هل انتهى عمر الولايات المتحدة الأمريكية؟

دائماً ما كنا نتساءل عن شكل النظام الجديد الذي سيسود العالم بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، وكان حينها الغرب ومؤسساته الفكرية ومفكروه وسياسيوه وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية هم أول من انشغل بهذا الشكل الجديد.

 أثناء الحرب الباردة، أدى سقوط النظام ثنائي الأقطاب وتغير موازين القوى الاقتصادية أديا إلى تغيير النظام العالمي بشكل مباشر، وبالتالي تغير سياسات الدول تبعاً لهذا النظام الجديد.

إن وصول الولايات المتحدة الأمريكية إلى حالة عدم استطاعتها على حل المشاكل وحدها، واتفاقها مع الاتحاد الأوروبي لمحاصرة روسيا يظهران لنا أن العالم وصل إلى مرحلة مختلفة تماماً عما كان في السابق، ويعكس إشكالية حقيقية.

 لم تعد أمريكا هي البلد الوحيد الذي يستطيع التحكم بالعالم. والاتحاد الأوروبي أيضا يعاني من نفس المشكلة.. مع الأسف هذا الاتحاد الذي يرفع شعار الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان ضرب بهذه القيم عرض الحائط، من خلال سكوته عن المجازر التي تحصل في مصر وسوريا.

 يشير هذا الوضع الحالي إلى أن كلاً من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي قد أتمّا أعمارهما، وأن مركز القوة سينتقل من الغرب إلى الشرق، وهذا ما يقوله العديد من المفكرين والسياسيين. 

 إن الحفاظ على الوضع الراهن في الشرق الأوسط ومحاولة تضييق الخناق على روسيا يطيل من أعمارهم ليس إلا. و"هنري كيسنجر" نفسه (أحد كبار السياسيين ووزير الخارجية الأمريكية السابق) يتبنى هذه الحقيقة؛ إذ يشير "كيسنجر" إلى حقائق مهمة جداً في كتابه "الدبلوماسي"، ويتطرق إلى انتقال الدول من نظام الإمبراطورية إلى الدولة القومية الحديثة، وإلى أن الدولة الأكثر فعالية في العالم تتغير كل مئة سنة تقريباً، ففي القرن السابع عشر كانت فرنسا، وفي القرن الثامن عشر كانت بريطانيا الكبرى.

 يشير "كيسنجر" إلى أن القوة الاقتصادية التي تمتعت بها أمريكا هي التي جعلتها اللاعب الأقوى في السياسة الدولية عام 1917 فـ"بعد الحرب العالمية الأولى لم تستطع أوروبا أن تعود إلى قيادة العالم مرة أخرى، عندما دخلت الولايات المتحدة الأمريكية إلى ساحة السياسة الدولية، كانت ما تزال حديثة عهد وتتمتع بالقوة وبسياسة خارجية مقنعة بالنسبة للعالم، ففي عام 1945 كانت نسبة 35% من الناتج الاقتصادي العالمي يعود للولايات المتحدة الأمريكية، وبهذه القوة استطاعت أن تنتصر في الحرب الباردة دون خوض أي معركة".

 يقارن "كيسنجر" الولايات المتحدة الأمريكية أثناء الحرب الباردة مع الدول الأخرى فيقول: "كان اقتصاد الاتحاد السوفياتي السابق هشّاً، في حين أن قوته العسكرية كان رهيبة. أما قوة اليابان الاقتصادية فكانت رهيبة، لكن قوتها العسكرية كانت بالكاد تذكر!".

استمر هذا الوضع حتى انهيار الاتحاد السوفياتي في عام 1991. بالنسبة لـ"كيسنجر" كان ذلك التاريخ قريباً من تاريخ انتهاء زعامة أمريكا على العالم، فقد أصبحت أمريكا تجد صعوبة في التماشي مع النظام العالمي الجديد، إذ "إن الأمر الجديد الذي نشاهده في النظام العالمي هو أن الولايات المتحدة الأمريكية، وللمرة الأولى لا تستطيع حكم العالم!.. وفي نفس الوقت لا تستطيع الانسحاب من الواجهة تماماً!.. سوف تتقلص القوة العسكرية الأمريكية مع مرور الزمن. كما أن عدم وجود عدو محدد ومعروف بالإضافة إلى توجه الموارد إلى مجالات أخرى سيؤديان إلى ظهور الضغوط الداخلية، وهذا ما بدأنا نراه بالفعل من الآن".

 وهذا لأن تحالفات جديدة بدأت تظهر على السطح، وهناك الكثير من الدول التي تطمع في لقب "دولة كبرى" في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية؛ هناك الصين، واليابان، وروسيا، والهند والكثير من الدول متوسطة الحجم، ومن هذه الدول أيضاً وبدون أي شك توجد تركيا.. وقد ظهر هذا التوجه بشكل صريح في الانتخابات الرئاسية السابقة عندما خرج "أردوغان" بشعار "العالم أكبر من خمسة!"، مستنداً إلى رغبة داخلية في مواجهة محور الغرب، وما هذه الآلام التي نعيشها اليوم إلا آلام المخاض لولادة نظام عالمي جديد.

عن صحيفة صباح التركية