"الإشارة أبلغ من الكلام أحيانا".. تعبير متداول بين ذوي الإعاقات السمعية في
مدرسة الصم، وسط
مقديشو، التي باتت وسيلة لدمج تلك الشريحة في المجتمع التي ينظر إليها بعين الاحتقار، بحسب موسى أحمد مدير المدرسة وأمين عام منظمة ذوي الإعاقة السمعية.
جاءت فكرة تأسيس المدرسة الوحيدة من نوعها في مقديشو العام 2006 بعدما استشعر موسى أحمد أن أعداد ذوي الإعاقات السمعية في تزايد مستمر، ويعاني موسى من ضعف حاد في حاسة السمع بعد أن تلقى حقنة طبية عن طريق الخطأ هو وتسعة آخرين في إحدى المستشفيات في مقديشو قبل عشر سنوات.
المدرسة رغم صغر حجمها وبساطة إمكانياتها، إلا أنها تشكل ساحة يتنفس فيها طلاب من ذوي الإعاقات السمعية، الذين يقدر عددهم بـ130 طالبا وطالبة.
ويقول موسى أحمد، إن "هذه المدرسة أسست لتلبية احتياجات فئة الصم في مقديشو، حيث إنها واجهت في سنواتها الأولى ظروفا صعبة ولم يلتحق بها إلا عدد قليل من الطلبة نتيجة غياب ثقافة تعليم هؤلاء الصغار".
ويدفع كل طالب في هذه المدرسة شهريا مبلغا قدره خمسة دولارات أمريكية ما يعادل (مئة ألف شلن صومالي)، وهي رسوم أقل بكثير من الرسوم المدرسية العادية التي يدفعها الطلاب العاديون وتصل إلى 10 دولارات شهريا، بحسب أحمد.
وأضاف موسى أن جميع الطلبة يعانون من أمرض نفسية لدرجة أن بعضا منهم يعتقدونبأنهم غير مؤهلين للتعليم نتيجة تصرفات أسرهم غير اللائقة، مثل التقليل من دورهم في الحياة، ما يجبرهم على البقاء في المنازل في حين يذهب أقرانهم إلى المدارس النظامية.
ومضى قائلا إن مشاكل هؤلاء النفسية تبدأ في منازلهم التي ينهضون منها حيث يفقدون دفء الحنان والرعاية من أسرهم التي عجزت عن مواجهة صعاب دمج أبنائها في المجتمع، مشيرا إلى أن ذوي الاحتياجات الخاصة شأنهم شأن المجتمع العادي في جميع الأصعدة، بل إن
لغة الإشارة لدينا هي الأبلغ من التعبير.
بطريقة لا ترقى إلى مستويات المؤسسات التعليمية لذوي الاحتياجات الخاصة في العالم، تسعى مدرسة الصم إلى إكساب طلابها البالغ عددهم 130 شخصا مهارات القراءة والكتابة على أمل أن يجدوا قسطا من التعليم يؤهلهم للاندماج في المجتمع، ونجحت في المهمة في بعض الحالات حتى إن اثنين من طلابها أكملا تعليمهما والتحقا بالجامعة.
وأخيرا، بعد 11 سنة قضاها أحمد محمود في المنزل بين جدران بيته، التحق بهذه المدرسة المتواضعة ليتعلم القراءة والكتابة، قائلا: "قبل التحاقي بالمدرسة كنت في البداية أشعر بالضيق والحنق، أما اليوم فوجدت من يهتم بأمري ويرعاني ويعلمني وألعب معه أحيانا".
رغم إعاقته السمعية والظروف التي تحيط به، فإن أمنياته تتخطى الحدود، فيتمنى أن يواصل مشوار تعليمه حتى ينال درجة الدكتوراه في الطب، وينشئ مركزًا لتعليم ذوي الاحتياجات الخاصة.
تماما مثل أحمد، تدرس صفية علي في الفصل السابع من المرحلة الإعدادية، وهي الطالبة الوحيدة في هذا الفصل، لم تكن يداها تصدران الإشارات بسرعة حتى استجمعت قواها لتقول: "أشعر بإحساس قوي عندما لاحظت أني الطالبة الوحيدة في هذا الفصل متمنية أن أرى يومًا أكون فيه في طريقي إلى الجامعة".
ومع كل طموحاتها، فلا تزال صفية تسترجع ذكرياتها الأليمة عن تصرفات ذويها حيث كانت تنظف المنزل عندما كان يذهب إخوتها إلى المدرسة والخلوة القرآنية، وكأن فقدانها للسمع حبسها بين جدران بيتها، فهي لاتذهب إلى المدرسة ولا تختلط مع أهلها وذويها.. وتضيف: "عندها لم أفكر بمستقبل واعد، لكن الآن لدي طموح كبير وحلم سيتحقق إن شاء الله".
وتفتقر المدرسة إلى الوسائل التعليمية الملائمة للطلاب، لكن على بساطتها تبدو مؤثرة نوعا ما نظرا لاستيعاب الطلاب الدروس. وتعاني المدرسة التي يبلغ عدد طلابها 130 طالبا من ضيق المساحة وقلة الفصول.
ويقول محمد نور، أستاذ رياضيات، وهو أصم أيضا، إن ثمة تحديات كبيرة تواجه سير التعليم في هذه المدرسة، حيث لا تتوافر لدينا وسائل التعليم والإيضاح، ما يدفع المدرس إلى الاعتماد على الوسائل التقليدية كتصوير الأشياء التي يصعب على الطلاب فهمها على السبورة أحيانا.
وأضاف نور أن فهم الطلاب واستيعابهم الدروس أقل من الطلاب العاديين، لأن منهج المدرسة لا يتناسب مع هؤلاء الطلبة، كما أن القائمين على المدرسة لا يقدرون على إعداد منهج يتلاءم مع فئة الصم.
وبحسب القائمين على هذه المدرسة، فإنهم يؤمنون بأن فئة ذوي الإعاقة السمعية هي الأسوأ ظروفًا في هذا البلد، حيث إنهم لا يجدون حقوقهم كغيرهم من المجتمع، بل إنهم أيضًا يعانون من التهميش والاقصاء.
ويتهمون الحكومة الصومالية بعدم الاهتمام بهم، بعدما أطلقت برامج "اذهب إلى المدرسة" التي استفاد منها أكثر من 10 آلاف طالب، ولم يشارك فيها الصم.