تسبب تقدم المقاتلين الحوثيين الشيعة في الأراضي التي يسيطر عليها
السنة باليمن، في زيادة الدعم لتنظيم القاعدة بين بعض السنة، الأمر الذي كرس التوتر الطائفي الذي يعمق من الصراعات العديدة الدائرة في البلاد، مما قد تكون له تداعياته خارج حدود
اليمن.
واتسعت هوة الانقسامات القبلية والسياسية في اليمن بسبب سرعة سقوط العاصمة صنعاء في أيدي الحوثيين يوم 21 أيلول/ سبتمبر بعد أسابيع من الاحتجاجات ضد الحكومة وقرارها خفض الدعم على الوقود.
وقال بسام البرق وهو سني يسكن في العاصمة المختلطة طائفيا أثناء مشاركته في احتجاج ينظمه نشطاء محليون كل أسبوع لمطالبة الحوثيين بالرحيل عن العاصمة "التوسع الحوثي خلق مشكلة طائفية".
وتابع قوله "خلق هذا تعاطفا مع القاعدة كما نرى في إب والبيضاء" في إشارة إلى محافظتين بوسط اليمن حيث تحالفت بعض القبائل المحلية مع جماعة أنصار الشريعة الجناح المحلي للقاعدة.
واتفق أحمد الكلز وهو دبلوماسي يمني سابق من محافظة البيضاء مع هذا الرأي قائلا إن توسع الحوثيين في البيضاء خلق بيئة مناسبة للقاعدة، وانتشر العنف الطائفي في أنحاء الشرق الأوسط.
والآن يبدو اليمن الذي ينحدر منه أسامة بن لادن مؤسس تنظيم القاعدة على شفا
حرب أهلية، الأمر الذي قد يؤدي لزعزعة استقرار جيرانه وبينهم السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم.
لكن بينما يبدو أن أزمة اليمن تحمل بصمات حرب بالوكالة بين السعودية وإيران أكبر قوتين في الخليج فإن أسباب هذه الأزمة مشاكل محلية بالأساس.
ولا يزال اليمن يكافح لتوفيق أوضاعه بعد الإطاحة بالرئيس علي عبد الله صالح في 2012 ضمن مبادرة خليجية دعمتها الأمم المتحدة، بهدف منع انزلاق الانتفاضة ضد صالح إلى حرب أهلية.
وتشتبه واشنطن في أن صالح (72 عاما) الذي لا يزال له أنصار داخل القوات المسلحة، هو نفسه أحد العقبات أمام الانتقال السلمي للسلطة.
وقال عبد الباري طاهر وهو مؤرخ ومحلل سياسي يمني، إن اليمن يشهد صراعا عنيفا بشكل غير مسبوق بسبب اضطراب أحوال الدولة وفقدان السلطة والانقسامات في الجيش الأمر الذي جعل الفصائل المسلحة أقوى من الدولة.
ولم يضع الصراع التناغم الديني التقليدي في اليمن على المحك فحسب، بل كذلك الصراع ضد تنظيم القاعدة وهو قوة راسخة في اليمن، لها متعاطفون في دول عربية وأخرى في الخليج.
مخاوف طائفية وآمال انفصالية
يخشى كثير من السنة أن الحوثيين الذي ينتمون إلى المذهب الزيدي الشيعي يريدون إعادة حكم الإمامة الزيدية التي حكمت البلاد لألف عام حتى الانقلاب العسكري عام 1962.
وينفي
الحوثيون المعروفون باسم أنصار الله أن يكون هذا هو هدفهم. لكن السنة يخشون من أن صعودهم قد يؤدي لتفوق خمس سكان اليمن الذين يتبعون المذهب الزيدي على أقرانهم السنة.
ومن بواعث القلق أيضا أن يؤدي الصراع إلى تفكك اليمن كدولة. ودفع تقاعس قوات الدولة عن منع صعود الحوثيين أو التخفيف من حدة التوتر الطائفي الجماعات الانفصالية لمحاولة اغتنام الفرصة لتحقيق أهدافها.
وقال مسؤول حكومي "عندما تشتد الصراعات فإن الهوية الوطنية تبدأ في التفكك ويبدأ الكل في العودة لقبيلته أو الجماعة التي ينتمي لها ثم يصبح من الصعب للغاية إعادة البناء مرة أخرى. انظر كم استغرق لبنان لاستعادة الهوية الوطنية اللبنانية".
والطائفية واضحة للعيان في رداع إحدى مناطق محافظة البيضاء الواقعة على بعد 160 كيلومترا جنوب شرقي صنعاء. وحارب رجال قبائل سنة تنظيم القاعدة قبل عامين لكنهم يتحالفون معه الآن بدافع من التضامن الطائفي.
وشهدت البيضاء الواقعة في معقل السنة باليمن اشتباكات عنيفة بين رجال قبائل سنية قوية متحالفين مع القاعدة من ناحية والحوثيين الذين تقدموا في المنطقة في منتصف تشرين الأول/ أكتوبر من ناحية أخرى بعدما قتل تفجيري 47 شخصا أغلبهم حوثيون في صنعاء.
وحمل العنف نذرا سيئة لليمن، فقد أثبت تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وذراعه في اليمن جماعة أنصار الشريعة أنهما خصمان قويان حيث يستهدفان بانتظام مؤسسات الدولة والجيش والأجانب.
وتشجع متشددون سنة محليون أيضا من مكاسب سريعة حققها تنظيم الدولة الإسلامية في داخل العراق وسوريا. وانشق التنظيم عن القاعدة وأصبح ينافسه الآن على قلوب وعقول الجهاديين في العالم.
وقال زعيم أنصار الله عبد الملك الحوثي إن ضلوع القاعدة دليل على التدخل الأجنبي في اليمن.
وأضاف في كلمة ألقاها الشهر الماضي أن أبناء الطائفة الزيدية وأتباع المذهب الشافعي عاشوا جنبا إلى جنب عبر التاريخ إخوة في الإسلام.
وتابع أن ما يحاول البعض إثارته اليوم يقع أساسا في سياق سياسي مع مرور اليمن بفترة حساسة ومهمة واستثنائية.
وقال سفراء عشر دول غربية وخليجية عربية ضمن هيئة غير رسمية لدفع عملية التحول السياسي في اليمن قدما في بيان مشترك إنهم "قلقون للغاية بشأن القتال بين أنصار الله والقاعدة في شبه الجزيرة العربية مما ينذر بسقوط اليمن في دائرة صراع أكبر".
وقال المؤرخ طاهر إن جزءا كبيرا من المسؤولية عن الأزمة يقع على عاتق اتفاق نقل السلطة الذي أيدته دول خليجية عربية والأمم المتحدة وخرج صالح بموجبه من السلطة عام 2011.
وحال الاتفاق دون اندلاع صراع شامل في اليمن لكنه أبقى على جزء كبير من نظام صالح.
وقال طاهر إن محادثات المصالحة الوطنية التي نظمها الرئيس عبد ربه منصور هادي كانت محاولة لإيجاد مخرج من الأزمة.
وأشار إلى أن الفشل في إعادة هيكلة القوات المسلحة كما ينبغي وإصلاح الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد وكانت النتيجة تنافس القوى التقليدية على نصيبها في الحكومة المستقبلية وتجاهلها للصراع الطائفي الذي يقطع أوصال المجتمع المدني.
ويقول الحوثيون إن سيطرتهم على العاصمة صنعاء انتفاضة على حكومة مركزية أصابها الفساد بالشلل. ويشيرون إلى فشلها في تحسين ظروف المعيشة لليمنيين بعد مرور ثلاث سنوات على الإطاحة بصالح.
لكن سقوط المدينة التي يعيش فيها مليونا شخص دون مقاومة تذكر من جانب الحكومة، أثار التكهنات بأن الحوثيين تلقوا دعما تكتيكيا من صالح الذي ينحدر أصله من قبيلة زيدية، لكنه يتبع المذهب السني ولا يزال له أنصار داخل المؤسسة الأمنية.
ويقول بعض الدبلوماسيين إن صالح عقد تحالفا تكتيكيا مع الحوثيين لإخراج عملية الانتقال عن مسارها وإيذاء خصومه السياسيين.
وطلبت الولايات المتحدة من مجلس الأمن الدولي فرض عقوبات على صالح، واتهمت الرئيس السابق بدعم الحوثيين والمسؤولية عن هجمات سابقة أحدثت فوضى في ربوع اليمن وهو ما ينفيه صالح.
وليست الطائفية هي الخطر الوحيد المتصاعد في اليمن إذ أثار سقوط صنعاء مطالب بالانفصال في الجنوب، حيث يهدف بعض الزعماء إلى إحياء الدولة الاشتراكية التي كانت موجودة قبل أن تتحد مع الشطر الشمالي من البلاد عام 1990.
وهناك مطالب مماثلة في إقليم تهامة الغربي الساحلي حيث يوجد ميناء الحديدة ثاني أكبر موانئ اليمن.