وصف شهود عيون للمعركة، التي وقعت عند نقطة تفتيش
القواديس عند تقاطع الشيخ زويد الشهر الماضي، وقتل فيها 33 جنديا من قوات
الجيش المصري، بأنها كانت بعد عملية انتحارية، خرج مسلحون ملثمون على إثرها على درجات نارية، وبدأوا يطلقون النار بلا رحمة، وقتلوا أي جندي جريح. وكان المنفذ قد قاد شاحنة محملة بالمتفجرات، حيث انفجرت في نقطة التفتيش، وسمع صوت الانفجار على بعد عشرة أميال.
ونقل مراسل صحيفة "الغارديان" باتريك كينغزلي عن مصدر محلي قوله "حاول بعض الجنود الاختباء في البيوت القريبة من نقطة التفتيش، وحمل قروي ثلاثة من الجنود على عربته، ولكن المهاجمين وجدوا الثلاثة وقتلوهم، وأطلقوا النار على القروي وأصابوه بقدمه".
وتصف الصحيفة الهجوم بأنه الأكثر دموية، الذي يتعرض له الجيش المصري في زمن السلم، وفي تاريخه الحديث.
ويقول كينغزلي إنه تبعت الهجوم حالة جنون وطني، واستغلت الحكومة الفرصة لتشديد قبضتها الديكتاتورية، ووضعت قطاعا كبيرا من المؤسسات المدنية تحت سلطة الجيش.
ويضيف الكاتب أنه في جو الحماسة الوطنية، تعهدت الصحافة الخاصة والحكومية بالوقوف مع الدولة، وقام محررو سبع عشرة صحيفة بالتوقيع على بيان مشترك، تعهدوا فيه بتقديم صورة إيجابية عن الجيش والشرطة والنظام القضائي.
وينقل الكاتب عن خالد داوود، وهو ناشط في المعارضة قوله "سيطرت حالة من الهستيريا على النفسية المصرية، وتفوقت على أي مظهر من مظاهر التفكير العقلاني".
ويرى كينغزلي أن الهجوم يكشف عن التمرد المسلح، الذي لا يحظى باهتمام إعلامي، والذي يدور منذ سنوات في زاوية في شمال- شرق صحراء
سيناء، وزادت حدته بعد الانقلاب العسكري، الذي أطاح بالرئيس المنتخب محمد مرسي في تموز/ يوليو 2013.
ويعتقد الكاتب أن من جاء بعد مرسي حاولوا التقليل من أهمية الخطر، الذي يمثله التمرد، أو قاموا بالمبالغة أمام الرأي العام الأجنبي؛ لتبرير القيود التي مارستها مصر على الحريات الديمقراطية، وفي الوقت نفسه أخبروا الشعب المصري أن النزاع هناك تحت السيطرة، وتم القبض على قادته أو قتلهم.
ويجد التقرير أن هجوم تشرين الأول/ أكتوبر جعل من نفي الواقع صعبا. ولكن معرفة الحقيقة تظل صعبة، خاصة أن الصحافيين ممنوعون من دخول "هذه المنطقة المهمشة"، كما تؤشر العملية لواقع لا تزال فيه المجموعات الجهادية مجهولة، ولا يعرف مكان وجودها أو ما هي أرضيتها، خاصة الجماعة التي تعرف باسم "أنصار بيت المقدس"، وعلاقتها مع الجماعات المتشددة في سوريا وغزة، كما ولا يعرف الكثير عن سياسة مكافحة التمرد، التي تقوم بها الدولة والتي تتسم بالشدة.
ويشير الكاتب للطريقة التي ردت فيها الحكومة على الهجوم، فقد كان الرد واضحا، أولا، فرض الرئيس عبد الفتاح السيسي حظر التجول وحالة الطوارئ على المنطقة المتأثرة، ومن ثم أمر بتدمير مئات من البيوت المحاذية لحدود سيناء مع غزة. وكان هذا التحرك الأخير هو الذي أثار غضب نقاد الحكومة. فقد منحت الحكومة سكان 800 بيت في رفح 48 ساعة لمغادرتها، قبل أن يبدأ الجنود بتفجيرها.
ويذهب حلفاء الحكومة إلى أن هناك ارتباطا مباشرا بين المسلحين في سيناء وغزة. ويقول الجنرال المتقاعد سامح سيف، الذي عمل مع السيسي في المخابرات العسكرية، "طبعا لهم علاقات مباشرة مع حماس"، وأضاف "في العملية الأخيرة يوم الجمعة، جاء عدد من ناشطي كتائب القسام عبر الأنفاق، وأسهموا في التخطيط وتنفيذ العملية، والدولة المصرية متأكدة من هذا"، بحسب الصحيفة.
ويستدرك الكاتب بأن المحللين ليسوا متأكدين من هذه العلاقة، فالهجوم على القواديس يعتبر نسبيا عملية سهلة، ولا يحتاج لمساعدة من الخارج، ولكن حلفاء الحكومة وجدوا أنه من المناسب إلقاء اللوم على حركة حماس. فواحد من ناشطي القسام، الذي قالت الصحافة المصرية المذعنة للنظام إنه شارك في الهجوم قتل في الحرب الإسرائيلية على غزة في آب/ أغسطس، أي قبل شهرين من هذه العملية.
ويبين كينغزلي أنه مهما كانت الحقيقة، فالعقاب الجماعي، الذي تقوم به الحكومة ضد المجتمعات الحدودية، يسهم في تغذية التمرد على المدى البعيد، وهذا موقف يؤمن فيه حتى الكثير من مؤيدي الحكومة. ورغم وعود الحكومة بتعويض السكان عن كل متر مربع بـ 160 دولارا تقريبا، إلا أن السكان غاضبون، والمجتمع يغلي من سرعة إجلائهم عن بيوتهم، وتحويل المئات منهم بعيدا عنها؛ للبحث عن مساكن بديلة.
ويؤكد التقرير أن هناك مخاوف من زيادة أعداد المقاتلين في صفوف المتشددين، في حال شعر هؤلاء السكان، وبعد سنوات من إهمال الحكومة لهم، بزيادة مشاعر الحرمان.
وتنقل الصحيفة عن ناشط في رفح، مصطفى سنجر قوله "كل بلد له الحق في حماية حدوده، ولكن إن اتخذت فقط الإجراءات القانونية فستعود وتطاردني، فعلي أولا كسب المواطن، وعلي منحه الحقوق كي يطيع أوامري".
وتعقب "الغارديان" أن التداخل في سيناء بين ما هو "مواطن عادي" و "المتشدد" غير واضح. وبحسب المواد الدعائية لجماعة أنصار بيت المقدس، هناك بعض من أفراد الجماعة ليسوا من المنطقة، ولدى المنظمة خلايا في شمال القاهرة، تم تفكيكها بداية هذا العام، بعد هجمات على مراكز للشرطة في المدينة.
ومع ذلك ينتمي شادي المناعي، أحد رموز المنظمة البارزين، إلى قبيلة معروفة في سيناء. وحتى تستطيع المنظمة العمل في أي جزء من أجزاء المنطقة، أي شمال سيناء، فعليها الحصول على مباركة من أحد شيوخها، وفق التقرير.
ويذكر الكاتب أنه من الأسباب التي تجعل من الصعوبة على الجيش سحق التمرد المسلح ومنع الهجمات، هو أن المسلحين ربما جاؤوا من بين السكان المحليين، ومن ثلاث قرى تبعد عدة أميال عن مدينة رفح، وفق ما ذكر مصدر.
ويفيد كينغزلي أنه على خلاف تنظيم الدولة المعروف بـ "
داعش"، فلا تسيطر منظمة أنصار بيت المقدس على مناطق في سيناء، رغم أنها تقيم بين الفينة والأخرى نقاط تفتيش مؤقتة.
ويشير كينغزلي إلى أن عملية قطع رؤوس عدد من الأشخاص، الذين اتهمتهم المنظمة بالتعامل مع الحكومة، يظهر أن الكثير من السكان المحليين لا يرحبون بوجودها. وفي نفس الوقت تجنب سكان القواديس، الذين جرحوا في أثناء المواجهات بين مقاتلي المنظمة والجيش، تلقي العلاج في المستشفيات؛ خشية اتهامهم بالعمالة للحكومة.
وتورد الصحيفة بأن التكهنات سادت يوم الثلاثاء حول علاقة أنصار بيت المقدس مع "داعش"، بعد بيان انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، وزعم أن الجماعة قدمت البيعة لزعيم "داعش" أبو بكر البغدادي، لكن الجماعة نفت، وقالت إنه عار من الصحة.
وبحسب مصري زعم أنه قاتل في سوريا، قال إن "داعش" قدمت نصائح لأنصار بيت المقدس حول كيفية صناعة المتفجرات وإسقاط الطائرات، وكيفية كسب ثقة الناس، وتنظيم برامج اجتماعية، وفق الصحيفة.
ويختم كينغزلي تقريره بالإشارة لرأي الباحث في شؤون الجماعات الجهادية لصالح مركز التقدم الأميركي مختار عواد، الذي يجد أن "داعش" ليست لديه نية للتحرك نحو مصر في الوقت الحالي. ويقول: "يشعر المقاتلون المصريون في صفوف (داعش) بالفتور تجاه القتال في مصر، ما يرجح أن البلد ليس ناضجا للجهاد"، مضيفا "يبدو أنهم غير واثقين من توفر المصادر الضرورية، وأهم من هذا الحصول على دعم قطاع من السكان للاستثمار في حملة مصرية دون ضمانات".