انتقد النائب الأول لرئيس أول حكومة عينها العسكر بعد الانقلاب سابقا، الدكتور زياد بهاء الدين، قانون الجمعيات الأهلية الجديد، الذي أصدره الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل توجهه إلى نيويورك مؤخرا.
وطالب بهاء الدين بإعادة النظر في القانون، "لأنه يخالف ضوابط وأسس التشريع المصري، ولأنه يجعل مزاولة أي نشاط عام مغامرة تخضع للسلطة التقديرية المطلقة لأجهزة الدولة"، على حد تعبيره.
وفي مقال بجريدة "الشروق"، الثلاثاء، انتقد بهاء الدين تجريم كل ما تعتبره السلطات مصدرا للإزعاج، وفقا لهذا القانون، داعيا إلى استئناف الحوار بشأن مؤسسات المجتمع المدني، وآليات الرقابة المتوازنة عليها، بعيدا عن "قانون الأشياء الأخرى"، على حد وصفه.
وتحت عنوان: "القانون رقم 128 لسنة 2014 .. قانون الأشياء الأخرى"، قال بهاء الدين :"يوم الأحد 21 أيلول/ سبتمبر الماضي، وبينما الرأي العام والإعلام كانا مشغولين بزيارة رئيس الجمهورية إلى الأمم المتحدة، وبدء الحرب على داعش، وتدبير مستلزمات دخول المدارس، صدر القانون رقم (128) لسنة 2014 ليمثل نقطة تحول في علاقة الدولة بالمجتمع المدني، ويعلق سيفا على رقاب ليس فقط العاملين في الجمعيات الأهلية، وإنما كل من له نشاط عام، بما في ذلك الأحزاب والنقابات وأي نشاط أهلي أو اجتماعي".
وأضاف: "هذا وضع لم تعرفه مصر منذ زمن طويل. وبينما لا يوجد خلاف حول ضرورة قيام الدولة بمراقبة التمويل الأجنبي للجمعيات الأهلية والمنظمات المدنية حرصا على الأمن القومي، فإن هناك فارقا كبيرا بين تشريع يحمي البلد من التدخل الأجنبي، وتقييد النشاط السياسي والمدني، وتضييق مساحة العمل العام".
وشدد بهاء الدين على أن ما تحتاجه مصر هو تشريع متوازن يحافظ على الأمن القومي، ولكن يتيح أيضا لمؤسسات المجتمع المدني أن تقوم بدورها في حماية حقوق المواطنين، وتقديم الخدمات التي تعجز الدولة عن توفيرها، والرقابة على الأجهزة التنفيذية.
وقال إن القانون (128) لم يأت من فراغ، بل سبقه بعض المناوشات، إذ نشرت وزارة التضامن الاجتماعي في شهر آب/ أغسطس إعلانا يحذر الشركات التي تزاول أنشطة أهلية من ضرورة التوقف عن ذلك، ومنحتها مهلة 45 يوما لتوفيق أوضاعها، وإلا تعرضت للمساءلة القانونية.
وتابع: "على الرغم من اعتراض العديد من المنظمات على الإعلان لاعتقادها أنه يمهد للتضييق عليها، إلا أن حوارا إيجابيا كان قد بدأ يتبلور بين وزيرة التضامن الاجتماعي وبعض المنظمات في محاولة للتوصل إلى حل متوازن، وكان من نتائجه تأجيل مهلة توفيق الأوضاع إلى 10 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، وتأكيد الوزيرة غادة والي في أكثر من مناسبة أن قانون الجمعيات الأهلية الجديد لن يصدر إلا من برلمان منتخب.
وعبر عن استغرابه لصدور القانون بشكل مفاجئ، قائلا: "فجأة، وبدون مقدمات، صدر القانون (128) ليضع نهاية لهذا الحوار، ويغلق الباب أمام أي احتمال للتوصل إلى حل متوازن"، مشيرا إلى أنه على الرغم من أن القانون لم يتضمن سوى تعديل المادة (78) من قانون العقوبات، إلا أن التوسع الذي جاء به في نطاق الجريمة، وتعريف التمويل، وتشديد العقوبة جعل الموضوع يتحول من الرقابة على التمويل الأجنبي إلى إنشاء وضع قانوني جديد لا يسلم فيه كل من له نشاط عام من الوقوع تحت طائلة قانون غير محدد المعالم".
وأوضح أنه من حيث الشكل، فإن ورود التعديل في قانون العقوبات وليس الجمعيات يعني أن المخاطبين به هم كل من يمارسون أي نشاط من أي نوع، سواء بشكل جمعية أو مؤسسة أو شركة أو نقابة أو حزب سياسي أو اتحاد أو غرفة تجارية أو أي كيان آخر، على حد قوله.
وأضاف: "من حيث مصدر التمويل فإن المادة (78) بعد تعديلها لم تعد تقتصر على التمويل الوارد من الخارج، بل صارت تمتد إلى التمويل من أي شخص طبيعي أو اعتباري، مصري أو أجنبي، دون تحديد لجنسيته أو طبيعته".
وقال: "أما عن الأشكال المختلفة للتمويل، فقد نص القانون على أن تتضمن التمويل النقدي، والدعم المادي، ولكن للأسف إن تعبيرا غريبا تم إقحامه في نهاية هذا التعريف، وهو (وأي أشياء أخرى...)؛ لنجد أنفسنا أمام نص جنائي يجرم الحصول على أشياء غير محددة، ويرتب على ذلك عقوبة تصل إلى الإعدام، متجاهلا مبدأ دقة النص الجنائي، وقطعية دلالته".
وتابع: "ثم نأتي للغرض من التمويل لنجد أنه يتضمن تعبير (الإخلال بالسلم العام) بما يفتح الباب على مصراعيه لتجريم كل ما تعتبره السلطات مصدرا للإزعاج، ولو كان تقريرا عن ارتفاع الأسعار، أو بيانا عن الشغب في الملاعب، أو شكوى من انقطاع الكهرباء، أو أي تعبير آخر عن الرأي يمكن اعتباره تكديرا أو تهديدا للسلم العام".
واستطرد بهاء الدين: "أخيرا: تم تشديد العقوبات المترتبة على الحصول على التمويل أو (أي أشياء أخرى) لتصل إلى الإعدام، على الرغم من أن الجريمة صارت واسعة وفضفافة، ما كان يقتضى المزيد من الحرص في تحديد العقوبة".
وقال: "إن كان ما سبق يدعو لانتقاد القانون (128) من حيث مضمونه، فإن ما يثير المزيد من القلق هو صدوره دون مراعاة لقواعد التشريع المستقرة، وبهذه اللغة الفضفاضة والصياغة الضعيفة؛ ما يشير إلى غياب واضح لآليات المراجعة القانونية المعتادة".
وبينما تشير ديباجة القانون إلى أنه تم عرضه على مجلس الوزراء ومجلس الدولة، "إلا أن معرفتي بأوساط القانون والتشريع في مصر تجعلني أشك في أن يكون هذا القانون قد أخذ حظه من التدقيق والمراجعة في أي من المجلسين أو في وزارة العدل على النحو الكافي، وإلا لما خرج بهذا الشكل المعيب".
واختتم مقاله بالقول: "أرجو أن تعيد الدولة النظر في هذا القانون لأنه يخالف ضوابط وأسس التشريع المصري، ولأنه يجعل مزاولة أي نشاط عام مغامرة تخضع للسلطة التقديرية المطلقة لأجهزة الدولة. وعندئذ قد يمكن استئناف الحوار بشأن مؤسسات المجتمع المدني، وآليات الرقابة المتوازنة عليها، ولكن بعيدا عن قانون الأشياء الأخرى".
يُذكر أن زياد أحمد بهاء الدين اقتصادي وقانوني مصري، ونجل الكاتب الراحل أحمد بهاء الدين، وهو عضو الهيئة العليا للحزب المصري الديموقراطي (أحد أحزاب جبهة الإنقاذ التي ساندت الانقلاب على حكم الرئيس الدكتور محمد مرسي بعد أن تحالف المجلس العسكري معها). وتولى بهاء الدين منصب "نائب رئيس الوزراء المصري للشؤون الاقتصادية وزير التعاون الدولي"، بعد انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013، في عهد الرئيس المؤقت عدلي منصور، وحكومة الدكتور حازم الببلاوي التي عينها العسكر يوم 16 تموز/ يوليو 2013، لكنه ترك المنصب يوم 30 كانون الأول/ ديسمبر 2013، بعد استقالة تقدم بها.