردوغان الذي يهدف إلى إسقاط الأسد في موقف متناقض، فكيف سيتدخل وسيساعد المتحالف مع النظام السوري؟"
من جهته يقول الحاج: "صدرت تصريحات أقطاب مهمة في الحزب الكردي الديموقراطي تنوه إلى أن سقوط كوباني سيعني أن تركيا تدعم تنظيم الدولة وهو ما سيؤدي إلى انهيار محادثات السلام معها. في هذا السياق، يبدو التحفظ التركي متفهماً، إذ تريد للحرب مع التنظيم أن تكون عنصر ضغط على حزب الاتحاد الديمقراطي للعودة عن سياساته الأحادية، سيما وأنها متخففة نوعاً ما من عنصر الضغط الإنساني بعد مغادرة الغالبية العظمى من سكان المدينة لها".
بينما يؤكد كمال بياتلي أنه "لا يمكن لتركيا أن تخضع لشروط منظمة إرهابية (PYD).. كوباني تحت سيطرة الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني، ونفس الأشخاص، يحاربون تركيا الى ما قبل سنتين او ثلاثة، لهذا السبب لا يمكن ان تذعن تركيا لهذه المطالب التي لا علاقة لها بالإنسانية، حيث قتل أكثر من 200 ألف سوري من قبل النظام لم تتحرك هذه القوات للدفاع عن إخوانهم السوريين".
احتمالية سيطرة تنظيم الدولة على كامل كوباني
"كوباني من منظور عسكري ساقطة لا محالة، لكن السؤال متى؟" هذا ما يقوله الدويري، مضيفاً: "تحديد الوقت يعتمد على عاملين رئيسيين؛ الأول: مدى تهديد الاستراتيجية الأمريكية، حتى تقوم بتخصيص جهد جوي أكبر لمنطقة كوباني، أي أن تركز هجماتها على كوباني".
ونوه الدويري إلى أن مجموع الغارات لغاية اليوم العشرين من بدء التحالف القصف، أقل من 400 غارة، منها ما يقارب 100 في سوريا، و270 غارة في العراق، معتبرا أن حجم الغارات لا يمكن أن ينجز مهمة التحالف، ودحر تنظيم الدولة عن كوباني.
أما العامل الثاني، فهو "مدى قدرة القوات الكردية على إدارة معركة دفاعية ناجحة، ما يتطلب وجود قيادة مركزية تسيطر على إدارة الجهد والمعارك، قادرة على ضبط الإيقاع في الميدان".