أجبر
الحصار المفروض على عدد من المناطق السورية العاملين في المجال الطبي من أطباء وممرضين على القيام بعمليات كبيرة وخطيرة، دون مراعاة أبسط الشروط اللازمة لإجراء مثل هذه العمليات، ومن هذه العمليات وأكثرها إيلاماً عمليات بتر أطراف لأطفال أصيبوا جراء القصف العشوائي دون استخدام مواد مخدرة بسبب عدم توفرها.
وقال ناشطون إن العديد من العمليات الجراحية ألغيت، وامتنعت المستشفيات عن استقبال أية حالة ولادة قيصرية بسبب الشح الشديد بالمواد الطبية، وأحيلت جميع العمليات إلى مناطق أخرى تكون بعيدة عن السكن، ولم يعد يستخدم المخدر إلا في حالات خاصة جداً، التي يكون فيها من أساسيات العمل الجراحي.
وذكر أحد الناشطين من داخل الغوطة، فضل عدم ذكر اسمه، لـ"عربي 21" أن "هذه حال الغوطة منذ أكثر من عامين، حيث تعاني شحّا شديدا بكل شيء، بما في ذلك
المواد الطبية. وأمراض كثيرة تنتشر فيها دون تحريك أي ساكن لعدم توافر العقاقير المطلوبة".
وأضاف أنه "في الفترة الأخيرة تفشت أمراض كالحمى التيفية والتهاب الكبد الوبائي، كما جرى الحديث مؤخراً عن عدة إصابات بمرض السل القاتل، وهو ما يشير إلى رداءة الوضع الصحي، إذ دُقت نواقيس الخطر من قبل منظمات أممية بأن النظام الصحي في سورية على وشك الانهيار، حيث أن 60% من المستتشفيات قد دمرت وحوالي 50% من الأطباء هاجروا إلى خارج البلاد".
بدوره، يقول أحمد وهو أحد سكان الغوطة، إنه "تحت القصف قد يختلط صوت امرأة في لحظات ولادتها مع أصوات الانفجارات والصواريخ، فلا تجد من يسعفها، بل لا يعرف المسعف من ينقذ المرأة الحامل أم المهدد بالموت نتيجة إصابته بقذائف الهاون".
وشوهدت بحسب أحمد العديد من هذه الحالات، إذ يتم إسعاف السيدات في جوبر إلى المركز الطبي في الغوطة نتيجة عدم وجود قسم نسائي يشرف على النساء في جوبر، ما يعرض حياتهن إلى الخطر خلال رحلتهن.
وقال أحمد إنه "من أسوأ مظاهر تدهور الوضع الصحي هو إجراء عمليات دون تخدير، وخاصة للأطفال، ومن قبل ممرضين لا أطباء، نتيجة عدم حصول تلك المكاتب الطبية على العدد اللازم من الأطباء"، وذكر أنه قد "تشاهد شخصاً متدربا في الطب يجري عملاً جراحياً لطفل عبر إخراج شظايا من جسده، ولم يقتصر هذا المشهد على منطقة واحدة بل امتد إلى جميع المناطق في سورية".
"محمد صوّان"، طفل من أبناء جوبر يقطن في أحد الأحياء القريبة من أحد أكثر الشوارع استهدافاً من قبل قوات النظام، وقد قتل في هذا الشارع عدد كبير من أبناء الحي وأصيب عدد أكبر. أما محمد فقد أصيب مرتين في ذات الشارع الذي يقصف بشكل يومي بصواريخ الفيل عالية التدمير والتي طمست معالم الشارع تماماً.
كان محمد صوان يتجول بالقرب من الشارع عندما تم استهداف الشارع بصاروخ، وبعد رحلة من البحث وجدوه بين الركام في المنطقة، وقد أصيب إصابات خطيرة جداً في قدميه، فتم إسعافه إلى المركز الطبي وأجري له عمل إسعافي طارئ دون أية مواد مخدرة، سوى ضمّة تشعره ببعض السكينة من قبل أحد أقاربه حتى تخمد آلامه التي طاولت السماء لشدتها، وتشعره بقليل من الدفء تهدّئ جراحه.
وفي ذات السياق، يتحدث "ماهر" الناشط ومسؤول التواصل الإعلامي في المكتب الطبي في
حي جوبر، لـ"عربي 21"، عن شح كبير في المواد الطبية الأساسية المستخدمة في حالات الحرب، وكيف يحاولون تأمين البديل عنها، من ذلك استخدام الأقمشة العادية المصنوعة من القطن بديلاً عن الشاش المعقم، وتمديد البوفيدون بكميات كبيرة من الماء، واستخدام بعض الأدوات الطبية، والتي من المفروض استخدامها لمرة واحدة، لغير مرة بعد تعقيمها.
وأضاف ماهر أنه يتم أيضا إنتاج السيروم الملحي والسكري بطرق بدائية جداً، وهو غير مطابق للمواصفات الصحية، إضافة إلى استخدام اللصاقات العادية بديلاً عن اللصاقات الطبية، عدا عن أدوية التخدير والروس والديكلون وأدوية الالتهاب، "في الوقت الذي يصل إلينا يومياً ما لا يقل عن 20-25 حالة إصابة وبلحظة واحدة، وخاصة بصواريخ الفيل، عدا عن العائلات التي تكون مختبئة في الملاجئ ويعثر عليها تحت الأنقاض، والشيء الوحيد الذي نستطيع فعله هو دفنهم بشكل جماعي".
وينذر ماهر بحصول كارثة إنسانية نتيجة انعدام المواد الطبية الأساسية، نتيجة تقاعس ملحوظ من المنظمات العالمية والعربية والمعارضة في إمداد حي جوبر بكفايته من هذه المواد.