كتب منار الرشواني: بشأن الموقف الروسي إبان مؤتمر "جنيف2"، الذي عقد مطلع العام الحالي، وانتهى إلى الفشل، تم تقديم تفسيرين رئيسيين.
الأول، دعم نظام بشار
الأسد نحو إفشال المؤتمر، باعتبار ذلك رغبة روسية واعية. فيما تمثل التفسير الثاني في انكشاف حدود قدرة الدولة العظمى على التأثير على هذا النظام لإيجاد صيغة تسوية ما لإيقاف الحرب في
سوريا.
الآن، تبادر
روسيا، منفردة تقريباً، إلى محاولة إيجاد حل ما للأزمة السورية؛ بجمع المعارضة في موسكو بنية توحيد مواقفها، وصولاً إلى لقاء يجمع هذه الأخيرة بالنظام. لكن التطورات، أو التراجعات التي لحقت بالجهود الروسية، تجعل التفسير الثاني السابق، بعجز روسيا إزاء حليفها الأسد، أقرب إلى المنطق.
فرغم الجولات الإقليمية المكثفة للمبعوث الخاص للرئيس الروسي، نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، في المنطقة خلال الفترة الماضية، التي سبقتها دعوات لأطراف من المعارضة والنظام إلى موسكو ضمن ما اعتبر "
مبادرة روسية"، إلا أن بوغدانوف نفسه عاد ليؤكد قبل أيام فقط بأن "موسكو لا تبني توقعات كبيرة" من لقاء/ لقاءات المعارضة والنظام التي "ستحمل طابعاً غير رسمي".
أما المؤشر المادي والأهم على خروج الأمور من يد موسكو، فهو تصاعد العمليات العسكرية للنظام، على شكل مذابح بحق المدنيين أساساً، ضمن علاقة طردية مع تصاعد الجهود الروسية لعقد اجتماعات مفاوضات الحل السياسي.
إذ بافتراض أن روسيا تريد إعادة تأهيل بشار الأسد ذاته، وفق أقصى أمنياتها وطموحها، أو الحفاظ على ما بقي من نظامه كحد أقصى من التنازلات التي يمكن لها تقديمها، وذلك بغية مواجهة الإرهاب، والحفاظ على المصالح الروسية في سورية وغيرها، فإنه يظل شرطاً أساسياً لأي من هذين السيناريوهين خلق بارقة أمل لدى السوريين بتغير ما، يمكن من التوصل إلى حل يوقف سفك الدماء، واقتناعهم بالتالي بالتوحد لأجل وطنهم في مواجهة الإرهاب.
لكن بدلاً من نجاح روسي ولو رمزي، يفترض أن يكون متوقعاً بداهة، في تخفيف معاناة السوريين (بإطلاق سراح بعض رموز المعارضة السورية "الوطنية" بتعريف موسكو والنظام، وإيصال مساعدات طبية وغذائية ولو بالحد الأدنى إلى مناطق محاصرة)، فإن ما يقوم به الأسد فعلياً الآن، وبشكل غير مسبوق ربما، هو دفع مزيد من السوريين نحو التطرف، فكرياً إن لم يكن تنظيمياً.
والحقيقة أن هذا التصعيد الدموي من النظام يُفقد روسيا نهائياً إمكانية إلقاء الملامة في فشل مبادرتها على أي طرف كان؛ معارضة الخارج و/ أو داعميها الإقليميين والدوليين. وبذلك، يتحقق ما حذر منه المعارض السوري لؤي حسين، في مقال له بداية الشهر الحالي (نشر عقب اعتقاله من النظام)، وهو إمكانية خسارة موسكو "كل وجودها في سورية إن فشلت مبادرتها" بسبب تعنت النظام.
فأي قيمة لروسيا في سوريا إن كانت تعجز عن التأثير على الأسد؟
أما مواصلة دعمه عسكرياً، فإنه بقدر ما يبقيه "رئيساً"، بقدر ما يفيد "داعش" وأمثاله، ولتكون النتيجة مدمرة تماماً للمصالح الروسية على المدى المتوسط، إن لم يكن القصير.
(عن صحيفة الغد الأردنية 29 كانون الأول/ ديسمبر 2014)