اعتقلت السلطات
التونسية المدون
ياسين العياري لدى وصوله إلى مطار تونس قرطاج لقضاء عطلة رأس السنة في حادثة تجدد المخاوف من أوضاع الحريات في البلاد، خاصة بعد وصول الباجي قائد السبسي إلى سدة الحكم، وهو الذي كان وزيراً للداخلية في النظام السابق.
وتم اعتقال العياري بناء على مذكرة اعتقال صادرة بحقه من المحكمة العسكرية، بموجب حكم ابتدائي يقضي بسجنه لمدة ثلاث سنوات مع النفاذ العاجل.
وياسين العياري هو أحد المدونين الذين بزغ نجمهم قبل الثورة التونسية عندما شارك في حملة "نهار على عمار" التي هاجمت تضييق نظام بن علي على حرية الدخول على الإنترنت، كما كان ممن رافق عملية الانتقال الديمقراطي، وأطلق عدداً من المبادرات.
وتعود أسباب الحكم الصادر بحقه إلى حملة نقد واسعة شنها العياري على بعض قيادات المؤسسة العسكرية، وطريقة تعاملها مع ملف محاربة الإرهاب. كما صرح بوجود فساد مالي في هذه المؤسسة التي بقيت معفية من متابعة الإعلام لها في مرحلة ما بعد الثورة.
وتسبب اعتقال المدون التونسي العياري بحراك جديد في شبكات التواصل الاجتماعي، حيث أطلق عدد من النشطاء حملات تستنكر هذا الحكم وتعتبره أول محاولات التضييق على حرية إبداء الرأي في منظومة الحكم الجديدة، منظومة 26 أكتوبر 2014، رغم أنها لم تمسك بعد بدواليب الحكم، ومثلت هذه الحادثة فرصة لإعادة إحياء ملف القضاء العسكري، الذي يعتبر كثيرون أنه لم ينشأ ليحاكم المدنيين وبأن المحاكمات العسكرية للمدنيين، خاصة متى كان الخصم والحكم هي المؤسسة العسكرية نفسها، لا يجب أن تتواصل في عهد الجمهورية الثانية.
وقال سمير بن عمر محامي ياسين العياري لوسائل الإعلام إن اعتقال موكله يعود لحكم قضائي غيابي، صدر في حقه يوم 18 تشرين ثاني/ نوفمبر 2014 ويقضي بسجنه لمدة ثلاث سنوات مع النفاذ العاجل، واستغرب عدم توجيه دعوة له لحضور الجلسة، رغم أنه ابن أحد قيادات المؤسسة العسكرية وعنوانه معلوم، كما أضاف بأنه تم تقديم اعتراض على الحكم وبأنه تم إيداع موكله في سجن المرناقية في انتظار مثوله أمام المحكمة العسكرية، في جلسة جديدة بتاريخ 6 كانون ثاني/ يناير 2015.
من جهتها، أوضحت النيابة العسكرية في تونس عبر بلاغ لها يوم الخميس أن الحكم القاضي بسجن المدون ياسين العياري، أتى إثر فتح بحث تحقيقي على خلفية ما نشره المدون من "ثلب عدد من الضباط السامين والإطارات بوزارة الدفاع الوطني وقذفهم علناً، ونسبة أمور غير حقيقية لهم" إضافة إلى "نشر عدد من الإشاعات من شأنها إرباك الوحدات العسكرية والإيهام بوجود مشاكل خطيرة في صلب المؤسسة"، و"اتهام عدد من القيادات بالقيام بتجاوزات مالية وإدارية دون تقديم أية إثباتات على ذلك".
ويأتي اعتقال المدون ياسين العياري بعد تجاوزات تم تسجيلها في منطقة الحامة، منطقة في الجنوب الشرقي التونسي، من طرف أعوان الأمن خلال تعاطيهم مع أحداث شغب شهدتها المدينة احتجاجاً على نتائج الانتخابات، أحداث تم خلالها إيقاف عدد من المحتجين ثم إطلاق سراحهم فيما بعد وقد تعرضوا للتعنيف خلال فترة الإيقاف حسب ما بينته الصور الملتقطة لهم، وهو ما أثار حالة من القلق على مستقبل الحريات في تونس، حسب ما تم رصده من تغريدات على موقع التوصل الاجتماعي "فيسبوك" التي دعت المنظمات الحقوقية إلى اليقظة.
وتجلت حالة القلق بصورة واضحة في بيان النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين الصادر صباح اليوم الجمعة على خلفية اعتداء النائب عن حزب نداء تونس، خميس كسيلة، لفظياً على صحفيي أحد البرامج الحوارية على القناة الوطنية الأولى، وهو يهم بمغادرة البرنامج احتجاجاً على عدم تمكينه من الكلمة، وعبرت النقابة عن استهجانها لهذا الاعتداء المجاني الصادر عن أحد نواب الشعب، الذي طالما ردد أنه يحترم الإعلام والإعلاميين، ويناصر قضايا حرية الصحافة والتعبير، على حد تعبيرها، كما ورد في البيان أن النقابة "تخشى أن تكون هذه الحادثة مؤشراً لسلوك سياسي لدى حزب نداء تونس، الفائز بأغلبية المقاعد في مجلس نواب الشعب. سيما وأن عدداً مهماً من نواب هذا الحزب كانوا مرتبطين بنظام الاستبداد، الذي عمل لعقود على قمع الحريات وفي مقدمتها حرية الصحافة والتعبير".
وحذرت النقابة الحكام الجدد لتونس وخاصة أولئك الذين تربوا على ثقافة الاستبداد من أن التونسيين وفي مقدمتهم الصحفيين، مستعدون لخوض كل المعارك من أجل عدم الرجوع إلى مربع قمع الصحافة، على حد تعبير البيان.
وانتهى البيان إلى دعوة الناشطين والمدافعين عن الحريات إلى اليقظة والاستعداد للدفاع عن حرية الصحافة، وقالت إن هذا هو المكسب الأساسي للثورة.