تعرف
حلبجة بأنها المدينة التي تعرضت للهجمات الكيماوية أثناء الحرب
العراقية- الإيرانية (1980- 1988)، لكنها اليوم تعد مخزنا للمقاتلين الذين ينضمون إلى صفوف
تنظيم الدولة الإسلامية. وهو أمر غريب في بلدة كردية من المفترض أن ينضم أبناؤها لقوات
البيشمركة.
وجاء في تقرير كتبه مراسل صحيفة "التايمز" أنتوني لويد "لم يكن هناك ما يثير الغرابة، لا أثر للنهاية أو أجندة سرية عندما اختفى نجم كرة قدم معروف في البلدة"، وتتذكر غاردا، والدة اللاعب غوران محمد كازي، آخر ما قاله لها عندما كان يحضر حقيبته في 6 حزيران/ يونيو الماضي، "عندي مباراة يوم غد، ولن أرجع للبيت الليلة".
ويشير التقرير إلى أن كازي يعرف باسم "فالديس" على اسم حارس مرمى فريق برشلونة الإسباني، وهو بطل معروف في بلدته. ورغم نجوميته والمعجبين الكثر به، فقد كان كازي (29 عاما) متواضعا ومجدا في تدريبه في نادي حلبجة لكرة القدم، وقاتل في صفوف البيشمركة سابقا. وقتل شقيقه سوران عام 2003، وهو يقاتل الإسلاميين، فيما يعد والده وعمه من المحاربين القدامى في صفوف البيشمركة.
وتقول الصحيفة إنه منذ حزيران/ يونيو لم ترَ عائلة كازي ابنها حيا، حيث اختفى، ولم تكن هناك مباراة ولا أي شيء. وتقول والدته إنها عثرت في الصباح على مفاتيح سيارته التي وضعها على جهاز التلفزيون، "عندها شعرت بقشعريرة، وحاولت الاتصال به على هاتفه النقال، ولكنه كان مغلقا".
وتضيف الصحيفة أنه في 29 تشرين الأول/ أكتوبر أذيع خبر مقتل كازي في الإعلام الكردي، ونشرت صورة له نقلت عن موقع جهادي، حيث كان جسده ملفوفا بالكفن، فقد قتل نجم كرة القدم في مدينة حلبجة، نتيجة غارة جوية أميركية على بلدة شانغال، شمال العراق، حيث كان يقاتل في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية.
ويبين التقرير أن الأخبار عن انشقاقه وقتاله مع الجهاديين أدت لإثارة دهشة أهل حلبجة، الذين كانوا يشعرون بالغضب؛ نظرا لانضمام 85 من أبنائهم لتنظيم الدولة، حسب تقديرات المخابرات الكردية (أسايش). وما أثار الدهشة هو أن مقاتلي تنظيم الدولة يخوضون معركة ضد قوات البيشمركة على جبهة طولها 650 ميلا، تمتد من الحدود الإيرانية وشمال العراق إلى سوريا. فغالبية سكان حلبجة هم من الموالين للبيشمركة، وقتل ثلاثون من أبنائها في المعارك التي يخوضها المقاتلون الأكراد، منذ أربعة أشهر.
ويقول لويد إن المدينة التي ارتبطت بالهجمات الكيماوية عام 1988 أصبحت في وضع لا تحسد عليه، باعتبارها المصدر الرئيسي للمقاتلين في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية.
وينقل التقرير عن مسؤول بارز في الاستخبارات الكردية قوله "لا يزال عدد المقاتلين الأكراد في صفوف الدولة الإسلامية صغيرا، مقارنة مع الجنسيات الأخرى من الشرق الأوسط وأوروبا"، وقدر عدد الأكراد بحوالي 200 مقاتل، وقال إن مدينة حلبجة قدمت الغالبية العظمى من المقاتلين مع تنظيم الدولة "وهو ما يثير قلقنا".
وتذكر الصحيفة أن المخابرات الكردية "أسايش" تقول إن 85 من مدينة حلبجة انضموا إلى صفوف تنظيم الدولة في الأشهر الـ 18 الماضية، قتل منهم 23 شخصا، وقرر 18 العودة طوعا، وهناك 25 لا يزالون ناشطين في التنظيم.
ويلفت التقرير أن من بين مواطني حلبجة الذين اشتهروا، إكرام خالد أحمد، الذي قاد شاحنة محملة بـ500 كيلو من المتفجرات و"تي إن تي" في عملية انتحارية فاشلة ضد القوات الكردية في بلدة جلولاء. ويقول مسؤول أمني إن خالد أحمد "فقد أعصابه وشعر بالخوف، وفشل في نزع فتيل القنبلة، وهو الآن في السجن".
وتعرض الصحيفة لرأي مصادر عديدة تجد أن سبب انضمام شباب حلبجة لتنظيم الدولة مرتبط بالتهميش الذي تتعرض له البلدة، البالغ عدد سكانها 100.000 نسمة، فنسبة البطالة فيها عالية، إضافة إلى الفساد المستشري، والأجور المتدنية والتطور العمراني في أقل المستويات.
ويوضح الكاتب أن تاريخ المدينة يجعلها عرضة للتطرف، فقد تركت المدينة المعروفة بشعرائها مدمرة بعد الحرب العراقية- الإيرانية. ونتيجة لهذا فقد نشطت فيها الحركات الإسلامية مثل "الحركة الإسلامية في كردستان"، التي بدأت النشاط في التسعينيات من القرن الماضي، ومن ثم "أنصار الإسلام" في عام 2001، التي سيطرت على قرية جبلية قريبة من حلبجة، وظلت فيها حتى بداية الغزو الأميركي للعراق عام 2003.
وينقل التقرير عن مسؤول أمني آخر قوله: "حوالي 80% من الموجة الحالية من الشباب الذين انضموا لتنظيم الدولة هم في سن المراهقة، أو في العشرينيات من عمرهم، ومن لعائلاتهم علاقات مع الإسلام السياسي".
ويضيف المسؤول للصحيفة أن العامل الحاسم هو "الحرب في سوريا، فالكثير من الأئمة بدأوا يعظون في المساجد، ويقولون إن الحرب في سوريا هي حرب الإسلام، وطالبوا بالإطاحة بنظام الأسد، وفي الوقت الذي بدأوا يَعون فيه تداعيات ما قالوه كان متأخرا".
ويقول كامل محمد، إمام جامع النور في حلبجة، إن هناك أثرا في الذاكرة، وهو أن المعاناة الكبرى التي عاناها أهل حلبجة تسبب بها النظام العلماني لصدام حسين"، وكان يفكر في ثلاثة من أبناء المسجد الذين انضموا إلى تنظيم الدولة. ورغم أن الهجمات الكيماوية لم تكن السبب الرئيسي، إلا أنها كانت عاملا، بحسب الصحيفة.
ويخلص لويد إلى أنه مع ذلك فالتاريخ القريب المليء بالمعاناة وتعدد الولاءات السياسية لدى أبناء البلدة، أديا لنوع من التسامح، بل والتعاطف أحيانا مع العائلات التي انضم أبناؤها إلى تنظيم الدولة. فرغم حظر السلطات لجنازات المقاتلين، الذين قتلوا وهم في صفوف تنظيم الدولة، إلا أن بيوت العزاء مسموح بها، والموقف العام هو التعاطف مع عائلات القتلى لا الغضب. إذ تقول غاردا، والدة كازي، "لم يتكلم أحدهم بكلمة سوء ضد عائلتي، فهم حزينون مثلنا، فقد كان كازي ولدا عظيما، وأصبحت حياتنا كلها عزاء".