كتب
حسين الرواشدة: أرجو أن لا تأخذنا عارضات الحوادث - على جسامتها، إلى فقدان الأمل بوحدة
الأمة، كما أرجو أن لا ننسحب وراء ما يراد لنا أن نهوي إليه من مهالك التنابذ والفرقة والاحتراب، فلقد انتهينا قبل أيام من موسم الحج الأكبر، حيث تجسدت فيه كل معاني الأخوة والوحدة والانسجام، وحيث برز المسلمون ممثلين لأمة لا فواصل بينها ولا خلافات في الأصول وكثير من الفروع، وهذه وحدة عملية تؤكد مفاهيم الوحدة النظرية التي ندعو اليها ونتمناها باستمرار.
لانريد أن ندعو أبناء واتباع المذاهب الإسلامية على اختلاف تنوعاتها ومشاربها إلى البحث عن القواسم المشتركة - وما أكثرها - ولا نريد أيضا، أن نذكر بفضيلة التقريب وضرورات اللقاء والحوار، ولكننا نتمنى على هؤلاء الحريصين على وحدة أمتنا أن يتنبهوا لمسألتين: إحداهما ما يخطط له العدو المشترك من ضرب لمقومات هذه الأمة، ومن افتئات على مقدساتها ومن محاولات لشرذمتها، والأخرى ما يفعله الأبناء الناجزون والوكلاء المستخدمون من وسائل لتنفيذ هذا الهدف وتحويله إلى واقع ضاغط يدفعنا إلى الانتقام من بعضنا بعضا، والعودة إلى مربع الاحتراب والاقتتال واستعادة التاريخ بكل ما فيه من صراعات وثارات وأمراض طائفية.
لا يجوز أبداً أن “نيأس” أو أن نستسلم لتلك النتيجة البائسة، فلدى أمتنا من عوامل الصمود ما يمكنها
من تجاوز هذه المحنة، وفي مقدمة هذه العوامل “الدين” الذي يشكل باعثها للتحرر والنهضة، وطعم الحرية الذي اكتشفته وجعلها أكثر اصراراً على امتلاكه، والعدو الواحد الذي يجعلها في كل مرة تستدير نحوه وتتوحد على مواجهته.
التحولات التي نتابعها في عالمنا العربي، مهما كانت قسوتها ومفاجآتها وتضحياتها، هي ضريبة ندفعها لمسايرة “عجلة” التاريخ الذي يرفض أن نظل في دائرة “الجمود” والسكون، أو أن نقبل “الموت” مقابل وهم الإحساس بالاستقرار.
نعرف تماما أن ثمة من يعمل جاهدا على توسيع الشرخ بين أبناء أمتنا واتباع مذاهبها، وندرك فداحة الثمن الذي يدفعه البعض والصبر الذي يحتملونه، مقابل ما يفعله الآخرون لدفعهم إلى الخروج عن مواقفهم وثوابت دينهم والانجرار لحروب لا يسلم من نيرانها أحد.. ولكننا نتمنى على نخبنا ومؤسساتنا وعقلائنا أن يتحركوا باتجاه رتق الفتق، ووقف
النزيف، والأخذ على يد المتهورين والطائفيين لإعادتهم إلى الصواب.. ونتمنى على الجميع أن يتذكروا بأن من المخجل والمعيب أن تتحول أمتنا إلى حروب داحس والغبراء، وأن تتهاوى قيم السماحة والعفو منها إلى درك الثأر والانتقام، وأن تنسحب إلى ما يريده لها أعداؤها من تفكك وضياع.. فهل من مجيب؟
ادعوا الله معي أن نصحو على هذا الواقع المؤسف وأن نتجاوز محنتنا ونستعيد عافيتنا .. آمين .. آمين
(الدستور الأردنية)