قالت صحيفة "فايننشال تايمز" في افتتاحيتها إن على الأوروبيين تمويل عملية إنقاذ جادة في البحر الأبيض المتوسط، وخاصة أن هناك عددا متزايدا من المهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى
أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط، وهو ما يعد أحد أكبر التحديات التي تواجه الاتحاد الأوروبي.
وتذكر الافتتاحية، التي اطلعت عليها "عربي21"، أنه قد
غرق خلال هذا الأسبوع وحده 400 شخص بدأوا رحلتهم من ليبيا، بينما قام خفر السواحل الإيطاليون بإنقاذ 8500 مهاجر، مشيرة إلى أن معاناة الشعوب الغربية بسبب
الهجرة تجعل مشكلة البحر الأبيض صعبة الحل، وترى أنه من الواجب شجب ردود الفعل الأوروبية؛ لأنها غير كافية وغير إنسانية.
وتشير الصحيفة إلى أن القارة الأوروبية لطالما كانت جاذبة للمهاجرين من حدودها الجنوبية والشرقية، وأن الفوضى التي تعم شمال أفريقيا، وخاصة في ليبيا، حولت المشكلة المزمنة إلى أزمة، فقد وصل شواطئ أوروبا حوالي 220 ألف مهاجر خلال عام 2014، أي أربعة أضعاف العام السابق. وغرق أكثر من 3200 شخص خلال محاولتهم الوصول، والكثير يتوقع أن تكون الأرقام لعام 2015 أكبر من ذلك.
وتبين الافتتاحية أن البحر الأبيض المتوسط يعد من أكثر الطرق فتكا بالمهاجرين، وقد جعلته سياسة الاتحاد الأوروبي أكثر خطورة، فحتى الخريف الماضي مولت الحكومة الإيطالية عملية أسمتها "مير نوسترام"، وهو الاسم الروماني للبحر الأبيض، وتعني باللاتينية أيضا بحرنا، حيث اهتمت العملية بالبحث والإنقاذ في البحر الأبيض، ولم تستطع الحكومة الإيطالية الاستمرار بها؛ بسبب تكلفتها الباهظة، وهي تسعة ملايين يورو في الشهر، وتم استبدال العملية في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي، إلى عملية للاتحاد الأوروبي بثلث التمويل، تركز على ضبط الحدود، وليس على البحث والإنقاذ.
وتلفت الصحيفة إلى اعتقاد الحكومات الأوروبية بأن تضييق نطاق العملية له تبرير، فبحسب وكيل وزير في وزارة الخارجية البريطانية، فإن عملية "مير نوسترام" خلقت "عامل جذب غير مقصود، وشجعت المزيد من المهاجرين للمخاطرة وركوب البحر، ما أدى إلى المزيد من الوفيات المأساوية غير الضرورية". وتعتقد حكومات الاتحاد الأوروبي بأنه بتقليل عملية الإنقاذ سيرتدع المهاجرون من المخاطرة وركوب البحر أصلا.
وتستدرك الافتتاحية، التي ترجمتها "عربي21"، بأن إنهاء عملية "مير نوسترام" لم تفعل شيئا لثني اللاجئين الذين يدفعهم اليأس ومهربو البشر، وقد غرق حوالي 700 شخص في البحر هذا العام، مقابل 17 للفترة ذاتها من عام 2014.
وتجد الصحيفة أن ترك الاتحاد الأوروبي لمهمات البحث والإنقاذ هو أمر غير أخلاقي، فإن كان الناس يغامرون بحياتهم، فيجب ألا تتهاون أي حكومة متحضرة في إنقاذهم.
وتفيد الافتتاحية بأنه "خلال الأسابيع القليلة القادمة ستكشف المفوضية الأوروبية عن (جدول هجرة شامل). فيجب ألا يكون هناك شك في ماذا عليها أن تفعل. على أعضاء الاتحاد الأوروبي أن يتعاونوا ليطلقوا عملية بحث وإنقاذ مناسبة في البحر الأبيض، وحيثما أمكن يجب أن تقام مراكز لجوء في دول الجوار يمكنها إدارة تدفق اللاجئين، وفي الوقت ذاته لا تنتهك حقوق الإنسان لأولئك اللاجئين".
وتعتقد الصحيفة أن الأهم من ذلك كله هو أن على شعوب الاتحاد الأوروبي أن تترك نظرتها السلبية لأعداد اللاجئين. ففي كانون الأول/ ديسمبر، قام المفوض السامي لشؤون اللاجئين للأمم المتحدة بالطلب من الاتحاد الأوروبي باستقبال 130 ألف لاجئ سوري خرجوا بسبب الحرب الأهلية الدائرة في بلادهم، وهذا الرقم بالإمكان استيعابه في مجموعة بلدان، يصل عدد سكانها معا إلى 500 مليون شخص. وابتداء من الشهر الماضي ستستوعب ألمانيا 30 ألفا منهم، والسويد 2700، أما بقية الدول، وعددها ست وعشرون دولة، فستستوعب 5438 لاجئا، وبريطانيا ستستقبل 143 شخصا.
وتوضح الافتتاحية أن التحدي الرئيس الذي يواجه أوروبا اليوم هو مستقبل اقتصادها ومستقبل اليورو زون. فملايين الوظائف والاستقرار السياسي تعتمد على هذه النتيجة.
وتختم "فايننشال تايمز" افتتاحيتها بالإشارة إلى أن الأحداث في البحر الأبيض يجب أن تثير أزمة ضمير وذاكرة، ولا يمكن للأوروبيين أن يدعوا المدنية إن هم فشلوا في التفاعل بكرم مع أناس يبحثون عن الحرية على قارتهم.