كتب كمال أوزتورك: كيف هو خيالكم لتركيا؟ كيف تريدون أن تكون لأنفسكم ولأولادكم وحتى لأحفادكم؟ حين تسألون هذا السؤال سيبدأ الجميع بالتحدث عن الحرية والسلام والأخوّة والرفاه. ولن يتحدث أحدٌ عن الشجارات والصراعات والأزمات والمشاكل.
سيفعلون الأسهل أي سيقول الجميع إنه يحلم بتركيا سعيدة.حسناً، ولكن كيف ستحّل المشاكل؟ ماذا ستفعلون في زمن الفوضى وليس زمن السلام؟ تم إعلام الجميع بأسماء مرشحي الأحزاب السياسية في البرلمان لانتخابات 7 حزيران. وبعد أن عرض علينا كلُ حزبٍ سياسيّ مرشّحه سيتحدّث قليلاً عن تصوره وخياله لتركيا التي يحلم بها.قوة الأحزاب السياسية يتّم قياسها بقدرتهم على حلّ المشاكل في زمن الفوضى وليس في زمن السلام.
وتركيا هي دولة تعيش وسط حروب من كل الاتجاهات. ولهذا لم تدع الفوضى أراضينا وجيراننا وحدودنا. لأننا نعيش في أول أرض وجدت فيها الإنسانية والحضارة، وقد كتب نصف تاريخ الإنسانية في هذه الأرض، وفي هذه الأرض التي نعيش عليها توجد أهم المناطق والمعابد والحواضر المقدسة؛ ولهذا نحن لسنا أمريكا ولا سويسرا ولا إنجلترا، نحن في وسط خطوط الكهرباء والمياه والتجارة، في الأرض التي يتمناها الجميع، هذه الأرض هي مولد الأديان.
وتركيا تقع في منتصف كل هذه الأحداث والتطورات. لا يمكنكم أن تكتبوا تاريخ القوقاز والبلقان والشرق الأوسط دون أن تتحدثوا عنا، من دوننا يصبح تاريخ العالم ناقصاً. تخيلوا أن الأرض التي حكمتها الدولة العثمانية وحدها من قبل، خرجت منها الآن 64 دولة، والآن تاريخ جميع هذه الدول لا يكتمل إلا بنا .
اليوم ينشغل جيراننا إيران والعراق وسوريا بالحرب بشكلٍ فعليّ. فلجأ 1.7 مليون لاجئ إلى تركيا.
أمريكا، روسيا، الصين، إنجلترا، فرنسا وإسرائيل، جميعهم مقاتلون من الدرجة الثانية في هذه الحرب، وجميعها تؤثّر على الشأن الداخليّ التركي وعلى أراضينا، فيقال إن ألمانيا تسعى بكل قوتها إلى إشعال المشكلة العلوية والمشكلة الكردية في تركيا، وإن إيران واليونان وألمانيا تحمي حزب العمال الكردستاني والحركات الإرهابية في تركيا.
والكثير من الدول دعمت الكيان الموازي حتى جعلت منه بلاء لتركيا.باختصار هناك عشرات الدول المستعدة لعمل أيّ شيء يمنع زيادة قوة تركيا، وجميع هذه الدول إما تعمل مع عناصر مؤيدين لها في الداخل، أو تسعى لتحريك البعض أو تقوم بعمليات سرية. يريدون أن تعمّ الفوضى في تركيا فيتمكنوا من السيطرة عليها واستخدامها لمصالحهم. والآن فكروا بكل هذه الأمور وحولوها إلى أسئلة وكرّروا السؤال عن خيالكم لتركيا.
فكلما كانت أجوبة السياسيين أكثر مصداقية ستفهمون أكثر: كيف ستحلّون المشكلة الكردية، ما الذي تخططون له في المشكلة العلوية، ما هي خططكم حول الدول التي تدعم حزب العمال الكردستاني والتنظيمات الإرهابية التركية، ما هي مشاريعكم حول الـ 1.7 مليون لاجئ، كيف تفكرون بمواجهة التوسّع الشيعي الإيراني، ماذا عن مشكلة الكيان الموازي.
ماذا سيحدث إن خضعت اليمن للسيطرة الإيرانية، كيف ستجدون العملاء الأتراك للقوى الخارجية، كيف ستكون علاقاتكم مع الدول المنزعجة من إنتاجنا للطاقة، كيف ستديرون الاقتصاد. في الفوضى التي يعيشها العالم الإسلامي تتوجّه الأنظار إلى تركيا فماذا أنتم فاعلون؟...وعشرات الأسئلة الصعبة بإمكانكم سؤالها. اسألوا السياسيين ماذا سيفعلون بكل هذا! قيادة دولة أمرٌ مختلف.
أما قيادة دولة كتركيا فهو أمر مختلف جداً؛ فاليوم الأحزاب السياسة التي تأخذ أصواتاً من منطقة الساحل لا يمكنها أن تدير الشرق، والتي تأخذ الأصوات من الشرق لا يمكنها أن تدير الساحل.
ففي مثل هذا الوضع السياسي يقع الحمل الأكبر على أكتاف حزب العدالة والتنمية، فالمهم هو كيفية تصوّر هذا الحزب الوحيد الذي يحصل على الأصوات من مناطق البلد كافة، وبالتالي على حزب العدالة والتنمية الآن أن يرسم خيالا لتركيا يحتضن الجميع ويجعلهم سعداء.
(عن صحيفة يني شفق، مترجم خصيصا لـ"عربي21"، 10 نيسان/ أبريل 2015)