هل أصبحت الشابة الأسكتلندية المسلمة أقصى محمود هي المسؤولة عن تجنيد
الفتيات المسلمات من
أوروبا؟ سؤال يطرحه المسؤولون عن مكافحة
الإرهاب في بريطانيا وأوروبا، وأصبح أكثر إلحاحا بعد هرب ثلاث فتيات مسلمات من شرق لندن، وهن: شميما بيغوم (16 عاما)، وكديزا سلطانة (15 عاما)، وأميرة عباسي (15 عاما).
وجاء في تقرير لموقع "سي إن إن" عن الدور الذي تؤديه أقصى، أنه: "في تشرين الثاني/ نوفمبر2013، ودعت الشابة أقصى محمود والدها واحتضنته، وقالت له (خودا حافظ: الله يحميك)، وتركت الحي الراقي الذي تعيش فيه الفتاة (19 عاما) في مدينة غلاسكو، ومضت نحو هدف جديد وهو الجهاد. وبعد أربعة أيام من اختفائها اتصلت أقصى مع والديها وهي تعبر الحدود التركية مع سوريا، حيث مضت إلى مناطق
تنظيم الدولة".
ويضيف الموقع أن أقصى أصبحت منذ سفرها إلى سوريا من الرموز التي تظهر عادة في إعلام وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تدعو إلى تنفيذ هجمات ضد الغرب. ووضعت صور لها على الإنترنت وهي تحمل بندقية "إي كي-47"، وصور إعدامات نفذها مقاتلو التنظيم.
ويشير التقرير إلى أن المحققين يرون أنها وراء هرب الشابات الثلاث. فبعد رحيلها إلى سوريا كان المحققون يتابعون ما كتبته على مدونتها، من حيث إنها تظهر حماسة لقضية تنظيم الدولة، وإن بعض ما كتب عليها يظهر صورة عن كتابات المراهقات في سنها. وفي واحدة من يومياتها التي كتبتها على مدونتها على "تامبلر" سخرت من فكرة قيام السلطات البريطانية بسحب الجوازات ممن يحاولون السفر إلى سوريا، وتعلق على هذا الأمر: "والله العظيم هذه نكتة كبيرة".
ويبين الموقع أن عائلتها شعرت بالدهشة من التحول الذي أصاب ابنتهم، التي كانت تحلم بدراسة الطب، ولهذا أعلن والداها، في بيان أصدراه الأسبوع الماضي، تبرؤهما منها. وجاء فيه: "أنت عار على عائلتك وعلى أهل أسكتلندا.. وأفعالك منحرفة وشر يشوه الإسلام".
وتقول عائلتها: "أنت تقتلين عائلتك كل يوم بأفعالك.. ونرجوك أن تتوقفي إن كنت تحبين أهلك".
ويستدرك التقرير بأن أهلها لا يلومونها فقط، بل يلومون السلطات التي تراقبها منذ أشهر، قبل أن تقرر السفر إلى مناطق تنظيم الدولة. وتطالب العائلة السلطات الأمنية بمعلومات توضح ما إذا كانت قد قامت بالجهد اللازم لمنع الفتيات الثلاث من السفر، بعد الكشف عن اتصال إحداهن بـ أقصى عبر الإنترنت.
ويفيد الموقع بأنه لا يعرف السبب الذي دفع أقصى للاهتمام بتنظيم الدولة، ويرجح التقرير أن ذلك يعود إلى مشاهدتها لأفلام التنظيم وأحاديثها مع أشخاص منهم عبر الإنترنت.
وتنقل محطة "سي إن إن" عن مسؤولين أمنيين قولهم إن تنظيم الدولة يقوم أكثر من أي تنظيم آخر بتجنيد وجذب الفتيات عبر الإنترنت، ويقوم بإغرائهن بمغريات عديدة، ويقدم صورة زائفة عن الحياة في سوريا، كما يقول مدير قسم مكافحة الإرهاب في مكتب التحقيقات الفيدرالي "إف بي آي"، مايكل ستينباك. ويقول: "لقد شاهدنا كل شيء من مقاتلات جاهزات للقتال، يذهبن لدعم المقاتلين والزواج بهم".
وأضاف ستينباك أن التنظيم يقوم بحملة محمومة لتجنيد الشبان؛ ففي الولايات المتحدة، حاول تجنيد خمسة شبان ممن هم في سن أقل من 15 عاما. وعبر عن قلقه من سهولة السفر إلى سوريا عبر تركيا، مشيرا إلى صعوبة ملاحقة كل أمريكي يسافر إلى الخارج وتتبع خطواته، ومعرفة ما إذا كان يخطط للانضمام لتنظيم الدولة أم لا. وعادة لا تلاحق مؤسسات الأمن الشبان الأمريكيين الذين يسافرون إلى أوروبا في إجازات. ويقول ستينباك: "عندما تصل إلى أوروبا فإن من السهل السفر إلى تركيا ومنها إلى سوريا"، بحسب الموقع.
ويشير التقرير إلى أن كاميرات مطار غاتيويك التقطت الأسبوع الماضي صور ثلاث فتيات عاديات في طريقهن إلى الطائرة. وأخبرت أميرة عباسي والدها بأنها ذاهبة إلى حفلة زفاف، وحاولت عائلات الثلاث دعوتهن إلى العودة. وقالت عائلة شميما إن ابنتها عبرت عن رغبة في مساعدة السوريين.
وينقل الموقع عن المحامي عامر أنور، قوله إن عائلات الفتيات الثلاث تعتقد بأن أقصى محمود اتصلت بالفتيات عبر "تويتر". وقال مدير قسم مكافحة الإرهاب في الشرطة البريطانية، ريتشارد والتون، إن هناك عملية مكافحة إرهاب جارية "ولكننا قلقون حول مصير البنات الثلاث". وأشار إلى إمكانية وقفهن قبل دخولهن إلى سوريا.
وتقول عائلة أقصى ومحاميها أنور، إن "مدونة تامبلر"، التي تعود لأقصى، تقدم معلومات للراغبات بالانضمام إلى التنظيم وكيفية السفر. وتظهر المدونة، التي تعود لربيع عام 2013، أي قبل سفر أقصى، عددا من الصور، منها صور ساخرة من رئيس النظام السوري بشار الأسد، وصور لأطفال جرحى وصور مقاتلين إسلاميين.
وتكتب أقصى في واحدة من اليوميات: "هناك مفهوم خاطئ، وهو أن الفقراء والمهمشين هم الذين ينضمون إلى تنظيم الدولة". وفي 11 أيلول/ سبتمبر 2014، كتبت في مدونتها "يوميات مهاجرة": "زعم الإعلام أن من ينضم إلى الجهاد هم غير الناجحين وممن لا مستقبل لهم ومن عائلات محطمة، ولكن هذا الكلام عار عن الصحة".
وتقول أقصى: "معظم الأخوات اللاتي قابلتهن درسن في الجامعات، وممن كان أمامهن مستقبل واعد، ومن عائلات غنية وسعيدة". وتضيف: "لو بقينا في بيوتنا لعشنا حياة مريحة ولكان معنا أموال كثيرة".
ويرى التقرير أن كلام أقصى يعكس تربيتها، ففي السبعينيات من القرن الماضي، انتقل والدها من باكستان وأصبح أول لاعب كريكيت في الفريق الأسكتلندي، واشترى مع زوجته خالدة بيتا في حي راق، وأرسل أبناءه الأربعة إلى مدرسة خاصة. وقرأت أقصى روايات "هاري بوتر" واستمعت للموسيقى وقرأت سلسلة روايات "لعبة الجوع"، كما يقول والداها.
وينقل الموقع عن والدها قوله: "كانت أفضل بنت يمكن لوالد أن يحظى بها، لا نعرف ماذا حدث لها، فقد أحبت مدرستها، وكانت لطيفة، ولم أصرخ عليها ولا مرة طوال حياتي. ولم يكن لديها أية أفكار متطرفة. ولكن عندما اندلعت الحرب في سوريا، أصبحت أقصى قلقة من العنف وبدأت بالصلاة وقراءة القرآن، وعندما ذهبت إلى الكلية توقفت عن الاستماع للموسيقى وقراءة روايات الشبان، ولم يكن في تصرفاتها ما يثير القلق، فقد ظلت ترافق العائلة في الخروج وتناول الطعام ومشاهدة أفلام السينما". وتقول والدتها خالدة إن ابنتها كانت تخاف من السفر بالطائرة. ولهذا فقد أقلقتها فكرة سفر ابنتها وانضمامها لتنظيم وحشي.
ويلفت التقرير إلى أن مدونتها تظهر تعاطفا مع تنظيم الدولة، حيث تقول إنه يبحث عن الغنيمة. ويتلقى من يقدم الولاء للتنظيم هدية من الله، تقدمها الخلافة، بيت فيه ماء وكهرباء. وتعلق: "فكرة جيدة"، وتقول: "يجب على الأتباع تحضير أنفسهم لثواب الآخرة وهو أكبر".
ويستدرك الموقع بأن أقصى تكتب عن قرارها الصعب ترك عائلتها، وتقول: "العائلة التي تحصل عليها مقابل تركك العائلة القريبة تماما هي مثل اللؤلؤة والقشرة التي ترميها في رغوة البحر". وتصف أول مكالمة بعد اجتياز الحدود بأنها تكون أصعب واحدة، وتقول: "فوالداك قلقان عليك ويتساءلان أين ذهبت، وعندما تسمعين صوت البكاء عبر الهاتف وهما يدعوانك إلى العودة، يكون ذلك صعبا عليك". وتستدرك أقصى: "لكن طالما كنت ثابتة وتعرفين أن هذا في سبيل الله، عندها لا شيء يهزك إن شاء الله". وتضيف أن "الآباء ممن لديهم تعليم متدنٍ لن يستطيعوا فهم السبب الذي يجعل أبناءهم وبناتهم يتركون وراءهم حياة مريحة وتعليما ومستقبلا باهرا ويذهبون للعيش في بلد مزقته الحرب".
وتكتب قائلة إنهم -أي الآباء- "سيلومون أنفسهم، ويشعرون أنهم فعلوا أمرا ما. ولكن حين يفهمون في أعماق قلوبهم أنك فعلت هذا في سبيل الله فسيعيشون على أمل عودتك".
وتواصل قائلة: "يفترض الآباء أن أبناءهم يعيشون مرحلة في حياتهم". وتوضح أنها تعرف أشخاصا عاشوا هناك لعامين، و"لا يزال آباؤهم يحاولون إقناعهم بالعودة والعيش في حياة مزيفة".
وتقول إن بعض الأمهات عبرن عن غضبهن لانضمام بناتهن إلى تنظيم الدولة، ولكنهن يخططن لزيارتهن في سوريا "هذا البلد الجميل".
ويورد التقرير أن أقصى كتبت لوالدتها في أيار/ مايو 2014، تبدأ بـ"الشعور بعدم الامتنان لك يا أمي"، تقول فيها: "أكتب إليك هذا الكلام ليس لأنه عيد الأم أو كما يطلقون عليه، ولكن أكتب هذا لأنني أفتقدك، وأكتب هذا لتذكير الجميع بقيمة الأم؛ لأنه عندما تفتقد أمك لا شيء له قيمة. وفي الوقت الذي تستطيع كل واحدة منكن رؤية أمها وهي تبتسم أنا لا أستطيع، وفي الوقت الذي تستطيع فيه كل واحدة منكن وضع يدها على كتف أمها، أنا لا أستطيع".
ويذكر الموقع أن والدي أقصى يشعران بالغضب تجاه الأمن البريطاني، لأنه، بحسب محاميهم أنور، يعرف أخبار ابنتهما من الإعلام لا من الشرطة. وقال الوالد إنه يشعر بالصدمة لأن الفتيات الثلاث لم توضع أسماؤهن على قائمة الأسماء المراقبة لمن يشتبه بتورطهم بالإرهاب، رغم أن بعضهن تواصلن مع أقصى.
ويختم الموقع تقريره بالإشارة إلى أنه رغم غضب والدي أقصى، إلا أنهما طلبا منها العودة. وقالت أمها: "أقصى، حبيبتي، تعالي، في هذه اللحظة أفتقدك، وكذلك إخوانك وأخواتك.. ابنتي العزيزة، أستحلفك بالله ارجعي...".