طلقات تحذيرية في الهواء على مدار اليوم، اتصالات مقطوعة معظم الوقت، حظر تجوال لمدة 14 ساعة يوميا، أزمة وقود تفرض انتظارا طويلا أمام محطات البنزين؛ هكذا يدفع سكان العريش ثمن "الحرب على
الإرهاب" في شمال
سيناء.
ووقع أول اعتداء كبير على الجيش في شمال سيناء في عهد الرئيس محمد مرسي عندما قتل مسلحون 16 جنديا في الخامس من آب/ أغسطس.
ولكن السلطات
المصرية أعلنت "حربا على الإرهاب" منذ أكثر من عام عندما تصاعدت الهجمات على الجيش والشرطة موقعة عشرات القتلى في شمال سيناء وهي اعتداءات تبنت معظمها "جماعة أنصار بيت المقدس".
غير أن حالة استنفار قصوى لقوات الجيش أعلنت عقب اعتداء أسفر عن مقتل أكثر من 30 عسكريا في منطقة كرم القواديس في 24 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
ويخيم التوتر والقلق بوضوح على المدينة المطلة على البحر المتوسط التي كانت في ما سبق مصيفا يرتاده سكان القاهرة ويقطنها قرابة 170 ألف نسمة باتوا منذ هذا الهجوم يعيشون في ظل حالة الطوارئ ويلتزمون بحظر للتجوال منذ الخامسة مساء وحتى السابعة صباح اليوم التالي.
ولا يخفي أهالي العريش تململهم من أوضاع معيشية باتت بالغة الصعوبة يضاف إليها شعور دفين تشكل على مدى عقود بالتهميش.
وكان الغضب واضحا في المدينة الأربعاء الفائت غداة اكتشاف سيارة مفخخة وقيام أجهزة الأمن بتفجيرها وسط حي سكني ما أدى إلى إصابة عشرة أشخاص على الأقل إضافة إلى أضرار مادية في المنازل والمحلات المجاورة.
ويتداول سكان المنطقة التي وقعت بها هذه الحادثة رواية واحدة: قام الأهالي بإبلاغ قوات الأمن عن وجود سيارة مريبة مغطاة لا يعرف صاحبها قرابة الساعة الخامسة عصرا وبعدها بأربع ساعات تقريبا قامت الشرطة بتفجيرها.
ومثل كثيرين غيره يتساءل وائل الذي كان يتفقد موقع التفجير وما خلفه من دمار لواجهات المحلات والمنازل في الشارع الرئيسي المحاذي للبحر "لماذا انتظرت قوات الأمن كل هذا الوقت ثم فجرت السيارة في مكانها وسط المنازل والمحلات، لماذا لم تفكك القنبلة أو تنقل السيارة إلى مكان آخر قبل تفجيرها".
وعبر وائل عما يشعر به قسم كبير من سكان العريش بشأن جدوى الوجود الكثيف للجيش والشرطة بقوله "إذا كانوا غير قادرين على حمايتنا، فلماذا جاؤوا؟ ليرحلوا وليتركوا الأهالي يتدبرون أمورهم بأنفسهم".
وبكلمات أكثر حذرا يقول تاجر في العقد السابع من العمر طلب عدم الإفصاح عن هويته " لعلهم ينجحون في الوصول إلى الإرهابيين، لا أعرف كيف يعملون ولكني لا اعتقد أن لديهم معلومات أو مصادر للمعلومات والأهالي يخافون من التعاون معهم خصوصا بعد أن تم قتل عدة أشخاص كانوا يمدون أجهزة الأمن بالمعلومات".
وكان يشير إلى العثور على جثث ثمانية أشخاص "مقطوعي الرأس" في شمال سيناء في آب/ أغسطس الماضي وتبني أنصار بيت المقدس إعدام أربعة منهم.
ويتابع الرجل الذي يحمل وراءه خبرة سنوات طويلة عايش خلالها الاحتلال الإسرائيلي لمدينته ما بين عامي 1967 و1979 "الإسرائيليون عندما يرغبون في تصفية شخص، يستهدفونه في عملية دقيقة تؤدي إلى مقتله وحده من دون أن يمسوا من يجلس بجواره، لماذا لا يستخدم الجيش المصري نفس الأساليب؟".
وللتململ أسباب جلية لا تحتاج إلى عين فاحصة: الاتصالات الهاتفية وشبكات الإنترنت تقطع كلها بشكل عام طوال ساعات النهار من أول ضوء حتى آخر ضوء واحيانا تقطع كذلك في ساعات الليل ما يؤدي ليس فقط إلى صعوبة التواصل الاجتماعي وإنما أساسا إلى تعطل الأعمال في مدينة يعمل قطاع كبير من سكانها في التجارة.
وإذا كان الأهالي اعتادوا على قطع الاتصالات منذ بدء عمليات عسكرية للجيش في شمال سيناء فإن حظر التجوال فرض مزيدا من القيود على أعمالهم وحياتهم اليومية.
وابتداء من الساعة الرابعة أو الرابعة والنصف يهرول الجميع للعودة إلى المنازل قبل سريان الحظر، فالجيش والشرطة لا يمزحان، ويبدآن في إطلاق طلقات تحذيرية في الهواء بمجرد أن تقترب عقارب الساعة من الخامسة مساء.
وواقع الأمر أن سكان العريش يسمعون دوي الطلقات صباحا ومساء. فمصفحات الجيش والشرطة تتجول مسرعة ليل نهار في المدينة التي أغلقت العديد من شوارعها بتحصينات رملية واسلاك شائكة، وخصوصا قرب مراكز الشرطة ونقاط تمركز الجيش.
كما توجد أكمنة ثابته في عدة مناطق ولا يتردد الجنود المتواجدون فيها في إطلاق النار في الهواء إذا حدث أي شيء حتى لو كانت مشاجرة بين راكبي سيارات أدت إلى اختناق مروري لبضع دقائق.
وقرب أحد مراكز الشرطة في ضاحية المدينة وضعت لافتة كبيرة أمام التحصينات التي تغلق الطريق كتب عليها "ممنوع الاقتراب، سيتم إطلاق النيران".
ومنذ عدة أيام، أضيفت مشكلة جديدة لأهالي العريش بسبب نقص وقود السيارات الذي يضطر أصحابها إلى الانتظار في طوابير تصل في بعض الأحيان إلى أربعة كيلومترات أمام محطات البنزين.
وخلال الأسبوعين الأخيرين قامت قوات الأمن باقتلاع أشجار الزيتون من مئات الأفدنة في المزارع الواقعة على جانبي الطريق الدائري للمدينة الذي شهد العديد من الهجمات ضد الجيش.
وقال صاحب إحدى هذه المزارع رافضا ذكر اسمه "اقتلعوا الأشجار لأنهم يعتقدون أن المسلحين يختبئون بها بعد تنفيذ هجماتهم".
ويضيف "انخلع قلبي على هذه الأشجار ولكن عندما أرى الناس تموت على شاشة التلفزيون أقول أن أي شيء يهون طالما أنني وأسرتي بخير".
غير أن القلق والحذر في العريش ليسا حكرا على الأهالي. وبحسب مسؤول في المدينة فإن القيادات الأمنية لا تستطيع التحرك "وأسرتها داخل مكاتبها".