يحاول الأردن، كبح جماح انتشار الفكر المتطرف في مجتمع محافظ صدّر أكثر من 1500 مقاتل إلى سوريا والعراق، حسب إحصائية للمركز الدولي لدراسات التطرف ومقره لندن.
ويرى مراقبون أن الأردن يتعامل مع هذا الملف بخطتين متوازيتين، أولاهما خطة أمنية بحتة تمثلت بالاعتقالات في صفوف أنصار الفكر المتشدد، وصلت مؤخرا إلى أكثر من 50 معتقلا من مدن اعتبرت معقلا لأبناء التيار السلفي الجهادي كمعان (جنوب المملكة)، وإربد (شمال)، والزرقاء (وسط) مسقط رأس أبي مصعب الزرقاوي.
وتمنع السلطات الأردنية المقاتلين الأردنيين في سوريا والعراق من العودة إلى المملكة خصوصا "بعد اكتسابهم الخبرات القتالية اللازمة"، كما يقول مصدر أمني لموقع "عربي21".
على خطٍ موازٍ تقوم السلطات الأردنية بإحكام قبضتها على الخطاب الديني في المساجد بعد سن قانون الوعظ والإرشاد عام 2006.
ومؤخرا اتخذت وزارة الأوقاف قرارا بنشر خطبة جمعة أسبوعيا على موقعها الإلكتروني، قالت إنها استرشادية لمساعدة الخطباء في إعداد خطبة مناسبة.
وتشن الحكومة الأردنية حاليا "هجمة استباقية" ضد الفكر المتطرف من خلال محاورة أصحاب هذا الفكر وتوزيع منشورات على المؤسسات الحكومية والمدارس " لتفنيد" بعض الأفكار المتطرفة، كما يصفها وزير الأوقاف الأردني هايل الداود في حديث لـ"عربي21".
يقول الداود لـ"عربي21" إن الوزارة تعمل ضمن استراتيجية جديدة لمكافحة "الفكر المنحل والمتطرف" من خلال حوار ومناقشة أصحاب هذا الفكر، وعقد محاضرات من قبل علماء ووعاظ تابعين لوزارة الأوقاف لعدد من المعتقلين من أصحاب هذا الفكر في السجون الأردنية.
ويؤكد الوزير أن وزارة الأوقاف الأردنية وبالتعاون مع وزارة الداخلية و إدارة السجون استطاعت ثني العديد من أصحاب هذا الفكر ممن "غرر بهم" وإعادتهم "إلى الطريق الصحيح واستنقاذهم".
ولم يقتصر الأمر على "المتطرفين في السجون"، بل شملت الحملة "الوقائية" إيقاف أكثر من 30 إماما عن الخطابة؛ عدد كبير منهم "كان يروج لفكر متطرف"، وبعضهم خالف قانون الوعظ والإرشاد، كما يقول الداود.
ولا ينكر الوزير وجود دور للأجهزة الأمنية الأردنية في إيقاف بعض الخطباء قائلا "نحن دولة، والأجهزة الأمنية ليست جزءا خارجا عن الدولة، وأحيانا قد تصل شكاوى من خلال أجهزة أمنية ونحقق فيها، فنحن دولة تريد أن تحفظ أمنها وثقافتها ودينها".
إلا أن القيادي في التيار السلفي الجهادي محمد الشلبي الملقب "أبو سياف"، لا يرى في فكر التيار أي "تطرف أو انحلال"، مؤكدا لـ"عربي21" أن "منهج التيار هو من الكتاب والسنة؛ حيث طبق التيار الإسلام بشموليته على عكس بعض التيارات الأخرى".
يقول الداود لـ"عربي21" إن المملكة تضم 7 آلاف مسجد، يعمل فيها 5500 خطيب جمعة، من بينهم 3 آلاف إمام تقريباً يخضعون لقانون الوعظ والإرشاد.
نقابة الائمة تنتقد الأوقاف
الناطق الإعلامي باسم نقابة الأئمة الأردنيين (تحت التأسيس) عوض المعايطة يتهم وزارة الأوقاف بـ"النظر إلى خطبة الجمعة من منظور أمني"، ويضيف أن "الدولة ممثلة وزارة الأوقاف تتبع وسطية ترضي مشاعرها الشخصية، وأصبحت للأسف أداة من أدوات الأجهزة الأمنية".
وتدّعي النقابة (لم تحظ بموافقة رسمية بعد) أن من تم إيقافهم مؤخرا "تطرقوا إلى ما يحدث في المسجد الأقصى من إرهاب إسرائيلي"، ويضيف المعايطة "كيف لنا أن نصمت ونحن نرى الاحتلال والمجازر في دول يباد فيها المسلمون إبادة جماعية ولا نحرك ساكناً، من الخطباء الموقوفين كان سبب إيقافه لمخالفته التعليمات وتجاوز الحدود حسب قانون الوعظ والإرشاد الذي بات سيفا مسلطا على رقاب الخطباء".
وفي ذات الوقت فالنقابة تدين العنف والإرهاب بكافة أشكاله، "إرهاب الأشخاص والجماعات والدول والمتمثل في التحالف الأمريكي الإسرائيلي على المسجد الأقصى"، على حد قول المعايطة.
وتأتي الهجمة الأردنية "المضادة" ضد الفكر المتطرف في الوقت الذي تدخل فيه المملكة في حلف دولي للحرب على
الإرهاب، ويشارك الطيران الأردني في قصف مواقع لتنظيم الدولة الإسلامية، وجبهة النصرة في سوريا.
وخصص العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني مساحة واسعة في خطاب العرش الذي افتتح به الدورة الثانية العادية لمجلس النواب الأردني بالتأكيد على موقف الأردن في الحرب على الإرهاب قائلا إن "الحرب على الإرهاب والتنظيمات الإرهابية هي حرب الأردن كوننا مستهدفون".
الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية حسن أبو هنية يرى أن "التكنيك" الذي تتبعه الجماعات الإسلامية الجهادية بات مختلفا عما كان عليه في السابق، إذ انتقلت هذه الجماعات من المنابر والمساجد إلى شبكات التواصل الاجتماعي في تجنيد المقاتلين خصوصا من فئة الشباب.
وتشير دراسات متخصصة في أسباب نمو الجماعات الجهادية إلى أن ظروفا محلية وإقليمية ودولية ساهمت بتوفير البنية التحتية لنمو التيار الجهادي و"الفكر المتطرف" في الأردن من أبرزها: حرب الخليج وتراجع الأيدلوجيات القومية واليسارية، بالإضافة لعوامل اقتصادية تتمثل بتآكل الطبقة الوسطى والسياسات الحكومية التي تخلت عن دورها.