تلعب الانقسامات العشائرية في
الأنبار، كبرى المحافظات
العراقية مساحة وذات الأغلبية السنية، دورا مهما في إطالة الحرب المشتعلة بين قوات الأمن العراقية من جهة وتنظيم "الدولة الإسلامية" (
داعش) من جهة أخرى.
وتواجه العشائر في الأنبار أزمة أمنية وسياسية تكاد تكون الأصعب، خاصة بعد عملية إزالة خيام الاعتصام التي تبعها اندلاع شرارة المواجهات المسلحة وانهيار الأمن في المحافظة بشكل تام وانتشار مسحلي تنظيم داعش في الشوارع بشكل مفاجئ.
وكان القوات العراقية الحكومية قد أزالت خيام الاعتصام المناهضة للحكومة في المحافظة، بحجة أن تنظيم "داعش" اتخذ تلك الخيام مقرا لعملياته. وبعد ذلك انسحبت هذه القوات من الأنبار ما أدى إلى افساح المجال لتنظيم "الدولة الإسلامية" لاستهداف العديد من المباني الحكومية والمؤسسات الخدمية وقطع الشوارع.
يقول ناشطون من المحافظة لـ"عربي 21": "بعد انتشار عناصر التنظيم في الأنبار بدأت الحكومة المركزية في بغداد تعول على إعادة تفعيل دور العشائر العراقية مجددا وتكرار التجربة الامريكية عام 2007 (
الصحوات)، ونتفيذ العشائر مهام قتالية ضد التنظيم من خلال وقوفها إلى جانب الجيش والشرطة. وللمرة الثانية تنقسم عشائر الأنبار بسبب هذا الموضوع، ما أدى إلى خلط الأوراق وقلب المعادلة رأسا على عقب".
وقال أحد الناشطين: "مع تزايد حدة الانقسام الطائفي في العراق وشعور أبناء تلك العشائر بالتهميش والغبن السياسي المتعمد، بدءا من عدم إشراك ابناء تلك المحافظة في مؤسسات الدولة الأمنية بعد دخول أمريكا للعراق عام 2003، وصولا إلى قانون المساءلة والعدلة السيف المسلط على رقابهم، وموضوع اجتثات البعث وقراراته المجحفه، والزج بآلاف الأبرياء المعتقلين من السنة، خاصة من ابناء المناطق الغربية، في السجون، وغياب المصالحة الوطنية بشكل فاعل.. أدى الى صناعة جيل متطرف لم يعد يفكر في أخذ حقه إلا بقوة بالسلاح، وعبر الانتماء لجماعات مسلحة مختلفة الاجندة، التي سعت الى اختطاف ابناء عشائر المحافظة بالدرجة الاولى، ما جعل بعض العشائر احدى ابرز حواضن النتظيمات المسلحة".
لكن المفاجأة التي لم يكن يتوقعها الكثيرون هي أن عشائر الانبار، من خلال قوات "الصحوة" الجديدة التي تشكلت بعد انهيار الامن في الانبار وبمساعدة الحكومية العراقية غير القادرة على السيطرة على الوضع، وتكرارا لتجربة "الصحوات" عام 2007، وجد أبناء هذه المجموعات أنفسهم في وضع لا يحسدون عليه، وذلك بعد ان تمرد الكثير من ابناء تلك العشائر من خلال الانضمام لتنظيم داعش "مخيرين لا مجبرين".
وأكدت مصادر عشائرية من داخل الانبار لـ"عربي 21"؛ أن العشائر العراقية في المحافظة أصبحت منقسمة على نفسها طمعا بالزعامة، ورغبة كل عشيرة الانفراد بالسيطرة على الانبار وعلى العشائر الباقية من خلال الانفراد بالقوة الامنية، وأخذ المقولات، والرغبة الجامحة لقيادة المحافظة بالقرار منفرده بعيدا عن مشاركة باقي العشائر، وهو ما ادى الى انقسام عشائري استفادت الحكومة منه في مواجهة داعش، وبالمقابل اتاح الفرصة لتنظيم الدولة الاسلامية استغلال ما يحدث من نزاع لضم اعداد كبيرة من المقاتلين إلى وصفوفه الأولى، حيث بزرت أسماؤهم، ومنهم من تمرد على عشيرته، ما ساعد الدولة الاسلامية في الآونة الأخيرة من السيطرة على اهم المناطق العشائرية والمدن في الأنبار.
ومن بين أبرز العشائر المنقسمة بين "الصحوات" وتنظيم "الدولة الإسلامية"، عشائر البوفراج، والبو ذياب، والبونمر، والبو بالي، والبو جابر، والبوفهد، والبو جليب، والبوريشة، والبو عساف، والبوعلوان، والبو علي، والجاسم، والبوبالي، والبوسودة، والبوجابر. وهي عشائر تقطن منطقة الجزيرة مركز الرمادي، أما في
الفلوجة فإن أبزر العشائر هي عشائر البو عيسى، والبوعلوان.
وذكرت مصادر أن بعض هذه العشائر لا تزال تحظى بدعم من جانب الحكومة العراقية، وتلتقي بها سرا بين الحين والآخر، وتأخذ منها الأموال الطائله لشراء الأسلحة الحديثة، ودفع رواتب مقاتليها، وأن بعض هذه العشائر تبيع هذه الأسلحة فيما بعد لتنيظم داعش مقابل مبالغ زهيدة جدا.
وأضافت المصادر أن أغلب أبناء هذه العشائر هم من القيادات الميدانية في تنظيم "الدولة الاسلامية"، وأبرزهم شاكر وهيب وهو من عشيرة البوفهد، وابن عمه الشيخ عبد الكريم الفهدواي أحد قيادي الصحوات، ووليد جاسم العلواني الذي ينتمي للتنظيم.
وفي ظل هذا الانقسام الحاد بين أبناء العشيرة الواحدة، باتت الحكومة العراقية وقواتها المسلحة عاجزة أمام تقدم تنظيم داعش ولم تنجح في بسط سيطرتها على كامل محافظة الإنبار وإعادة الأمن إلى المحافظة، كما حصل قبل سنوات في تجرية الصحوات.
وفي ذات السياق، قال عبد الجبار السعد الفهداوي، وهو أحد شيوخ عشيرة البوفهد، إن السبب الحقيقي لتمدد "داعش" في محافظة الأنبار هو النزاع العشائري المصلحي لكل عشيرة، وعدم التفكير بالمحافظة بشكل جدي، والأهم كم ستحصد كل عشيرة من أموال، وما هو الموقع الذي ستحظى به من خلال السيطرة والانفراد بالزعامة، حسب قوله.
وأضاف الفهدواي: "أعتقد ان الوضع في الأنبار أصبح معقدا جدا، ويوما بعد آخر تصعب الأمور، إذ أن قوات الأمن العراقية تخسر مناطق كثيرة بسبب اعتماد الحكومة المركزية في بغداد على شيوخ وعشائر لا تعرف إلا المال على حساب دماء أبناء الأنبار، مشيرا إلى أن الحل الحقيقي لإنهاء أزمة الأنبار وبقية المحافظات السنية يكون بالإسراع بتشكيل جيش الحرس الوطني من أبناء المحافظة حصرا، لأن دماءنا أصبحت رخصية"، وفق تعبيره.