1-
لشهور طويلة أطلق النظام أذرعه الإعلامية تتهم
قطر بدعم الإرهاب والتسبب في قتل جنودنا وأهلنا في سيناء وبقية المحافظات، وفجأة قرر رأس النظام التصالح مع قطر وتطبيع العلاقات مع الدوحة دون أن يخبر أهالي الشهداء لماذا تصالح دون محاسبة من تسبب في قتل أبنائهم.
المصالحة مع قطر على هذا النحو تعني أننا أمام خيارين، إما أن نظام السيسي خدعنا حين اتهم دولة عربية بدعم الإرهاب والتسبب في إراقة دماء
المصريين، أو أنه فرّط في القصاص ممن أراق هذه الدماء، وفي الحالتين نكون أمام نظام فقد صلاحيته ومبرر وجوده، قال إنه سيحارب الإرهاب فتصالح معه، قال إنه لا يقول إلا صدقًا فكذب.
2-
لا يعرف الإعلاميون المصريون مقدار الجرم الذي يرتكبونه يوميا في حق مهنتهم حين يجعلونها حيوانا أليفا في حظيرة السلطة، اشتم قطر وشعبها وأميرها، يشتم. اتهمها بالقتل ودعم الإرهاب، يتهم. طالب بفرض حصار على الدولة الخليجية، يطالب، حمّلها المسؤولية عن كل فشل يتعرض له النظام، يفعل.. لحظة واحدة لقد تصالحنا، الآن تحدث عن أهمية العمل العربي المشترك، يتحدث. شدد على أهمية هذه المصالحة في خنق
الإخوان، يشدد. تناسى ما قلته سابقًا عن استحالة المصالحة مع هذه الدولة، يتناسى.
ربما يصدقك الناس مرة، ويعذرونك مرة، ويعطونك أكثر من فرصة، لكن بعدما تخسر كل الفرص ويعرفون أن صحيفتك أو جريدتك مجرد فتاة ليل تنام في فراش من يدفع أكثر، لن يصدقوك مجددا، والأزمة أنهم لن يفقدوا الثقة فيك وحدك، لكن في منظومة الإعلام ومهنة الصحافة نفسها، ووقتها ستضطر للبحث عن عمل آخر.
3-
يقولون إن «الجزيرة مباشر مصر» تستحق الغلق لأنها تكذب وتحرض على العنف ولا تقدم إعلاما مهنيا، حسنا، وكم «جزيرة مباشر مصر» على الطرف الآخر تستحق أن تغلق وتقطع أيديها وأرجلها من خلاف؟
يكرهون الجزيرة لأنها غير مهنية، فليتذكروا آخر مرة ظهر فيها معارض في قنوات رجال أعمال مبارك.
يقولون إنها قناة مضللة، وكأنهم لم يروجوا لاختراع الكفتة ولتفويض الدم ولمرشح الضرورة، ولم يخرجوا بعد كل حادث إرهابي لا ليطالبوا بإقالة المسؤول الأمني المقصر، ولكن ليطلبوا مزيدًا من التضييق على الحريات باعتبار البلد في حالة حرب.
نعم كانت تضلل الجزيرة عندما كانت تنقل مظاهرات محدودة لمؤيدي مرسي على أنها ثورة عارمة في كل شوارع مصر، وعندما زعمت أن قوات الأمن تلقي قنابل مسيلة للدموع في مسجد الفتح بينما كان أحد أنصار الإخوان يفتح طفاية حريق بالداخل، لا نبرئ الجزيرة من اتهامات التضليل، لكن تسعة أعشار التضليل في الإعلام المصري.
4-
تعامل عبد الفتاح السيسي مع ملف المصالحة مع قطر بعقلية المشير لا الرئيس، قرر وحده أن يعادي قطر وقرر وحده أن يصالحها، لا حكومة تشاركه القرار ولا قوى سياسية يشاورها في الأمر، ولا شعب يخرج إليه فيشرح له أسباب القطيعة وملابسات الصُلح.
تعامل الرجل كقائد جيش وحده يرى ووحده يعرف ووحده يقرر وعلى جنوده التنفيذ دون نقاش.
5-
قلنا من اليوم الأول لا تبالغوا في تشويه قطر لأن المصالحة آتية عاجلا أو آجلا، فقالوا إنها حرب أبدية لا تراجع فيها ولا هدنة، لكن الهدنة حدثت والمصالحة تمت، والآن نقول مجددا لمن هم في السلطة والإعلام والشارع، لا تبالغوا في كراهية الإخوان وشيطنتهم فالحرب معهم لن تستمر إلى الأبد وسيأتي يوم تضطرون فيه للتهدئة مع من تكرهون، ونقول مجددا للإخوان ومن في معسكرهم، لا تبالغوا في معاداة خصومكم لأنكم ستجلسون حتما على مائدة تفاوض.
لا نخترع العجلة، لكن تجارب السابقين أثبتت أن الحروب لا تنهي الصراعات بين الدول، ومهما طال وقت الاحتكام للسلاح لابد من يوم يجلس فيه الطرفان وجها لوجه ليتنازل أحدهما عن بعض طموحه ويتنازل الآخر عن بعض كبريائه، ما بالك بصراع بين أبناء وطن واحد يتجاورون في السكن ويتقابلون في العمل ويشتركون في الهم.
القطيعة إلى زوال، والمصالحة مع الإخوان آتية، فأعدوا لهذا اليوم عدته.