من الضروري أن ترافق قرار التدخل البري العسكري في اليمن خطة ذات شق سياسي وشق تنموي واضحة المعالم والأهداف لأجل اليمن. «
عاصفة الحزم» أنعشت الأكثرية في المنطقة العربية التي سئمت الانهزامية. التصدي العربي للتوغل
الإيراني في اليمن تزامن مع تعثر في الصفقة الأميركية - الإيرانية في الاتفاق النووي المفترض أن تتوصل إليه الدول الخمس الكبرى المنتمية إلى النادي النووي وألمانيا بعد ثلاثة أشهر.
هذه الفترة الزمنية تشكل تحدياً لأطراف «عاصفة الحزم» على صعيد اليمن نفسه وفي إطار صياغة الاستراتيجية الأوسع للتوازنات الإقليمية. الأخطاء ممنوعة وكذلك التلكؤ في التفكير العميق بما تتطلبه اليقظة العربية كي لا يكون حدث اليمن عابراً، وكي لا تفوت الفرصة التي ولّدتها «عاصفة الحزم» عربياً وإقليمياً ودولياً. فالعلاقة الاستراتيجية الجديدة بين مصر والسعودية والإمارات ودول أخرى خليجية وعربية تُمتَحَن في اليمن. والقيادة السعودية للتجمع الجديد الذي يضم دولاً عربية وباكستان
تقع تحت المجهر يمنياً وعراقياً وسورياً ولبنانياً حيث لإيران نفوذ وأوراق وحسابات.
لا بد من أن يكون لدى القيادة السعودية خطة اقتصادية بنيوية لليمن. هذه الخطة يجب أن تكون جليّة الوضوح لليمن بكامل أقطابه، بمن فيهم الحوثي، كي تصل رسالة النقلة النوعية في العلاقة السعودية مع اليمن. ومن شأن هذا الشق الاقتصادي أن يساهم في ترغيب جميع الأطراف بالحوار والحل السياسي وبالتالي يساهم في الانتقال من العمليات العسكرية إلى العملية السياسية.
البعض يرى أن لا مناص من إقناع الحوثيين عسكرياً أن لا مجال لإحياء طموحات الانقلاب الذي قاموا به، ولا مكان لهم سوى كأحزاب سياسية. لذلك تُتَخَذ كل التدابير اللازمة لضمان هذه النتيجة، وهذه التدابير تشمل إنشاء قوة ستدخل اليمن من صعدة لتفرض القبول بالتفاوض وبتسوية.
الرئيس السابق علي عبدالله صالح يبدو مرفوضاً حالياً كطرف في التسوية. لكن ابنه أحمد قد يكون الحلقة المفتوحة إلى صفقة التسوية إذا لم يحرق أوراقه كما فعل والده بانتحار سياسي كامل هذه المرة.
التحرك الديبلوماسي في مجلس الأمن الدولي يفيد أن السعودية ودول مجلس التعاون والأردن -العضو العربي الوحيد في المجلس- تتحرك لتهيئة الأرضية لحلول سياسية وتدعمها بذلك الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. روسيا تقاوم ذلك لكنها لا تقطع الطريق عليها كلياً. لذلك تقدمت بتعديلات على مشروع القرار العربي - الغربي مما يعني أنها جاهزة للأخذ والعطاء حتى وإن لاقت التعديلات رداً بتعديلات عليها حالت دون إفراغ مشروع القرار من مضمونه.
المطلوب سعودياً وعربياً وغربياً هو إخلاء الحوثيين المناطق التي احتلوها وإعادة الأموال المنهوبة إلى السلطة وفرض حظر عسكري على الحوثيين يمنع وصول الإمدادات العسكرية إليهم. روسيا تقاوم، لكنها منخرطة. وهذا يشير إلى إمكانية التوصل إلى اتفاق على قرار، لا سيما أن إيران أيضاً ألمحت إلى رغبتها بالحوار والتفاهم السياسي بين الأطراف اليمنية فيما كان أول رد لها بعد «عاصفة الحزم» أن الحل السياسي لن يكون ممكناً بعد العمل العسكري.
الديبلوماسية السعودية تريد إعادة توضيح مهمة مبعوث الأمم المتحدة جمال بن عمر بمرجعية مختلفة بعدما اختلفت الأمور على الساحة. هذا يعني -عملياً- أن الديبلوماسية السعودية غاضبة من المبعوث الدولي وتلومه جزئياً على ما آلت إليه الأمور وأدى إلى محاولة الإطاحة بالشرعية والرئيس عبد ربه منصور هادي.
بغض النظر عمّن سيرعى أي حوار سياسي يمني، إن الحاجة ماسة إلى خطة اقتصادية وسياسية تستفيد مما توصّل إليه الحوار من أفكار تصب في خانة الانتقال من الدولة البسيطة إلى الدولة المركّبة. فالفيديرالية هي أفضل الوسائل للتعايش إذا تم صنعها بشفافية وعملية.
أما الآن وفي الأيام المقبلة، إن الأولوية الميدانية هي لمستلزمات العمليات العسكرية البرية، إذ يبدو أن لا مجال لتفاديها. سيكون في طليعة فِرَق المشاة قوات يمنية. كما بدأت قوات التحالف تدريب الجيش والشرطة لاستعادة المواقع التي احتلتها جماعة الحوثيين في الداخل اليمني. إنما ليس واضحاً إن كان الأمر سيتطلب دخول قوات من التحالف الأراضي اليمنية بصفة المشاة لأن الغارات العسكرية والقوات اليمنية قد لا تكون كافية.
المسألة دقيقة للغاية لأن لا مجال للأخطاء ميدانياً ولأن النجاح البنّاء في اليمن عبر «عاصفة الحزم» وما يليها له تداعيات على الطموحات الإيرانية الإقليمية. وللفشل كلفة غالية، الفشل بالتورط البري أو بتناسي الخطة الاقتصادية والتنموية.
الجمهورية الإسلامية الإيرانية أساءت إلى الحوثيين في اليمن بممارستها العنجهية عبرهم. فهي استعجلت إلى الافتراض أنها باتت الشريك الجديد الذي لا تستغني عنه الولايات المتحدة مراهنة في ذلك على إصرار الرئيس باراك أوباما على صفقة نووية معها وصفقة ثنائية تبارك ضمناً توسعها في الدول العربية. لذلك أطلقت الميليشيات الموالية لها في العراق للاحتفاء بنبرة الانتصار. وأطلقت العنان للحوثيين للمضي إلى الانقلاب على الرئيس في صنعاء ثم ملاحقته إلى عدن.
في محطة عدن بدأت القيادة السعودية اتخاذ الإجراءات بكل سرية وبصورة مدروسة وعازمة لإطلاق «عاصفة الحزم». وفي عدن، قررت القيادة السعودية أنها لن تبقى رهينة الانتظار إلى حين وضوح
المفاوضات النووية الأميركية - الإيرانية في شتى المدن السويسرية انتهاء في لوزان. قررت أن تأخذ زمام المبادرة بجديد نوعي أدى فعلياً بـ «عاصفة الحزم» لتؤثر بعمق في المفاوضات مع إيران لأنها أقحمت البعد الإقليمي في البعد النووي في أذهان المفاوضين وهزّت المفاهيم الرسمية التي
انحصرت سابقاً في المسألة النووية نزولاً عند طلب الإيرانيين.
مثل هذا التطوّر في العلاقة السعودية-الإيرانية والسعودية-الأميركية بعث رسالة إلى طهران فحواها «كفى استهتاراً» وإلى واشنطن فحواها «عذراً، لن ننتظر».
الآن، الجميع أخذ الرسالة السعودية بجدية. إنما إذا لم تحدث نقلة استراتيجية نوعية ذات بعد إقليمي يتعدى اليمن، ستخسر الجدية. ليس المطلوب تحرك عسكري في العراق وسورية ولبنان مشابه لـ «عاصفة الحزم» في اليمن. القصد هو أن اليقظة تتطلب عدم التوقف عند البعد العسكري وحده في المسألة اليمنية وعدم التوقف عند المحطة اليمنية.
الخيارات متاحة إذا توافر العزم والحزم على إيقاف الزحف الإيراني في الدول العربية - بعضها عسكري وبعضها اقتصادي وبعضها له علاقة باستخدام أدوات لم يسبق استخدامها جدياً. المهم إيجاد الوسائل لإفهام إيران أنها دولة إقليمية مهمة، لكنها ليست إمبراطورية. المهم حشد المثابرة بين الدول العربية في التحالف لدرجة أخذ طهران هذا التجمع ببالغ الجدية.
مهما حدث في المفاوضات النووية التاريخية، إن الحدث الآخر المرشح ليكون تاريخياً هو حدث اليمن. فترة الثلاثة أشهر المقبلة ستصنع تاريخاً جديداً للمنطقة إذا انصب قادتها على رسم استراتيجيات بمستوى التحديات بمنهجية مختلفة عن العادة. ولقد آن الأوان.
(نقلا عن صحيفة الحياة اللندنية)