لا تتخلف "آسيا" (48 عاماً) منذ شهر عن زيارتها اليومية للغرفة التي كانت معدة لزواج ابنها أحمد، وفور دخولها للغرفة تقول لمن حولها بعد أن تتأمل كامل الغرفة: "لماذا لم تفرشوا طرحة السرير البيضاء، فأحمد هو من انتقاها"، وبنبرة تتراوح بين الرجاء والسؤال: "هل جلبتم بدلة
عرس أحمد، أم إنكم لا زلتم تنتظرونه حتى ينتقيها؟".
لا تريد آسيا تصديق ما جرى لابنها أحمد (25 عاماً)، حيث كان الأخير قد لقي مصرعه قبل نحو شهر من الآن، وذلك في غمار معركة كان يخوضها ضد قوات النظام، في محيط قرية "حردتنين" شمال مدينة
حلب، قبل عدة أيام من موعد حفل زفافه الذي كانت تنتظره العائلة المفجوعة بفارغ الصبر.
وتقول الأم، ويداها تتلمسان ملابس ابنها المركونة في الخزانة الجديدة: "لم يمت أحمد، بل ذهب حتى يدعو أباه وإخوته الثلاثة لحضور زفافه"، حسب قولها لـ"عربي21".
وكان أحمد قد انضم للقتال في صفوف قوات الثوار، بعد أن فقد أباه وأشقاءه الثلاثة وزوج أخته، وذلك قبل عام ونصف العام من الآن، جرّاء إلقاء برميل متفجر على منزلهم في بلدة "جبرين" الواقعة شرق مدينة حلب، لينجو حينها هو ووالدته وشقيقين آخرين له من الموت.
لجأ أحمد بعدها، مع من تبقى من العائلة إلى مخيمات اللجوء المقامة فوق الأراضي التركية، بعد أن تدمر منزلهم بشكل كامل وصاروا بلا مأوى، ولكن النار المشتعلة في صدر أحمد لم تنطفئ، ولم يستطع نسيان كل ما جرى لعائلته، ليقرر أن يعود وينضم إلى قوات المعارضة عسى أن يخمد نيران قلبه قليلاً بقتاله من قتل عائلته، بحسب رواية والدته آسيا.
وقتل "أحمد" في أثناء تصدي الثوار لاقتحام قرية "حردتنين" من قوات النظام، جراء إصابته بعدة طلقات نارية، وبقيت جثته أربعة أيام دون دفن، إلى أن تمكن الثوار ممن سحبها عقب استعادة الأخيرة السيطرة على هذه القرية مجدداً.
تحدثت آسيا لـ"عربي21" عن ابنها، فقالت: "لقد خيَّرني أحمد بين أمرين: الأمر الأول أن يتركنا في المخيم ويغادر هو، أو أن يصطحبنا معه إلى حلب مجدداً، ولم أفلح حينها في ثنيه عن العودة"، وتضيف: "كان يقول لي اشتقت لأبي وإخوتي، لا حياة لي هنا، والنظام السوري لا زال حاكماً هناك".
تقول آسيا لـ"عربي21" والدموع تنهمر من عينيها: "لقد قتل بشار وأعوانه كل من أحببتهم، وحتى خطيبة أحمد التي أحببتها منعني من ضمها لعائلتي، ولكنني على يقين بأن الله ليس بغافل عن هذا الظالم الذي لم يُبق لي أحداً، قتل زوجي وأبنائي وصهري، ألم يشبع من دمائنا بعد؟".
وتتابع: "خطيبته لم تودعه، ولم تحتضن جثمانه قبل أن نواريه الثرى، لأنها دخلت في حالة فقدان وعي وإغماء فور سماع الخبر، وبعد مضي أسبوع على دفنه قمت باصطحابها إلى قبره بطلب منها، وحال وصولنا المقبرة غابت عن الوعي تماماً، كما أن وضعها النفسي في تدهور مستمر".