قال المحلل في صحيفة "فايننشال تايمز" ديفيد غاردنر إن المشكلة الكبرى التي تواجهها
مصر اليوم هي عودة الدولة الأمنية.
وجاء في مقاله "بعد أربعة أعوام من حرق بائع الخضار التونسي محمد بوعزيزي نفسه، الحادث الذي قاد لسلسلة من الثورات ضد أنظمة ديكتاتورية متحجرة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، غاص ما يطلق عليه الربيع العربي في الرمال، باستثناء تونس، ففي مصر تحول ميدان التحرير عام 2011 إلى ميدان للاضطرابات، التي جذبت انتباه العالم، وحدثت ثورة مضادة أعادت النظام القديم".
ويشير غاردنر إلى أن هذا الوضع وصل ذروته الدرامية نهاية الأسبوع الماضي، عندما قامت محكمة في القاهرة برفض كل التهم الموجهة للرئيس المخلوع حسني
مبارك بقتل متظاهرين أثناء ثورة يناير 2011. وفي الوقت نفسه برأت ساحة قادة الأمن والشرطة ممن كانوا يعملون تحت إمرة مبارك من جرائم قتل 900 من المتظاهرين سقطوا أثناء الثورة "وعلى ما يبدو فالدولة العميقة والرأسمالية والمحسوبية التي كانت في المرحلة الثانية من حكمه عادت للعمل من جديد، وبحصانة من العقاب".
ويضيف الكاتب أن "القضية ضد الديكتاتور السابق وأعوانه، التي رفضت بشكل كامل بناء على أوامر من الجيش في محاولة لإخضاع الشعب الذي رفضه، مليئة بالأخطاء. لكن المشكلة الأكبر التي تواجه مصر اليوم هي إعادة بناء الدولة الأمنية، بذراعها القضائي وتسيطر بشكل محكم على الجيش الذي حصن مميزاته ووسع إمبراطوريته الاقتصادية، ونظم هيمنته على البلد من خلال الدستور".
ويجد غاردنر أنه "بعد عام ونصف من الإطاحة بحكومة
الإخوان المسلمين المنتخبة ديمقراطيا، وما أعقب ذلك من انتخاب وزير الدفاع السابق رئيسا هذا العام، فإن التلاعب في حكم القانون ليس العلامة الرئيسية لعودة الدولة الأمنية، بل وقتل أكثر من 1.400 من المتظاهرين، معظمهم من الإسلاميين في الشوارع العام الماضي، كما أن القادة الليبراليين واليساريين الذين قادوا التظاهرات في ميدان التحرير، ومعظمهم تظاهر الصيف الماضي يطالبون الجنرالات للتدخل ضد الحكومة الإسلامية، انضموا إلى الإخوان في أقبية السجون التي فتحها النظام من جديد".
ويرى الكاتب أن الانقلاب أوقف النقاش النقدي والجاد كله في ظل ملاحقات قمعت كل صوت مستقل، وخنقت وسائل الإعلام المعارضة كلها، وصنعت هالة حول شخصية المارشال عبد الفتاح
السيسي، الذي يحاول أتباعه مقارنته بالعملاق المصري الحديث جمال عبدالناصر، مقارنة تجعل الأخير يحمر خجلا".
ويلفت غاردنر إلى أنه بناء على أمر من السيسي صدر في تشرين الأول/ أكتوبر، تحت ذريعة الحرب على الإرهاب، قرار توسيع سلطة المحاكم العسكرية بشكل لم تشهده مصر منذ انقلاب عام 1952.
وتنقل الصحيفة عن سارة لي وينستون من منظمة هيومان رايتس ووتش معلقة على القرار "يعتبر القانون مسمارا آخر في نعش العدالة في مصر"، مضيفة "ما يعني أن الكثير من المدنيين الذين يخرجون للتظاهر سيواجهون قاضيا عسكريا يخضع لأوامر قادته العسكريين".
ويعلق الكاتب على قول السيسي يوم الأحد إن مصر "تتطلع إلى المستقبل ولا يمكن أن تعود أبدا إلى الوراء"، قائلا: "حتى الآن أثبت حكمه أنه أسوأ من حكم مبارك، فمصر تواجه تهديدا إرهابيا من أنصار بيت المقدس، التي تعمل بشكل سري في شبه صحراء سيناء، وتقوم بين فترة وأخرى بتنفيذ عمليات في القاهرة، وأعلنت عن نفسها فرعا من تنظيم الدولة الإسلامية، وأطلقت على سيناء اسم ولاية سيناء، ولهذا السبب يعتقد الكثير من المصريين أن الجنرالات هم وحدهم من يستطيع مواجهة الجهاديين".
ويختم عاردنر مقاله بالقول إن "قرار السيسي تجريم الجماعات الإسلامية المعتدلة والإخوان المسلمين يصب في مصلحة الجهاديين. صحيح أن الإخوان انهاروا بعد عام من الحكم كرسوه للسيطرة على كل شيء، لكنهم فازوا في خمس جولات انتخابية متتالية، والكثير ممن صوتوا لهم سيدعون الآن لخطاب تنظيم الدولة، وهو أن الجهاد هو الطريق الوحيد للتقدم إلى الأمام. ومن عاد للحكم في مصر هم اللاعبون الرئيسيون في الدراما العربية: الرجال الراكبون على الخيول، والذين يواجهون أصحاب العمامات المتحمسين".