آية الله العظمى "عبد الفتاح السيسي"!

الذين عاشوا في مصر، يعرفون هذه الشخصية جيداً، ومن المؤكد أن كلا منهم قد تعرف عليها عن قرب في دائرة معارفه، فإذا كان قد ورد في الأثر: "يخلق من الشبه أربعين"، فهذا الشخص يوجد منه أربعون ألفاً، وهو الذي يهدد من حوله عند أي أزمة يتعرض لها بالقول: "امنعوني وإلا قتلت نفسي". وكذلك عبد الفتاح السيسي!.

كنت أعرف واحداً ينتمي لهذه الفصيلة البشرية، ولأني كنت قد رشحته لرئيس أحد الأحزاب ليتولى رئاسة تحرير صحيفة حزبه، فقد كانا عند أول أزمة بينهما يطلب كل منهما مني التدخل، باعتباري قد بلوته بالآخر، مع علمي أن كلا منهما استفاد من الآخر تماماً. وكان رئيس التحرير في كل أزمة يطلب مني التدخل حتى لا يقتله، يقصد صاحب العمل، وهو تطور جديد في الشخصية سالفة الذكر، فتهديده أنه لن يلحق فقط الضرر بنفسه، ولكن أنه سيلحقه بالآخر!.

ولأنه يستهويني القيام بدور "العمدة" في آخر النهار، فقد كنت أتدخل وأصلح ذات البين، وذات يوم تعرضت للابتزاز، بأنني إن لم أمنعه فسوف يقتله. وكان قد فاض بي فقلت بكل جدية: اقتله. فنظر في وجهي وانصرف. ولم يقتله بالطبع!.

السيسي، ومع توقف "رز الخليج"، في طريقه للانتحار، ربما جاداً، وربما على طريقة سالف الذكر: "امنعوني وإلا قتلت نفسي". فهو يفكر في أن يولي وجهه شطر إيران. ففي السعودية مؤخراً، قيل له والقوم جاءهم ما يشغلهم، إن عليه أن يحل مشكلته مع الإخوان، وهو إن فعل هذا سيكون في حكم الإمام الخميني عندما قبل مضطراً وقف إطلاق النار في الحرب العراقية الإيرانية، وقال مقولته الشهيرة: إنني أتجرع السم!.

هذا ناهيك عن أن الإخوان أنفسهم لن يوافقوا على مصالحة، لا تحقق عزل السيسي، وعودة الجيش إلى ثكناته، غير مستأنس لحديث!.

وفي السعودية، وفي مواجهة سعيه لفتح المجال أمام مساعدات جديدة، بالتلميح إلى أن التسريبات مزورة، وهي التي ورد فيها الحديث عن "الرز" ووصف دول الخليج بأنها "أنصاف دول"، تم قطع الطريق عليه، بأن عليه أن ينسى مرحلة خالد التويجري، وأنهم لن يكونوا مثل أخيهم، لكنهم ومع ذلك ملتزمون بأي عقد مكتوب بينه وبينه. وبطبيعة الحال لا توجد عقود؛ فلا أحد يتسول بموجب عقد موقع عليه من اثنين من الشهود، ومسجل في الشهر العقاري!.

ولأن السيسي له سوابق في التعامل مع حالة عدم الحماس الأمريكي بالتقرب إلى بوتين، وقد فعلها مرتين، فإنه إزاء الفتور السعودي، صرفت أبصار أهل الانقلاب تلقاء إيران!.

وتجلى هذا في استقبال القاهرة لوفد الحوثيين، مع خلاف في التفاصيل، فبينما يعلن رئيس الوفد أن وزارة الخارجية المصرية استقبلتهم لإجراء مباحثات، نفت الوزارة ذلك، ولا يوجد عندي ما يدفع الوفد للكذب، لكنه يوجد ما يدفع الخارجية للنفى، وهذا ليس بيت القصيد!.

فبيت القصيد، أن وفداً من الحوثيين زار القاهرة، في وقت مشحون، فالقادة السعوديون الجدد يستشعرون خطراً على الأمن القومي للمنطقة من سيطرتهم على اليمن، وقادوا دول الخليج في اتجاه المواجهة وإعلان الانحياز للسلطة هناك!

ومطار القاهرة، هو الذي منع بعض المعارضين المصريين من السفر، بقرار أمني، كما أنه منع شخصيات غربية من الدخول. وعندما يتاح لوفد الحوثيين دخول البلاد، فإن هذا في حد ذاته يمثل موافقة من أعلى سلطة في الانقلاب، هذا فضلاً عن أن الوفد الحوثي قد جاء للقاهرة بتأشيرة دخول، من المؤكد أن السفارة المصرية في اليمن قد منحتها له، بعد مراجعة وزارة الخارجية والأجهزة الأمنية في القاهرة كما هي العادة. ولم يكن طلب التأشيرة، هو لأن الوفد في زيارة سياحية ليتفقد معالم القاهرة، ويقضي يوماً في الأهرامات، وليلة على مقهى "الفيشاوي"!.

هذا فضلاً عن أن الإعلام بدأ يضبط نغمته على الإيقاع الشيعي، فالهجوم على أشده على البخاري وصلاح الدين الأيوبي، بدون مناسبة، إلا أن تكون مناسبته هو التوجه الجديد للسيسي!.

وبدون مناسبة أيضاً أطل علينا أحد الإعلاميين، المقربين جداً من عبد الفتاح السيسي، موجهاً حديثه للقادة السعوديين بأنهم في مصر لن يقبلوا الوصاية، وعلى المشاهد ألا يفاجأ إذا وجد علاقات قوية مع إيران، التي نفى عنها المذيع تهمة نشر الفكر الشيعي، وهذا يخالف كلاماً قديماً قاله عندما كان هناك توجه في عهد الرئيس محمد مرسي لإقامة علاقة مع طهران!.

لا تثريب على الفتى إن قال الكلام ونقيضه، فقد أثبتت التسريبات أن هؤلاء الإعلاميين ليسوا أكثر من أذرع إعلامية للسيسي، وأنهم "صبيان" يديرهم عباس كامل سكرتيره الخاص، عندما يشار إليهم بـ "الواد"، و"البت"، و"العيال"!.

ومما قاله "الواد" أن حزب الله حزب معتدل. وهذا يختلف مع سياق الاتهامات في قضية فتح السجون المتهم فيها الرئيس محمد مرسي وآخرين من قيادات جماعة الإخوان، والمحاكمة فيها مستمرة، والاتهام منذ البداية بأن عناصر من حزب الله وحركة حماس قاموا بفتح السجون!.

الآن اختفت عناصر حزب الله من الموضوع، بل إن حركة حماس وحدها هي التي صدر حكم قضائي بوضعها علي قوائم الإرهاب، ولم يوضع حزب الله، مع أن الاتهام واحد!.

الأزهر دخل أيضاً على الخط، وهو الذي أهان شيخه الرئيس الإيراني أحمدي نجاد عند زيارته لمصر، وكانت رسالة من أحد "الفلول" لضيف الرئيس محمد مرسي، وبتحريض من الثورة المضادة، وهو أحد أطرافها، فقد كان يراد للرئيس المنتخب أن ألا يجد ملفاً يناور به في مواجهة مؤامرة الخليج التي كانت تقودها السعودية والإمارات.

ليس هناك مبرر لجلافة شيخ الأزهر مع الزائر الإيراني، فهو صوفي، والتصوف كما يقولون هو بوابة التشيع، وهو في مصر أحد مخلفات الدولة الفاطمية ونتاج الاختراق الشيعي. راجع كتاب "أحمد البدوي بين الحقيقة والخرافة" للدكتور أحمد صبحي منصور. لكنها المؤامرة المبكرة على الرئيس وكان شيخ الأزهر أحد أضلاعها.

ليس عندي كلام أقوله هنا، فالحكم الإخواني سعى للتقرب من شيخ الأزهر، العضو السابق بلجنة جمال مبارك، بلا ضرورة ثورية أو دينية، فلم يكتف فقط بالإبقاء عليه في منصبه، وإنما عملت السلطة في عهد الرئيس محمد مرسي على مجاملته بأكثر مما يستحق، وجاء نص العزل السياسي في الدستور مرتبكاً ومسخرة دستورية، حتى لا يشمل شيخ الأزهر، مع أنه محظور عليه العمل السياسي بحكم موقعه. وعندما جاء تفعيل سلطة الرئيس في تعيين عدد من الأشخاص في مجلس الشورى طلب من شيخ الأزهر أن يزكي أربعة، وهم الآن مع شيخهم ضمن منظومة الانقلاب!.

الأزهر أرسل موفدين منه لطهران، ومن بينهم مؤذنون يؤذنون الأذان الشيعي، بالنص على أن "عليا ولي الله". وكان الأزهر عزل الشيخ "فرج الله الشاذلي" من منصبه كمؤذن بالجامع الأزهر لوجود فيديو له وهو يؤذن في أحد مساجد الشيعة في العراق بهذا الأذان، بعد ثورة إعلامية ضده، حذر فيها الأزهر من مكائد الشيعة!.

الوضع اختلف الآن، فإعلام الانقلاب يبشر بالمرحلة الإيرانية، ولا صوت لحزب "النور" السلفي الذي أقام الدنيا وأقعدها في عهد الرئيس محمد مرسي عندما كان الحديث عن السياحة الإيرانية، فالتصور الذي ألح عليه حزب "النور" أنه إذا مر شيعي إيراني بجانب سني مصري نقل إليه التشيع في لمح البصر. الآن لا حس ولا خبر!.

هناك مشروع سياحي قديم، منذ عهد مبارك وضعه أحد الشيعة المصريين، وهو مشروع إحياء العتبات المقدسة في مصر، وبني المشروع على أنه سوف يستقبل سنوياً عشرة ملايين شيعي، يزورن مراقد أهل البيت، وهو رقم مبالغ فيه، لأن حجم حركة السياحة الإيرانية للعالم كله سنوياً هي هذه الملايين العشرة، لكن التصور الأكثر معقولية هو ما ذكره وزير السياحة ومنذ عهد الرئيس محمد مرسي، وهو مليون ونصف المليون سائح.

في عهد مبارك تم إلقاء القبض على صاحب المشروع بتهمة التشيع، وقال هو إن مافيا السياحة في مصر هي التي دفعت به لغياهب السجون لتستولي على مشروعه الذي أعجب وزير السياحة وقتها الدكتور ممدوح البلتاجي.

لكن المشروع توقف، ويبدو أن تدخلاً على أعلى مستوى كان سبباً وراء تجاهل هذا المشروع، فالمخلوع مبارك، لم يكن يقبل مناقشة في الملف الإيراني، لأسباب ليست مرتبطة بالسنة والشيعة، فما أظنه يعرف الفرق بينهما!.

قبل رحيله في سنة 1998، روى لي مصطفي كامل مراد رئيس حزب الأحرار، كيف أنه عرض على مبارك تشكيل وفد من أحزاب المعارضة لزيارة طهران، لكن مبارك اعترض بشدة ومما قاله نصاً: "الأمريكان يزعلوا". وقال له مراد: "قل لهم هذه أحزاب معارضة ولا يمثلون السلطة". فرد عليه مبارك: "وهل الأمريكان سذج ليأكلوا من هذا الكلام؟ سيقولون إن هذا الوفد لم يكن له ليذهب لإيران إلا بموافقة مبارك!".

ما علينا، فإذا كان تصرف التاجر عند الإفلاس هو التفتيش في دفاتره القديمة، فإن وزير السياحة الحالي، وهو كان وزيراً في عهد مرسي إلى أن استقال في أيامه الأخيرة، يتبنى مبكراً مشروع إحياء العتبات المقدسة ومزارات ومراقد أهل البيت، وله تصريحات كاشفة عن ذلك في مارس وأبريل (2013) وقد زار طهران لهذا الهدف. لكن يبدو أن الضغوط التي تعرض لها الرئيس محمد مرسي من السلفيين أوقفت طموح الوزير عن حل أزمة السياحة من المخزون الإيراني!.

وربما دغدغ وزير السياحة العواطف الجياشة لعبد الفتاح السيسي بهذا المشروع، وهو في أزمة بعد توقف "الرز" القادم من الخليج، بيد أن السيسي ليس مؤمناً بنظرية الانتظار، وقاعدة "لا تعطيني سمكة ولكن علمني كيف اصطاد". وهو ليس لديه وقت لكي ينتظر حتى ترقد الدجاجة وتبيض ذهباً، فهو مع ذبح الدجاجة. وفي التسريبات كشف عن فلسفته في الحياة، هو يريد "رزّا" وليس مساعدات عينية!.

وإيران الباحثة عن موضع قدم لها في المنطقة لديها الاستعداد الكامل لتمثل بديلاً مهماً من هذه الناحية. وقد كانت تعتقد أن الربيع العربي سيمكنها من الحضور للمنطقة، وقد قدمت دعماً لحزب إسلامي بعينه في بلد من بلدان الثورات، لكن السعودية عندما علمت دخلت على خط التمويل، ليعلن هذا الحزب رفضه للتشيع، ثم قامت السعودية بعد ذلك، بتمويل خصوم هذا الحزب من اجل إفشاله، ضمن مخططها لإفشال الربيع العربي!.

وكما قال لي أحد الشيعة المصريين قبل الانقلاب نادباً حظه، وبصوت جهوري سمعه كل من كان جالساً على المقهى: "إيران لا تدعمنا.. هي لا تدعم التشيع المذهبي لكنها تمول التشيع السياسي، هذا هو الأفضل لها".. ثم أردف: "هل تريد أن أذكر لك أسماء؟!".

ولم أكن بحاجة إلى ذلك، فيتامى صدام حسين الذين كانوا يمولون منه، ولّوا وجوههم شطر خصومه في طهران، فالمال ليس له وطن!.

أحدهم، يأنس لي فيتحدث معي في مثل هذه الملفات على المكشوف، ربما لأنه لا يوجد ما يستدعي الكتمان، وقد كتم إلى أن فوجئت باسمه في قوائم النفط مقابل الغذاء، وقد راعني أن كل الأسماء الواردة فيها كانت معي في زيارتي اليتيمة لبغداد، وأدهشني أنني كنت الوحيد تقريباً الذي لم يدرج اسمه، فلم يعرض علي تمويلاً لكي أرفضه.

وهذه قصة رويتها في كتابي "شر البلية.. في السياسة والذي منه"، ولا توجد منه نسخة واحدة في الأسواق.. حتى لا يقول أحد إنني أقوم بدعاية له.

قال لي أحدهم إنه دخل مكتب أحد المسؤولين في السفارة الإيرانية بالقاهرة فوجد أحد الزعماء الذين كانوا يدافعون عن صدام حسين "بالروح وبالدم" عنده، قال: عندما تلاقت أعيننا ضحكنا طويلاً بدون كلام!.

وسألته عن السبب في هذه الضحكات المتبادلة فقال: لقد كان لسان حالنا يقول إن الدنيا صغيرة، فكما جمعتنا مكاتب مسؤولين في العراق فها هو مكتب "العدو الإيراني يجمعنا من جديد"! 

لقد كانت إيران تبحث عن موضع قدم في القاهرة من خلال هؤلاء، وها هي الأبواب مفتوحة، والسيسي في زمن القحط لا مانع عنده من تمكين إيران وإن كان سينزل رتبة، ومن رسول - بحسب قول أحد شيوخ الأزهر - ليكون آية الله العظمى. لكنه هنا يعلب بالنار!.

فالسعودية لا تمثل فقط موردًا "للرز" لكنها داعم سياسي مهم للانقلاب، وهو يعبث في أمن الخليج القومي والاستراتيجي!.

وإن كنت أعتقد أن السيسي يناور، على طريقة "امنعوني وإلا انتحرت"!.

انتحر يا سيسي!

[email protected]